شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الأمة القمعية القادمة.. نظرة على الاستبداد داخل «إيران»

الرئيس الإيراني حسن روحاني

سلّطت صحيفة «الهافينجتون بوست» الضوء على الحقوق والحريات السياسية والمدنية في إيران من الداخل، قائلة إنّ فيها قمعًا غير مسبوق تمارسه الدولة بحق الأقليات العرقية، كالعرب الأهواز والبلوش والتركمان والأكراد، وتعاني فئات الأقليات من تهميش وظلم وفقر مدقع، ومحاولة الهيمنة الفارسية على عقولهم وإبعادهم عن هوياتهم وثقافاتهم الخاصة.

وأضافت الصحيفة، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ النظام الإيراني صوّر نفسه دائمًا باعتباره أكبر داعم للشعوب الإسلامية المضطهدة، خاصة الفلسطينيين؛ وأدان مسؤولون إيرانيون التعامل الوحشي لقوات الاحتلال مع المصلين في المسجد الأقصى، كما نددوا بالمذابح ضد الروهينجا في ميانمار.

بينما في الوقت نفسه تصمت طهران على الانتهاكات التي تواجهها الأقليات داخل بلدهم. كمثال على ذلك، قتل النظام الإيراني اثنين من الأكراد على أرضه في الشهور الأخيرة، ولم تغطِّ وسائل الإعلام المحلية الحدث؛ وهو أمر اعتيادي في حوادث القتل التي يرتكبها النظام ضد الأقليات.

وقالت الصحيفة إنّ العقلية القمعية للحكام الإيرانيين تجاه الأقليات تهدف إلى «استئصالهم»؛ عبر تدهور منهجي في نوعية الحياة التي يعيشونها، وحرمانهم من أبسط حقوقهم الأساسية، مقارنة بالجماعات الفارسية المهيمنة.

ويأخذ الحرمان أشكالًا عدة؛ منها حرمانهم من تعلم لغتهم الأصلية أو دراسة تاريخهم في المدارس، وحرمانهم من حقوقهم السياسية والاقتصادية. والأكثر إيلامًا حرمانهم من الحقوق التي يتمتع بها القوميون الفارسيون في جميع أنحاء البلد.

من احتجاج أقليات إيرانية ضد السياسة المتبعة ضدهم – أرشيفية

ويهمّش النظام الإيراني الأقليات ويضعهم في المناطق الأكثر فقرًا لأنه يعتبرهم خطرًا على بقائه؛ لذا يسعى إلى القضاء على ما يعتبره تهديدًا. أكثر الفئات التي تتعرض إلى الحرمان وتحوز النصيب الأكبر من الإعدام في إيران «العرب الأهواز والأكراد والبلوش».

وتحذّر شخصيات بارزة ونشطاء من هذه الأقليات من تصاعد التوترات بسبب هذه السياسات والأذى الذي يلحقه النظام بهم؛ إذ يتزايد غضب الأقليات الإثنية في البلاد بسبب القمع الوحشي الذي تمارسه السلطة على المعارضة، بجانب إهمالها الحقوق المدنية الأساسية وقمع الحقوق الثقافية والاجتماعية.

التطرف بدل الحرية 

وقالت «الهاف بوست» إنّ ثمة مخاوف أخرى بشأن التفكك العرقي والطائفي في إيران؛ فالغضب يتنامى بشدة في أوساط الأقليات، لا سيما الأكراد والعرب الأهوازيين والأتراك والتركمان والبلوشيين، الذين يشكّلون أكثر من نصف سكان البلاد، وتزيد الأزمة الاقتصادية المتفاقمة من معاناتهم، بجانب الإحباط الذي يواجهونه؛ لفشل النظام في الحفاظ على وعوده بمزيد من الحرية، التي يواجهون بدلًا منها تطرفًا.

وأكّدت الصحيفة أنّ النظام الإيراني يسعى حاليًا إلى تحقيق حلمه ببسط نفوذه على منطقة المشرق العربي، ويتباهى المسؤولون هناك بما يسمونه «بناء أمة إسلامية» على مستوى منطقة الشرق الأوسط، بمساعدة وسائل الإعلام المحلية التي تعزز من حروبها وتدخلاتها الإقليمية، ويأتي هذا في الوقت الذي تعاني فيه إيران من تراجع اقتصادي وتزايد نسب الفقر والبطالة بشكل مطرد.

جانب من معاناة الطلاب العرب في المدارس الإيرانية

وقال مصطفى هيته، مدرس سابق في أهوازي ومقيم بكندا، إنّ ما لاحظه أثناء تجربته التعليمية في المدارس الإيرانية أنّ «وصلة التعذيب للأطفال غير الإيرانيين تبدأ منذ اليوم الأول في المدارس؛ فيحرمون من تعلّم لغتهم الأصلية، ويُمنعون من دراسة هويتهم وثقافتهم، ويتلقون مثل الأطفال الآخرين دروسهم المقررة على غيرهم من الأطفال الفارسيين، واعتماد المعايير الثقافية الفارسية، يبدأ تلقينهم السياسات الفارسية في مرحلة مبكرة جدًا».

وأضاف «محمد»، مدرس يهودي عربي بمدينة الأهواز، غيّر اسمه خوفًا من الملاحقة، أنّ غضب جميع الأقليات في إيران وإحباطهم يتزايدان باستمرار؛ فالمبادئ التوجيهية الأخيرة لوزارة التربية والتعليم نصّت على وجوب إجادة الأطفال اللغة الفارسية بشكل صحيح لكي يتعلموا، ولا يمكن توظيف معلمين لديهم لهجات مختلفة، موضحًا أن ذلك وسيلة أخرى تتبعها الدولة للإهانة والتمييز ضد الأهواز والأقليات الأخرى.

وأضاف المدرس: «نواجه هنا بالفعل عنصرية شديدة، كيف يفترض للأقليات الاندماج في المجتمع الإيراني وهم يتعرضون للإهانة علنًا من الحكومة ووسائل الإعلام في وضح النهار؟».

القشة الأخيرة

وقال محمد إنّ هناك دعوات متزايدة الآن من الأقليات، سواء العرب أو التركمان والبلوش، إلى المقاومة المسلحة؛ لانعدام شعورهم بالأمل في الإصلاح من النظام. وقال إنّ القشة الأخيرة هي أزمة المياه، في إشارة إلى خطط تدمير السدود في الأحواز ومناطق الأقليات الأخرى، ونقل المياه بموجبها إلى المناطق الفارسية وترك غيرها في حاجة ماسة للمياه.

وأضاف أنّ الأمر ترك أعدادًا متزايدة من الأقليات تعتمد على الآبار الأرضية؛ ما أدى إلى انتشار الأمراض بسبب شرب المياه المخلوطة والملوثة. ويضيف المدرس «محمد»: «يريدون تركنا للموت عطشًا أو شرب المياه الملوثة بالطين كي يرووا حدائقهم»، ويضيف: «يتفاخر الملالي دائمًا بكيفية مقاومتهم لإسرائيل، بينهما هم أسوأ من إسرائيل».

خريطة توضح وجود الأقليات السنية والكردية في إيران

وتابع: «النظام الإيراني أصبح الآن أكثر تطرفًا وقمعًا للأقليات العرقية، التي عاصرت صراعات أكثر جذرية مع النظام؛ فبعدما كانت تواجه احتجاجاتهم السلمية ومطالباتهم لحقوقهم بالعنف والقمع، تطوّرت نضالاتهم لتشمل الآن تهديدات بحرب مسلحة بغية الانفصال عن إيران».

وأصبحت هذه الاحتجاجات، بحسب الصحيفة، شائعة في مناطق الأقليات على نحو متزايد، وأدّت سنوات القمع التي واجهوها إلى تزايد المطالبات بالاستقلال القومي والانفصال؛ كوسيلة للهرب من نزعة التفوق والتعصب التي تميز بها النظام الإيراني بدعم من الإعلام، وتخلى كثيرون عن أي أمل في الوصول إلى تسويات حقيقة تضمن لهم حقوقهم والاعتزاز بهويتهم وثقافتهم الخاصة.

ويرى أكاديميون ومحللون أنّ الدعم المتزايد لفكرة الانفصال جاء بسبب عوامل أخرى أكثر واقعية، كالتضخم المتصاعد وارتفاع نسب البطالة وتفاقم الوضع الاقتصادي بشكل عام، بجانب زيادة نسب الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، التي ساعدت شباب البلوش والأحواز والأكراد والتركمان، على سهولة إيصال صورة سيئة السمعة عن إيران.

وختمت الصحيفة بأنّ هذه التوترات ليست جديدة كليًا؛ بل هي نتاج تراكم طبيعي للاستياء المتصاعد منذ إنشاء الدولة الإيرانية الحديثة عام 1936، التي ضمت فيها إيران إمارة الأحواز العربية، وحاولت فرض الهوية الفارسية عليها، مطالبة النظام الإيراني بإدراك أنّ القمع مآله واضح؛ فسيقود في النهاية لأن تكون إيران دولة إقليمية تالية تمزقها الصراعات العرقية والطائفية.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023