شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«معهد الدراسات الأمنية»: حل أزمة نهر النيل يجب أن يشمل جميع الدول المطلة عليه

منظر من غرفة الكاتب في الفندق المطلة على النيل

اقترح «معهد الدراسات الأمنية» أن تساع الدول الثلاث المتصارعة على مياه النيل، مصر والسودان وإثيوبيا، إلى إيجاد صيغة تفاهمية تشمل الدول الإحدى عشرة المطلة على نهر النيل ولا تقتصر على الثلاث، وتبني مبادرات تهدف إلى وضع حلول لإدارة شاملة لملف النيل وليس مشروعات أحادية الجانب كسد النهضة، وبناء مشاريع لها قابلية للاستمرار اقتصاديًا وتعود بالنفع على كل الدول، مؤكدًا أنّ أيّ مبادرة لا تشمل الدول الأخرى مصيرها الفشل ومزيد من الصراعات.

وأضاف، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ مصر والسودان كانتا الدولتين الوحيدتين المتنازعتين على مياه النيل منذ الانتداب البريطاني، لكن ظهور إثيوبيا في المعادلة ينبئ بأنّ الدول الأخرى ستظهر عاجلًا أم آجلًا؛ لذا يجب العمل على إيجاد حل مستدام يراعي الجميع.

واجتمع رؤساء مصر وإثيوبيا والسودان هذا الأسبوع لاستعادة العلاقات الودية بعد أسابيع من البرودة التي أصابت علاقتهم، وتفاقمت التوترات بين مصر والسودان في الأسابيع الأخيرة وتصاعدت إلى تهديدات عسكرية بين الجانبين، وسعى الاجتماع الذي عقد على هامش قمة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا إلى استعادة الأوضاع الطبيعية، ونوقشت القضايا الثلاثية ذات الاهتمام المشترك، بما فيها سبل حل المأزق الذي يواجه مشروع سد النهضة.

السيسي والرئيس السوداني عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي هيلا مريام ديسالين في قمة إفريقيا بأديس أبابا الأخيرة

وحاولت الدول الثلاث منذ سنوات الاتفاق على كيفية تقيسم مياه النيل بعد الانتهاء من السد. لكن، ثمة أسئلة لا تزال قائمة بشأن القضايا التي لم تُحلّ بعد وجلبت التوتر إلى السطح؛ تحديدًا فيما يتعلق بصيغة لتقاسم مستدام لمياه النيل بين الدول المطلة عليه.

وبعد اجتماع عقده مع الرئيس السوداني عمر البشير ورئيس وزرائه في 30 يناير، قال عبدالفتاح السيسي إنّ كل شيء يسير على ما يرام، مضيفًا: «تحدثنا كدولة واحدة وليس ثلاثًا»، وكتبت وزارة الشؤون الخارجية الإثيوبية أنّ الاجتماع كان «ناجحًا جدًا»؛ لكنّ هذه المشاعر تتناقض مع التوترات الأخيرة بين مصر والسودان، ورفض إثيوبيا اقتراح مصر بإشراك البنك الدولي في المحادثات رغم زيارة «ديسالين» للقاهرة منتصف يناير.

وعلى الرغم من أنّ هناك اتفاقًا ثنائيًا قديمًا بين مصر والسودان يعود تاريخه إلى 1959؛ فإنهما اختلفا بشأن النهج الصحيح لتقسيم المياه، وكان للبلدين اللذين سيطرا على استخدام المياه توترات دورية وسط احتياجات متنافسة، بيد أنّ إثيوبيا احتفظت بحقها في اتخاذ قرارات أحادية الجانب بشأن استخدامها، بما في ذلك قرار بناء سد النهضة، وهو أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في إفريقيا.

جانب من بناء سد النهضة

وأوضحت اللقاءات الدبلوماسية الأخيرة بين (رؤساء) الدول الثلاث ووزراء خارجيتهم لمحة عن الطبيعة المعقدة للصراع؛ ففي غضون شهرين فقط تصاعدت التوترات بعد تقارير أفادت بأنّ مصر سعت إلى تهميش السودان في المحادثات الثلاثية بشأن السد، وزعم السودان أنّ السيسي أرسل رسالة بهذا المحتوى إلى «ديسالين»؛ وهو التصور الذي عززته زيارة القاهرة لإثيوبيا بعدها.

واستنادًا إلى هذه المزاعم، سارع السودان إلى إغلاق حدوده مع إريتريا، التي أقامت علاقات وثيقة مع مصر، ولا تزال إثيوبيا وإريتريا منافستين غير مريحتين مع بعضهما بعضًا. كما إنّ العلاقات المزدهرة بين مصر وإريتريا غذّت هذا التصور.

كما جدد السودان مطالبه بضم مثلث حلايب وشلاتين إليه، وهي منطقة تتنازع عليها مع مصر منذ مدة طويلة، وطلبت عبر سفيرها في القاهرة بفتح النقاش بشأنها، كما طلبت من الأمم المتحدة أن تفصل في هذا النزاع. وردًا على ذلك؛ نشرت مصر قوات عسكرية في المنطقة، وأرسلت طائرات مقاتلة قبالة سواحل البحر الأحمر، وأعربت عن قلقها من تعزيز العلاقات بين السودان وتركيا، التي تعتبرها القاهرة معادية لسياسة الشرق الأوسط الحالية، كما اتهمت القاهرة الخرطوم بإيواء جماعة الإخوان المسلمين.

مثلث حلايب وشلاتين

وبإلقاء نظرة على التوترات والأحداث الأخيرة وتلك التي اندلعت في خمسينيات القرن الماضي، يمكن التوصل إلى أسباب تصاعد التوتر بين السودان ومصر.

ففي عام 1959، ضغط رئيس الوزراء السوداني عبدالله خليل على القاهرة لإجبارها على توقيع اتفاقية مياه النيل، وقبلها كانت المياه تقسم بين الدولتين وفقًا لمعاهدة أبرمت عام 1929 بين مصر والحكومة البريطانية نيابة عن السودان، وضمنت لمصر احتياجاتها الأساسية كافة من المياه على حساب الحاجة المستقبلية للسودان من المياه نفسها. وبجانب السودان، تضررت ثمان دول أخرى على طول شريط نهر النيل.

ولم تتضمن الاتفاقيتان أيّ آليات لحل النزاع إذا نشب بينهما، وفي عام 1958 طالبت مصر بإقليمين في منطقة حلايب، لكنّ الوزير السوداني أرسل قوات عسكرية إلى الأراضي المتنازع عليها، وساهمت التطورات الأخيرة في العلاقات بين البلدين إلى نشوء الخلاف مرة أخرى؛ لكن يبدو أن الدولتين تراجعتا مرة أخرى، ومن المحتمل أن يكون بسبب مطالبة مجلس الأمن الدولي بأن ينهياها بعدما كانت في طريقها إلى صراع عسكري.

ولأنّ المعاهدتين المشار إليهما اقتصرتا على مصر والسودان فقط، ولم يستشيرا إثيوبيا صاحبة المنبع، أعلنت إثيوبيا في 1957 رسميًا حقها في استخدام مياه النيل لصالح شعبها، ولاحظت أنّ السودان ومصر لم يستطيعا اتخاذ قرارات ثابتة بشأنها؛ خاصة وأنّ أكثر من 85% من مياه النيل تأتي من النيل الأزرق الذي يبدأ فيها؛ وبالتالي ادعاءات إثيوبيا على مياه النيل لها أهمية كبرى لمصر والسودان.

ولا يزال السودان غير راضٍ عن حصته المقتسمة له في اتفاقية 1959، كما إنّ هذه المعاهدة لا تضمن أيّ تعديل أو آلية لتسوية المنازعات المستقبلية؛ وبالتالي فإنها مصدر دائم لصراع محتمل مع مصر من جهة، وإثيوبيا والدول الثماني الأخرى من جهة أخرى.

وأخلّ السودان ومصر بمبادرة إقليمية لمعالجة مطالبات الدول الشاطئية على النيل، وفي عام 2010 طوّرتا ما يُعتقد أنه سيكون إطارًا قانونيًا ومؤسسيًا دائما لحكم حوض نهر النيل، وهو الاتفاق الذي انبثقت عنه اللجنة الدائمة لحوض النهر.

ويقول الخبراء إنّ الحل المستدام يكمن في التعاون بين دول المصب كافة، وحل يشجع على الإدارة الشاملة لمياه النيل وليس لمشروعات مائية واسعة النطاق أحادية الجانب، بجانب تنفيذ مشاريع لها قابلية للاستمرار اقتصاديًا؛ لتحقيق مكاسب مُثلى لدول الحوض بأكمله، وتبني أنشطة اقتصادية تهدف إلى تخفيف الضغط الحالي على النهر.

وتهدف المحادثات الجارية بين مصر وإثيوبيا والسودان إلى إيجاد حلول تركز على مشروع سد النهضة فقط، وهو أمر غير ضروري الآن إذا أرادوا حل مشكلة نهر النيل؛ وأيّ محادثات لا تشمل دول النيل بأكملها فمصيرها الفشل، ومن شأنها أن تؤدي إلى مزيد من الصراعات.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023