شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«نيوزويك»: كيف أفسح ترامب المجال لروسيا والصين في الشرق الأوسط؟

الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين

تسببت سياسات دونالد ترامب في زيادة الرفض العالمي للولايات المتحدة خلال العام الأول لوجوده في البيت الأبيض، ومن ثم تراجعت مساحتها في العالم لصالح روسيا والصين، ولم تفلح سياسته «أميركا أولا» التي دأب على ترديدها في مناسبات مختلفة؛ فأميركا تحت حكم ترامب رافضة للتعاون المتبادل ذي المنفعة مع دول العالم كما دأبت طوال السنوات الماضية، هذا ما أكده «سينا توسي»، الخبير في الشؤون العام والدولة على «نيوزويك».

وخلافا لقدرته البارعة على إجراء صفقات تجارية، إلا أن سياسته حدت من قدرة الولايات المتحدة على المناورة في علاقتها الخارجية، ومن ثم تراجع دورها كالحاكم الأعلى للنظام العالمي؛ حيث عجل ترامب من تهاوي القنوات الدبلوماسية لصالح اعتماده المبالغ فيه على التفوق العسكري الأميركي، كما ازدرى أطرافا عدة كانت فاعلة لأميركا، وتسبب في انخفاض الثقة في وعودها والتزماتها، وهو الأمر الذي لم يكن جيدا سوى لعدوتها اللدود، روسيا.

وكما قال: «توماس مياني وستيفن فيرتهايم» على صفحات «نيويورك تايمز»: لا ينبغي النظر إلى تصرفات ترامب على أنها نوع من الرفض غير المسبوق لـ«النظام الدولي الليبرالي»، كما يؤكد العديد من مؤسسي السياسة الخارجية، لكنه اخترع بعض «العناصر الأكثر ترجيحًا ولكنها ثابتة» للسياسة الخارجية الأميركية التقليدية.

كما انتهج ترامب نهجا، جعل الولايات المتحدة مشاركا مباشرا في الصراعات والمنافسات في منطقة الشرق الأوسط، وحصر التحالفات في السعودية وإسرائيل لمواجهة إيران فقط؛ لذا كانت الدولتان وجهته الأولى في أول زيارة خارجية له في مايو الماضي، وخلالها توصل لصفقة قيمتها 110 مليارات دولار مع السعودية.

وشرع ترامب في توطيد سلطة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتفاخر في إحدى المرات بما فعله قائلا: «لقد وضعنا رجلنا على القمة»، ومن ثم أعطاه تفويضا بإطلاق حربه ضد الحوثيين في اليمن، وتسيير إقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ونبذ إيران.

كما صرح ترامب لنتنياهو باستمرار تنفيذ مخططاته تجاه الفلسطينيين، ومنحه اعترافا رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبذلك أضاع أكبر ورقة مساومة للولايات المتحدة في الصراع العربي الإسرائيلي، والتي من خلالها كان الرؤساء الأميركيون يستطيعون الحصول على تنازلات إسرائيلية عدة، كما تبع ترامب أيضا نية نتنياهو تجاه الاتفاق النووي الإيراني، وخلال اجتماعه معه بالبيت الأبيض دارت معظم المناقشات عن إيران، ولم يتم تخصيص سوى 15 دقيقة فقط للحديث عن فلسطين.

ورغم أن دعم الولايات المتحدة الحالي لبعض القوى الإقليمية على حساب الأخرى، يأتي في سياق التطورات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، إلا أن نهجه يتناقض بشكل صارخ مع نهج حلفائه السعودية وإسرائيل، والذي ليس في صالح الولايات المتحدة على كل حال، رغم التوافق الظاهري بينهم.

كما تشير زيارة ابن سلمان لواشنطن، الإثنين، 19 مارس، إلى استعداد ترامب لتقديم تنازلات بشأن تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم، من أجل الوصول لصفقة مربحة للجانبين، وفي هذا الشأن أكد الكاتب أن السعوديين يراهنون على سياستهم الخارجية الجديدة، وكان ترامب هاتف ابن سلمان في نوفمبر الماضي، ليشكره على نيته طرح شركة أرامكو للاكتتاب العام وشراء معدات عسكرية أميركية، وهو ما من شأنه أن يفيد أميركا لخلق فرص عمل لمواطنيها.

وسرعان ما شرع ابن سلمان في إعلان إدارج أرامكو بالبورصة الأميركية، رغم اتخاذه خطوات أوسع لتعميق العلاقات في مجال الطاقة مع روسيا والصين، في الوقت نفسه، وشهدت الفترة السابقة أول زيارة لملك سعودي إلى روسيا، وهي الزيارة التي توصلت فيها الرياض إلى 15 اتفاقا بما فيها صفقة أسلحة وصفقة بقيمة 3 مليارات دولار بين أرامكو وشركات النفط الروسية، مثل جازبروم ونفت سيبور، كما اشترى نظاما دفاعيا جويا روسيا.

وفي فبراير الماضي، توصلت السعودية مع روسيا إلى اتفاق حول الاستثمار في مشروع الغاز الطبيعي المسال الروسي، وأبدت شركات روسية وصينية اهتمامها أيضا بعد طرح أرامكو للاكتتاب، وبعدها تبادل سلمان وبوتين المكالمات الهاتفية التي أعربوا فيها عن استعدادهم لتعزيز التعاون والتنسيق الهادف في مجال الطاقة الهيدروكرونية.

كما عرضت الصين في أكتوبر 2017، شراء حصة الـ5% من أرامكو، ما يلغي الحاجة إلى طرحها للاكتتاب العام، وفي مكالمة هاتفية أجريت في نوفمبر الماضي، أكد الرئيس الصيني للملك السعودي عن رؤيته الرامية لتعزيز التعاون الاستراتيجي بين الصين والمملكة، موضحا أن مبادرة الحزام والطريق تتوافق ما رؤية ابن سلمان 2030.

وعلى الجانب الآخر، طورت إسرائيل أيضا علاقات مع روسيا بعيدا عن الولايات المتحدة، رغم خلافاتهما حول سوريا، ويقال إن نتنياهو تربطه علاقة شخصية وثيقة ببوتين، والتقاه منذ 2015 أكثر مما التقى أي زعيم آخر، وتجدر الإشارة إلى أنه عندما أسقطت طائرة إسرائيلية فوق سوريا، اتصل نتنياهو ببوتين ولم يهاتف ترامب.

وساعد التعاون الإسرائيلي السعودي مع روسيا، على تجاوز موسكو للعوبات الأميركية التي فرضت عليها بعد الأزمة الأوكرانية، وكان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، قال إن روسيا تسببت في جعلها معزولة اقتصادية وتركها في حالة لا يرثى لها.

والأهم في علاقات إسرائيل والسعودية مع روسيا أنها لم تلعب على الوتر الإيراني كما هي الحال في أميركا، بل حول صفقات مربحة لكل الأطراف، خاصة أن روسيا وإيران تشهدان تعاونا كبيرا رغم الاتفاق النووي الإيراني وحتى قبله، خاصة في مجال الطقة، وفي تطور يشير إلى تحول علاقتهما لنقطة استراتيجية فريدة، استخدمت روسيا حق النقض «الفيتو» ضد قرار مجلس الأمن المدعوم من الولايات المتحدة، حول إدانة طهران بتزيد الحوثيين بأسلحة في النزاع اليمني، رغم أن روسيا لم تكن مشاركة فيها، لكن رغبتها في مساعدة حليفتها يشير إلى عمق العلاقات بينهما.

وبعيدا عن كل هذا، أبدت العديد من القوى العالمية معارضتها لنهج ترامب تجاه إيران، وكان رئيس الوزراء الهندي استضاف مؤخرا الرئيس الإيراني حسن روحاني في زيارة رسمية، وهو ما يشير إلى أن العلاقات بين الهند وإيران تشهد تطورا رغم أنف ترامب، وخلال الزيارة اتفق الجانبان على إنشاء آلية تجارية للهند لتمويل استثمارتها في إيران بعملتها الوطنية، ما يمكنها من تجنب العقوبات الأميركية، وهي الصفقة التي ستسمح للهند بالاستمرار في بناء مجمع ميناء تشابها الإيراني، والذي تعتبره الهند أمرا حيويا للوصول إلى أسواق آسيا الوسطى وموازنة استثماراتها في الصين وميناء جوادر الباكستاني.

وغير الهند، أكدت روسيا أنها ستستخدم عملتها الوطنية في المعاملات التجارية مع إيران بنهاية العام الجاري 2018، والأمر المثير للدهشة هو أن الدول الأوروبية تثير في الاتجاه نفسه؛ حيث أعلنت فرنسا بالفعل أنها ستبدأ في تمويل الصادارات إلى إيران باليورو لتجنب العقوبات الأميركية، كما صرح رئيس بنك الاستثمار العام المملوك لفرنسا، نسكولاس دوغفوروك، أن الأمر لن يستلزم جواز سفر أميركيا من الأساس.

في النهاية، فإن سياسات ترامب تجاه الشرق الأوسط إنما تنم عن رغبتها في قيادة المنطقة من خلال طرف واحد فقط، بغض النظر عن الحقائق المتغيرة على الأرض، والتي لم تعد تهتم بها الولايات المتحدة، حتى حلفائها التقليديين يسعون الآن لتكوين نظام جديد يعتمد على القوىا لإقليمية والمحلية أكثر.

المصدر



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023