شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

تحليل بـ«الجارديان»: هذه هي استراتيجية روسيا لمواجهة الدعاية الحربية

فاسيلي نيبينزا مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة

انشغل حساب السفارة الروسية بلندن على تويتر طوال الشهرين الماضيين بتقديم تفسيرات ومبرّرات لتسميم المعارض الروسي «سيرجي سكريبال» وابنته، ملمّحة إلى أنّها مؤامرة بريطانية مترامية الأطراف.

ومنذ العثور على سكريبال ونجلته ملقيان على مقاعد حديقة في لندن، تمسّكت الحكومة البريطانية برواية واحدة: اتهام رئيسة الوزراء تيريزا ماي للحكومة الروسية بتنفيذ الهجوم بواسطة غاز أعصاب استخدمه الاتحاد السوفيتي من قبل في اغتيال معارضين، موضّحة أنّ الكرملين وحده يمتلك الدافع لقتل سكريبال؛ واعتبرت ما حدث على الأراضي البريطانية عدوانًا عليها.

بينما عرضت السفارة الروسية بلندن ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف سيناريوهات مختلفة تمامًا، وقال لافرف إنّ مختبرًا سويسريًا أنتج السمّ المستخدم في تسميم سكريبال، متهمًا أميركا وبريطانيا بارتكاب الجريمة؛ نافيًا التهمة عن روسيا، التي زعمت أيضًا أنّ نجلة سكيربال لم تُسمّم، وأنها اختطفت ثم أخفيت، ثمّ حُقنت بمواد كيميائية، متهمّة الحكومة البريطانية بتدمير الأدلة على ذلك، ورفضوا الالتزام بالمعايير الدولية في التحقيق.

ونشرت السفارة الروسية بلندن رسائل تزعم أنّها من مواطنين بريطانيين متعاطفين مع فلاديمير بوتين، مشكّكين في دوافع روسيا لتسميم سكريبال ونجلته؛ وهي الدوافع التي تحدّثت عنها رئيسة الوزراء البريطانية. لكنّ هذه القضية توضّح كيف تخلّى الكرملين عن الدبلوماسية التقليدية؛ وأصبح مبعوثوها في الدول الخارجية، خاصة بريطانيا، مشغولين بتصيّد أخطاء الآخرين.

هذا ما رصده مراسل الشؤون الخارجية بصحيفة «الجارديان» البريطانية «لوقا هاردينج» في تحليلٍ له ترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّ ما تنشره السفارة الروسية من تغريدات أمر مرفوض، ومُرّرت معظمها بموافقة السفير الروسي لدى بريطانيا «ألكسندر ياكوفينكو»؛ بالرغم من أنّ معظمها يحمل نبرات سخرية وإنكار وتلميح واتهام بريطانيا بأنها وراء ارتكاب جريمة التسميم.

استراتيجية «التضليل»

وقال «ديفيد كلارك»، المستشار الخاص السابق لوزير الخارجية روبن كوك، إنّ استراتيجية روسيا هي تضليل الناس، وتفعل ذلك عبر سلسلة لا نهائية من المعلومات المضلّلة والآراء التي تمثّل نصف المشكلة، ثم يرتدّ صداها بشكل واسع بواسطة الموالين لروسيا؛ ما يوضّح أنّها تهدف إلى التشتيت على الاتهامات الموجّهة إليها.

وعبّر «ديفيد» عن شكوكه في جدوى الدعاية الروسية، مضيفًا أنّ معظم المواطنين في العالم ليسوا نشطين على تويتر. ووفقًا لاستطلاع رأي لمركز «يوجوف»، فـ75% من البريطانيين يعتقدون أنّ روسيا وراء حادثة التسميم، وعبّر 37% منهم عن تأكيداتهم بأنّها تقف وراء الحادثة.

بينما اعتقد 5% فقط أنّ روسيا بريئة. وفي القارة الأوروبية، النسب قريبة؛ ففي ألمانيا -على سبيل المثال- اعتقد 60% أنّ روسيا دبّرت الحادثة، وأكثر من نصف الفرنسيين يؤمنون بذلك أيضًا؛ وما يؤكده شروع هذه الدول في طرد عشرات الدبلوماسيين الروس لديها.

تاريخ من الاغتيالات

لكن، بالرغم مما سبق، كان لادّعاءات الكرملين تأثير على السياسة البريطانية؛ فبدا «جيرمي كوربين»، بمجلس العموم البريطاني، مترددًا في اتهام روسيا بأنّها منفّذة الجريمة، بينما أكّد «بوريس جونسون» بأنّ منشأة العلوم الحكومية في «بورتون داون» أكّدت أنّ روسيا مصدر السموم.

وتستند اتّهامات بريطانيا لروسيا إلى التحليلات الاستخباراتية لجرائم الاغتيال التي نفّذها الكرملين من قبل، بما فيها مقتل «ألكسندر ليتفينينكو» عام 2006، الذي قُتل بفنجان من الشاي المشعّ.

وقالت «ناتاليا بوبوفيتش»، الشريكة في تأسيس المركز الأوكراني للأزمات، إنّ المحققين الهولنديين تأكّدوا من أنّ الكرملين أسقط في 2014 طائرة الخطوط الجوية الماليزية «إم إتش17» فوق شرق أوكرانيا بصاروخ «بوك»؛ ما أسفر عن مقتل 298 شخصًا بداخلها. لكنّ التلفزيون الرسمي الروسي عرض ادّعاءات مضادة مستحيلة التصديق؛ زاعمًا أنّ طائرة مقاتلة أوكرانية أسقطتها، واتّهمت الاستخبارات الأميركية واستخبارات غربية بدعمهما أوكرانيا لتنفيذ الحادث.

وأضافت «ناتاليا» أنّ مركزها راقب جميع الأكاذيب الروسية؛ ورأت أنّ طريقة عملهم تتضمّن الإنكار والتشتيت وإلقاء اللوم على آخرين؛ وهذه التكتيكات لها تأثير محدود دوليًا، لكنها فعّالة جدًا داخل روسيا؛ حتى إنّ منتقدي بوتين غير مقتنعن بأنّ ورسيا مُدبّرة الحادثة.

أيضًا، ما تفعله روسيا يبعث برسالة، وهي ألا نعتمد على ما يبثه التلفزيون الروسي الذي يسيطر عليه الكرملين.

وقالت مذيعة روسية على التلفزيون الرسمي إنّ أوروبا تقود حملة لا هوادة فيها ضد روسيا، زاعمة أنها حتى تضطّهد المواطنين الروس على أراضيها، وأيضًا الألمان والإسكندنافيين يأخذون الأطفال بعيدًا عن أهاليهم الروس ويمنحونهم لـ«شواذ»!

كما تُصوَّر بريطانيا باستمرار على الشاشات الروسية بأنّها موطن للإرهاب وشريك مخادع وغير موثوق فيه، وقال تقرير لقناة روسيا الأولى إنّ «تيريزا ماي» مصابة بإدمان الكحوليات وغير متّزنة.

وحتى الآن، لم تتخذ وزارة الخارجية البريطانية أيّ خطوات للرد على المزاعم الروسية؛ وأصدرت فقط فيلمًا قصيرًا عن كيفية نشر روسيا قصصًا خيالية؛ لكنّ ما تفعله لن يغيّر من الحقائق على الأرض.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023