شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

تحليل بـ«ناشيونال إنتريست»: لهذه الأسباب تفشل أهداف أميركا ومساعداتها لدول الشرق الأوسط

دونالد ترامب - أرشيفية

في 16 أكتوبر 2017، أرسلت بغداد قوات عسكرية إلى مدينة كركوك الغنية بالنفط لاستعادتها من الأكراد العراقيين، الذين كانوا يخططون لإنشاء دولة مستقلة في الجزء الشمالي، ولم تعتدِ القوات العراقية على حليف مهم للولايات المتحدة فقط؛ بل ساعدت قاسم سليماني، أكبر ناشط لطهران في الشرق الأوسط. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تذهب فيها المساعدات الأميركية من تدريب وأسلحة وخلافه إلى الاتجاه الخاطئ لها.

وفي سوريا أيضًا، أنفقت أميركا من وقتها أربع سنوات، ومن أموالها ما يزيد على المليار دولار، لإنشاء قوة متمردة قادرة على كبح جماح المتطرفين في البلد؛ وفي النهاية عقد كثير منهم صفقات مع تنظيم القاعدة، عدو الولايات المتحدة اللدود؛ وهكذا زاد إحباط المسؤولين في واشنطن من مساعدة شركائهم في العراق وسوريا وغيرها من الأماكن في الشرق الأوسط.

وأثناء جلسة في الكابيتول هيل، أعرب أعضاء الكونجرس بشكل أكثر حزمًا عن مخاوفهم لمسؤولي الدفاع ووزارة الخارجية بشأن مشاكل حقوق الإنسان وإساءة استخدام الأسلحة الأميركية أو الاستيلاء عليها من الإرهابيين.

ففي يونيو 2017، صوّت قرابة نصف مجلس الشيوخ ضد تقديم الذخائر الموجهة بدقة إلى المملكة العربية السعودية بقيمة 500 مليون دولار لحربها في اليمن. وبعد شهر، أنهى الرئيس دونالد ترامب ما تبقى من برنامج وكالة المخابرات المركزية لدعم المتمردين السوريين، وأعرب عن اهتمامه بتخفيض برامج التمويل العسكري الأجنبية التي تقدمها بلدان وتحويل أجزاء منها إلى قروض.

وخفّض وزير الخارجية ريكس تيلرسون قرابة 96 مليون دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر، بينما حجب 195 مليون دولار أخرى صندوق النقد الدولي.

فلماذا تفشل واشنطن؟ وأين تفشل؟

هذان السؤالان ركّز عليهما «بلال صعب»، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في تحليله بـ«ناشيونال إنتريست» وترجمته «شبكة رصد»، ويرى أنّه على مدار النصف قرن الماضي استخدمت أميركا أشكالًا مختلفة من المساعدات الأمنية لتحقيق أهداف سياسية عديدة في الشرق الأوسط؛ أبرزها:

  1. ضمان بقاء «إسرائيل» طوال حروبها مع الدول العربية، والحفاظ على حافة نوعيتها على جيرانها.
  2. البعد بمصر عن الاتحاد السوفيتي وتقييد وصول موسكو السياسي لإيران.
  3. التمسك بالتزام القاهرة بمعاهدة «كامب ديفيد» عام 1978، والحفاظ على وصول أميركا إلى قناة السويس والمجال الجوي المصري.
  4. تسليح دول مجلس التعاون الخليجي.

وعلى إثر ذلك؛ حقّقت أميركا فوائد اقتصادية نتيجة صفقات الأسلحة بتريليونات الدولارات، ووظفت مئات الآلاف من مواطنيها، وعززت الكفاءة في الميزانيات العسكرية. وبالرغم من الفوائد السياسية والاقتصادية الهائلة، فشلت المساعدات الأمنية الأميركية بشكل كبير في تعزيز العلاقات العسكرية مع الشركاء العرب؛ فلم تمكّنها من التكامل الأمني ​​أو تحقيق مستويات أعلى من التشغيل البيني للدفاع بين الجانبين أو بين العرب أنفسهم.

وقبل 11 سبتمبر، لم يكن ينظر إلى تعزيز العلاقات العسكرية «الأميركية العربية» على أنه ملحّ بشكل خاص؛ بسبب انعدام التهديدات الأمنية الكبرى. لكنّ هجمات 11 سبتمبر غيّرت تمامًا تصوّر أميركا؛ ما أجبر صناع السياسة الأميركيين على إعادة التفكير في أولوياتهم بالمنطقة. ومنذ هذا الحين لا تزال أميركا حتى الآن في حرب ضروس ضد الإرهاب؛ غير أنّ تأثير إيران المتزايد في المنطقة أصبح مصدر قلق أكبر لإدارة ترامب، التي اعتمدت استراتيجيتها على مواجهة هذا النفوذ.

وبذلك؛ تُبنى الاستراتيجية الأمنية الأميركية للمنطقة على ثلاثة أهداف: «ردع إيران، مواجهة إيران، مكافحة التطرف».

بالنسبة إلى الهدف الأول، لم تؤدّ المساعدات الأميركية لدول المنطقة سوى دور هامشي في تحقيقه. لكنّ هذا التعاون كان مفيدًا إلى حدٍ بعيد في مكافحة تنظيم الدولة. وعلى الأقل، تشعر طهران حاليًا بالقلق تجاه هذه الترسانة من الأسلحة الأميركية الموجهة إلى دول الخليج وتطوّرت كثيرًا في السنوات الأخيرة.

وبذلك؛ كانت المساعدات العسكرية لدول الخليج مفيدة على المستوى الاقتصادي، لكنها لم تكن مفيدة على مستوى مواجهة إيران، وفي المرة الوحيدة التي أوشكت فيها على النجاح في خططتها جاءت بنتائج عكسية؛ في إشارة إلى الحرب السعودية الكارثية على اليمن.

وعلى مستوى مكافحة الإرهاب، كانت النتائج واعدة بشكل أكبر؛ فبفضل المساعدات الأميركية هُزم تنظيم الدولة في العراق، كما نجح الجيش اللبناني بمساعدة أميركية في حماية حدوده الشمالية من خطر المتطرفين. وعلى المستوى «الإسرائيلي الفلسطيني»، نجحت في تحقيق التنسيق الأمني بين الجانبين، كما شاركت الإمارات في مجابهة تنظيم القاعدة باليمن.

وبخصوص مصر، كان مردود المساعدات الأميركية أقلّ إيجابية لها؛ فبالرغم من تلقيها نحو 1.3 مليار دولار سنويًا منذ أواخر السبعينيات، ما زالت حتى الآن عاجزة عن هزيمة تنظيم الدولة في شبه جزيرة سيناء وتأمين حدودها مع ليبيا وغزة.

وبالمثل مع تونس؛ بالرغم من المساعدات الأمنية الهائلة منذ 2011. ومع أنّها حليف رئيس في الناتو؛ مت زالت تونس بؤرًا للقتال الإسلامي المتطرف، ويقدّر سبعة آلاف تونسي سافروا للقتال مع تنظيم الدولة في سوريا والعراق؛ ما يجعلهم أكبر عدد من المقاتلين الأجانب في صفوفه.

وفي الأردن، عملت أجهزة الأمن الداخلي بشكل جيد لمنع تسلل التنظيم؛ بمساعدة الأموال والمعدات الأميركية. غير أنّ الهجمات الإرهابية لـ«المتطرفين المستوحين من التنظيم» زادت في الأردن في السنوات الأخيرة؛ وأصبح التطرف الشبابي مشكلة خطيرة. ومثل تونس، أمدّ الأردن تنظيم الدولة بما يتراوح بين ألفي مقاتل وأربعة آلاف؛ ما جعل المملكة الهاشمية واحدة من الأعلى مساهمة في العالم للفرد من المقاتلين الأجانب.

لذلك؛ لا يوجد سبب واحد يجعل أميركا تستمر في الوفاء بأولوياتها والتزاماتها تجاه هذه الدول، وأيضًا لا يصح استخدام هذا الفشل للوم المساعدات الأمنية الأميركية؛ لكن يمكن إرجاؤه إلى الآتي:

  1. ينبغي الاعتراف بأنّ أميركا وشركاءها العرب لديهما تصورات مختلفة عن التهديد والأولويات الأمنية؛ ما يؤثر على فعالية المساعدة الأمنية الأميركية.
  2. لكل شريك عربي سياق اجتماعي وسياسي فريد وبيئة تهديد مختلفة، ويتناول كل منها تحدياته الأمنية بشكل مختلف عن الآخر، بحسب تصوراته وأولوياته وموارده.

وفيما يتعلق بالتحدي الإقليمي لإيران، على سبيل المثال، ليس سرًا أنّ الشركاء العرب لا ينظرون إلى مثل هذا التحدي على نحو مماثل، كما إنهم لا يتفقون على كيفية التصدي له بشكل مشترك؛ فبينما تشكّل إيران لبعضهم تهديدًا وجوديًا، فثمة من يراها مجرد قلق يمكن التحكم فيه، بل وينظر آخرون إلى سياسات طهران الإقليمية باللامبالاة؛ وبالتالي لا توجد أيّ كمية من الأسلحة والأموال والتدريب يمكن أن تغيّر هذه الحقائق.

كما تساعد الاختلافات السياسية والثقافية بين أميركا وشركائها العرب في تفسير سبب استخدامهم لمساعداتها الأمنية بطرق تبدو من وجهة نظر أميركا طائشة وبلا جدوى. ويعتقد المسؤولون الأميركيون أنّ شركاء عربًا يصرون على شراء أسلحة منها كثيرة وعالية التكنولوجيا لا تتصدى للاحتياجات والمتطلبات الأمنية الملحة. على سبيل المثال، الطائرات الأسرع من الصوت والدفاعات الصاروخية المتقدمة أقل أهمية لحرب إيران غير النظامية أو التمرد الإرهابي.

وبالنظر إلى تهريب الأسلحة في إيران وغيرها من الأنشطة الشائنة على اليابسة والبحر، فمن المحير للعقل كيف لم تجر معظم دول الخليج العربي استثمارات مناسبة في حرس السواحل وقوات العمليات الخاصة ومختلف وكالات إنفاذ القانون المحلية؛ لكن يمكن القول إنّ شركاء عربًا اشتروا بطرق أكثر ذكاء مؤخرًا.

كما لا يقتصر الأمر على اندثار خبرة عسكرية للشركاء العرب في ما يتعلق بأنواع الأسلحة التي يشترونها وكمياتها؛ بل كيفية التصرف فيها، فكثيرًا ما يتخذ الشركاء قرارات سياسية تتعلق بمبيعات أسلحة لا علاقة لها بالأمن القومي؛ وهو أمر لا تستطيع واشنطن السيطرة عليه. على سبيل المثال، إذا اشترى قائد عربي أفضل الأسلحة وقدّم أفضل تدريب لقطاع من جيشه، على سبيل المثال القوات الجوية؛ لكن الفشل يكمن في الديناميات السياسية المرتبطة بتصوره أو تصور الأسرة الحاكمة لاستقرار النظام، أو حتى البقاء على قيد الحياة.

كما إنّ الشركاء العرب لا يرغبون أحيانًا في التعاون مع واشنطن في الشؤون الأمنية الدقيقة، وهو أمر مفهوم؛ فالأمن الداخلي قرار سيادي، وبقدر ما كانت العلاقات بين أميركا وشركائها العرب تاريخية هناك ميل قوي ومشروع من هؤلاء الشركاء لإخفاء أشياء مختلفة عن سياساتهم ومجتمعاتهم؛ وهذه المقاومة العربية لتقاسم المعلومات الحساسة تتضخم أيضًا كلما واجهت العلاقات مع واشنطن اضطرابات سياسية، كما كان الحال مع معظم الشركاء أثناء رئاسة أوباما؛ فالمساعدات الأميركية في نهاية المطاف مهمة للعلاقات الثنائية، وكلما زادت صحتها ستكون أكثر فاعلية.

وعلى الجانب الأميركي، مشاكل المساعدات الأمنية الأميركية المقدمة للشركاء العرب لها الأهمية نفسها؛ فمصدر كل الأخطاء المتعلقة بالمساعدة الأمنية ليست مقدار التمويل، أو نوعية التدريب، أو سرعة تسليم الأسلحة الأميركية، أو نوعها وكمياتها؛ لكنها السياسة الأميركية الخاطئة في كثير من الأحيان تجاه البلد المتلقي وتقوّض بشكل عميق المؤسسة بأكملها.

وبذلك؛ أصبحت المساعدة الأمنية الأميركية غاية في حد ذاتها بدلًا من أن تكون وسيلة، وغالبًا ما تقود السياسة الأميركية إلى نتائج عكسية، وفي كل مرة ينهار فيها برنامج تدريبي، أو يؤدي نقل الأسلحة إلى عواقب غير مقصودة؛ يلقي مسؤولون أميركيون وضباط عسكريون اللوم على الكونجرس، لكن يُتجاهل أن الشريك العربي غير فعال.

إذا أخذنا مصر مثالًا، فالولايات المتحدة تقدم لها كثيرًا من المتطلبات العسكرية ودعم الاقتصاد؛ لكنها تتسامح من ناحية أخرى مع القمع السياسي داخلها، الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى نمو التطرف. وفي سوريا، دُرّب معارضون لمواجهة نظام بشار الأسد؛ لكن في المقابل تواصلوا مع القاعدة، وفي العراق وهكذا…

كما إنّ نتائج السياسة الأميركية الغامضة تجاه البلد المتلقي أحد عوامل الفشل، وبالمثل يفعل الافتقار إلى سياسة قابلة للاستمرار تجاه البلد المتلقي؛ فالسبب الرئيس وراء هزيمة أميركا للاتحاد السوفييتي في أفغانستان -على سبيل المثال- ليس أن المجاهدين في الماضي كانوا محاربين أو أفضل من العرب الحاليين، أو لأن واشنطن سلحت الأفغان بصواريخ ستينجر؛ بل لأن السياسة الأميركية حينها كانت واضحة ومتسقة، وبالتالي قدمت مساعدة أمنية فعالة.

لذلك؛ شرع ترامب في تقليل الأموال التي تنفق على المساعدات الخارجية، واكتفى فقط بتلك التي تعزز الاقتصاد الأميركي (كصفقات الأسلحة). وبخصوص الشراكات، فهي أولًا وقبل كل شيء يجب أن تدمج في الاستراتيجية الأميركية الأوسع تجاه الشرق الأوسط، وأن ترتبط بصورة مباشرة ومحددة بوضوح بأهداف الولايات المتحدة السياسية في المنطقة، التي تركز حاليًا على ردع العدوان الإيراني ومكافحة التطرف.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023