مع فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية مارس/آذار 2012 امتلأت الساحة بمرشحين أثاروا موجات لم تهدأ من الضحك والسخرية. وحذرتُ من أن اللعبة تعتمد على إغراق الساحة بأعداد هائلة من المرشحين من مختلف الطوائف والفئات، بما يخدش مقام منصب الرئيس ويحوله إلى نكتة تلوكها الألسنة، الأمر الذي يفضي في نهاية المطاف إلى جعل قطاع من الناس يرون تعيين الرئيس القادم أفضل وأرحم من انتخابه في هذه الغابة الكثيفة من الأسماء المرشحة.
وفي ذلك الوقت جمعتني الأقدار باثنين من المتقدمين للترشح، أحدهما مصور فوتوغرافي غير متعلم وبتعبيره هو «خريج مصطبة» والآخر تاجر أخشاب حاصل على دبلوم تجارة، وحسب اعتقاده فإن هذا الشهادة تؤهله للتخاطب مع رؤساء العالم باللغة الإنجليزية. وقلت وقتها إنني “صعقت حين سمعت من أحد المرشحين في لقاء أمس بقناة دريم مع الإعلامية، جيهان منصور، أنه رشح نفسه ويثق تماما في أنه رئيس مصر القادم لأنه يمتلك ما لا يمتلكه الآخرون، وبنص كلماته هو «دكر وقادر وفاجر» ومصر تحتاج إلى رئيس بهذه المواصفات في قادم الأيام، علاوة على أن الله حرمه من التعليم، لكنه خلقه طبيبا جراحا، وبالتالي هو الأقدر على علاج مشكلات مصر.
وحين تسأله كيف سيدير حوارا مع زعماء العالم، يفاجئك بأن من يريد التعامل مع مصر عليه أن يتعلم اللغة العربية، كلغة وحيدة للتفاوض، لأنه يعتز بلغته ويريدها أن تسود العالم. كنت مشاركا في تلك الحلقة، ولم تكن دهشتي فقط من تقدم هؤلاء للترشح، وإنما الدهشة الأكبر كانت من الحفاوة التلفزيونية بهم، وكأن المقصود هو تحقير أول انتخابات رئاسية ديمقراطية بعد الثورة، بما يجعل الناس يفضلون أن يستمر حكم المجلس العسكري، لو كانت الديمقراطية ستأتي بهذه النماذج الفكاهية.
الآن، بعد ثلاث سنوات وثلاثة أشهر من هذا اللقاء الذي اعتبرته عبثيا ضاحكا، تحمل الأيام رئيسا لمصر بمواصفات ذلك “الدكر القادر” كما يراه شيعته ومؤيدوه، وقبل أن يمر عليه عام في حكم البلاد، يكمل قائمة المواصفات ذلك المرشح (كان اسمه علي سيف على ما أذكر)، ويقول إن الله خلقه طبيبا، يستطيع التشخيص والعلاج، حتى أن قيادات العالم حين يستعصي عليها شيء، تلجأ إليه.
العم علي سيف قال في الحوار إن الثورة قامت على أكتافه وإنه نزل الميدان يوم 24 يناير/كانون الثاني، وأقسم على عدم الخروج منه حتى سقوط حسني مبارك ونفذ القسم، وعاد إلى بيته بعد التنحي وهو مصاب بـ “التهاب رئوي”، مشيرا إلى أنه يرسم “سيناريو” الثورة منذ 15 عاما، وكان يشارك بمداخلات هاتفية لمدة 3 ساعات مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، وأخبرهم في أحدها أن الثورة ستقوم يوم 25 يناير.
الجنرال السيسي أيضا قال مثل ذلك حين ادعى أنه حامي ثورة يناير ومحتضنها، وأنه كان يتوقع ويتعجل مع المجلس العسكري سقوط نظام مبارك. برنامج علي سيف كان يتضمن أنه يستطيع حل أزمة مصر في ثلاثة أيام، ويستطيع جمع “اصطباحة” 6 مليارات جنيه، عن طريق بيع الأراضي التي بنى عليها الفلاحون بـ300 جنيه للمتر.
الآن نظام السيسي يتصالح مع المتعدين على أراضي الدولة، ويقنن جرائم تبوير الرقعة الزراعية بدفع مبالغ زهيدة من المال.
أيضا كان “علي سيف” يقول إنه سيترك رقم تليفونه للشعب حتى يتحدث معه بعد فوزه بالانتخابات، مباشرة دون وسيط.. والآن يقول السيسي إنه لا يريد أحدا بينه وبين الشعب، لا برلمان، لا حكومة، لا قانون، لا أجهزة رقابية.
مسكين علي سيف.. وضع البرنامج فخطفه آخر وفاز به في انتخابات فكاهية.