ماذا سيحصل الآن؟
ستقوم لجنة الانتخابات بالتصديق على نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ومن المتوقع أن يتم ذلك بين 14 و17 يونيو الحالي، وبعد خمسة أيام من التصديق سيجتمع البرلمان الجديد برئاسة النائب الأكبر سنًا من بين النواب الجدد المنتخبين، وذلك إلى حين انتخاب رئيس جديد للبرلمان. تجرى في ظل الرئيس الاعتباري التحضيرات لأداء اليمين الدستورية للأعضاء الجدد المنتخبين، وبعدها تبدأ عملية انتخاب رئيس للبرلمان.
كيف سيتم انتخاب رئيس جديد للبرلمان؟
تقوم الأحزاب بتقديم مرشحيها لرئاسة البرلمان، وعلى المرشح لمنصب رئاسة البرلمان أن يحصل على 367 صوتًا من أصل 550 يشكلون العدد الإجمالي للنواب في البرلمان. إذا لم يستطع أي مرشح الحصول على هذا العدد من الأصوات خلال الجولة الأولى من الانتخابات تجرى جولة ثانية، وإذا لم يحصل عندها أي مرشح أيضا على أغلبية الثلثين، تجرى جولة ثالثة ويفوز المرشح الحاصل على أغلبية (النصف+1) من الأصوات، فإذا لم يستطع أي من المرشحين تحقيق ذلك، فإنه يتم تأهّل المرشّحين اللذين حصلا على أكثر عدد من الأصوات في هذه الجولة إلى جولة رابعة، وفي الجولة الرابعة يفوز المرشّح الذي يحصل على أصوات أكثر من المرشح الآخر ويكون حينها رئيسًا للبرلمان.
مرشّح أي حزب هو الذي سيفوز برئاسة البرلمان حاليًا؟
بما أنّ حزب العدالة والتنمية لا يمتلك أغلبية الثلثين أو أغلبية (النصف+1)، فهذا يعني أنّه غير قادر على أن يوصل مرشحّه بطريقة أوتوماتيكية لرئاسة البرلمان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى باقي الأحزاب. من غير المعروف في هذه العملية مرشّح أي حزب هو الذي سيكون رئيسًا للبرلمان، لكن شكل النتيجة التي سيتم الوصول إليها قد يعطينا فكرة عن المساومات التي ستجرى لاحقًا في تشكيل الحكومة.
كيف ستشكل الحكومة؟
في هذه الأثناء يقوم رئيس الجمهورية، بموجب الصلاحيات الممنوحة له بالدستور، بتكليف حزب العدالة والتنمية (بما أنّه الحزب الأكثر حصولًا على الأصوات والمقاعد) بتشكيل حكومة. لدى الطرف المكلّف مهلة 45 يومًا لتشكيل الحكومة ونيل الثقة بدءًا من تاريخ التكليف. إذا لم يتم تشكيل حكومة خلال 45 يومًا لأي سبب من الأسباب (أو إذا تشكلت في نهاية هذه المدة ولكن لم تحصل على الثقة)، يحق لرئيس الجمهورية بالتشاور مع رئيس البرلمان أن يقرر إعادة الانتخابات البرلمانية ونكون في سيناريو انتخابات مبكرة من الممكن أن تحصل في نهاية نوفمبر أو بداية ديسمبر.
ما الخيارات المتاحة بعد تكليف حزب العدالة والتنمية بتشكيل حكومة وأيها أكثر رجاحة؟
في الإطار العام هناك ثلاثة خيارات هي:
1) حكومة ائتلافية:
في هذا السيناريو، يمكن نظريًا لحزب العدالة والتنمية، بحث تحالف مع أي من الأحزاب الأخرى الموجودة في البرلمان لكي يؤمن أغلبية، ويتم بالتالي تشكيل حكومة ائتلافية. عمليًا هذا الخيار سيكون الأضعف في لائحة الخيارات المتوافرة؛ بسبب صعوبة الشروط الموضوعة عند كل طرف، وبما أنّ المنطق يفترض أن يطلب حزب العدالة والتنمية من أي شريك له أن يوافق على موضوع تعديل النظام السياسي في البلاد لتحويله إلى نظام رئاسي وبما أنّ كل الأحزاب الأخرى رافضة لهذا الأمر منذ مدّة، فهذا يعني أنّ سيناريو حكومة ائتلافية غير ممكن عمليًا في ظل هذه المعطيات إلا إذا تم التنازل عن هذا الطلب، ولكن مع ذلك سنرى عملية التفاوض تجرى إما سعيًا لتغيير موقف أحد الأحزاب، أو سعيًا لمزيد من الوقت إذا كانت الأجندة المضمرة لحزب العدالة والتنمية تشكيل حكومة أقلية أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
2 ) سيناريو حكومة أقلّية:
في هذا السيناريو، يبحث حزب العدالة والتنمية عن حزب مستعد لأن يدعمه في البرلمان من دون أن يشاركه في الحكومة، والحقيقة أن حزب العدالة والتنمية يبحث في هذه المرحلة عن مدى إمكانيّة تحقق هذا السيناريو عبر حزب الحركة القومية، وعمّا إذا كان الحزب مستعدًا لأن يدعمه فيما بعد أيضًا على طول الخط، أمّ إنّه سيبحث كل حالة بحالتها عند عودة الحكومة إلى البرلمان.
3 ) سيناريو الانتخابات المبكرة:
هذا السيناريو يعد الأكثر ترجيحًا الآن برأيي، وسواء تم تشكيل حكومة ائتلافية أم حكومة أقلّية، فإن نهاية هذا المسار عادة تنتهي بعد سنة بفرط عقد التحالف، ومن ثم الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة، ولذلك فإن البعض قد يرى في الذهاب مباشرة لهذا السيناريو هو الخيار الأمثل بدلًا من إضاعة الوقت لمدة سنة ستعاني البلاد فيها من حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي ومن ثم يضطرون للعودة إليه مرة أخرى.
ماذا لو شكّلت الأحزاب الأخرى تحالفًا ضد حزب العدالة والتنمية؟
هذا سؤال مهم، والحقيقة أنّ كثيرين خلطوا وظلّوا يخلطون به إلى الآن. المسألة تبدأ من رئيس الجمهورية وليس من البرلمان؛ بمعنى أنّ رئيس الجمهورية هو الذي يختار من يكلّف بتشكيل الحكومة، والتشكيل يذهب عادة (أي عرفًا) للحزب الأكثر حصولا على المقاعد؛ لأنّ الشرعية الديمقراطية تفترض ذلك؛ إذ لا يوجد مبرر أن يقوم الرئيس بتكليف نائب من الحزب الثاني أو الثالث أو الرابع في الترتيب دون المرور بالحزب الأول حتى وإن لم ينص الدستور على ذلك لأنه يتعارض مع شرعية ما أفرزته الانتخابات.
هناك من يرجع استحالة تحقق هذا التحالف تبعًا للخلاف الأيديولوجي بين الأطراف الثلاثة، لا سيما الحركة القومية والشعوب الديمقراطي، لكن على فرض أنّ تحالفًا ثلاثيًا حصل بين هذه الأحزاب، فإن لم يكلف رئيس الجمهورية أحدها بتشكيل الحكومة، لا تستطيع الحكومة أن تتشكل من تلقاء نفسها، حتى وإن تشكّلت يبقى رئيس الجمهورية وفق الصلاحيات التي يمتلكها في الدستور قادرًا على تعيين وعزل الوزراء باقتراح من رئيس الوزراء، وهذا يعني أنّ رئيس الجمهورية باستطاعته إلى حد ما أيضًا أن يؤثر في تشكيل أي حكومة قد تولد.
هل توجد سيناريوهات استثنائية؟
نعم توجد سيناريوهات استثنائية، وهي غير متداولة ربما لأنها استثنائية، ولكننا نوردها على كل حال هنا من أجل مناقشتها وإفادة القارئ بها أيضًا، يرد في ذهني سيناريوهان:
1) سيناريو استقالة عدد من النواب:
يمتلك حزب العدالة والتنمية الآن 258 من أصل 550 مقعدًا في البرلمان، وهذا يعني أنّه بحاجة إلى 18 مقعدًا لكي يستطيع تشكيل حكومة أغلبية منفردًا. قد يستقيل عدد من النواب من أحزابهم ويقررون مثلا الانضمام إلى حزب العدالة والتنمية أو قد يشكلون كتلة مستقلة ويقررون دعم العدالة والتنمية لتشكيل حكومة أقلية. طبعًا هذا السيناريو نظري، ومن الصعب دفع 18 نائبًا للاستقالة، لكن التاريخ السياسي التركي حافل بنماذج عن استقالات لنواب وانضمامهم إلى أحزاب أخرى داخل البرلمان. لعل من أشهر الحالات التي كانت أقرب إلى الهزلية حالة كوبيلاي أويغون الذي مثلّ في برلمان (1995-1999) أربعة أحزاب تنقّل بينها ثم انتهى به الأمر كنائب مستقل، علما بأنّ هذه الحالة دفعت المشرعين إلى فتح تحقيق بتهمة ازدراء البرلمان، ولا أعرف ما إذا كان قد صدر قانون بعدها يمنع التنقل من حزب إلى حزب ثانٍ، لكن الأغلب أنها لا تزال مسموحة.
2) سيناريو استقالة رئيس الجمهورية:
هناك من يفترض أنّه في حال إجراء انتخابات مبكّرة، فإن رئيس الجمهورية سيستقيل ليعود إلى قيادة حزب العدالة والتنمية من أجل أن يدفعه إلى الفوز بنسبة كبيرة هذه المرة. طبعًا السيناريو يبدو غير واقعي، لكن على فرض أنّه تم، فكيف سيكون الوضع عليه في حينه؟
لا شك أنّ منصب رئيس الجمهورية سيكون شاغرًا، وهذا يعني -وفق أحكام الدستور- أنّ رئيس البرلمان هو الذي سيتولى صلاحيات رئيس الجمهورية، ويجب في هذه الحالة انتخاب رئيس للجمهورية قبل إجراء الانتخابات البرلمانية؛ وذلك لأن الدستور نص على وجوب أن يتم انتخاب رئيس للجمهورية حال شغور الموقع خلال مدة 60 يومًا من تاريخ الشغور، بينما تحتاج الانتخابات عادة إلى نحو 90 يومًا على الأقل، وبعد انتخاب رئيس الجمهورية نعود إلى الانتخابات البرلمانية.