أنا مثلك، وقبلك وبعدك، وأكثر منك، أدين الإرهاب في كل مكان، وفي كل وقت، وبكل العبارات، البليغة منها والركيكة، المباشرة وغير المباشرة.
منذ إعدام أول رهينة ياباني، على يد “داعش” بالعراق، مرورا بالصحفي الأميركي، ثم الطيار معاذ الكساسبة، ولائحة طويلة من الإعدامات، امتدت من العراق والشام، حتى الغرب في ليبيا، بإعدام ٢١ مسيحيا مصريا، والشمال في باريس “تشارلي إيبدو” وأنا أشاطرك الأسى والألم والاشمئزاز من هذه الوحشية..
وتزداد وطأة الحزن والأسى مع مشاهد الدم في تفجير مسجد للشيعة بالكويت، وفندقين سياحيين بتونس، والإعلان الغامض عن إقدام ما تسمى “حركة العقاب الثوري” بمصر على إعدام شاب، بذريعة أنه عين للأمن على الثوار، في تزامن عجيب يبدو معه وكأن هناك من يمسك “ريموت كونترول” ويحدد الأماكن والتوقيتات.
كل هذا مدان، ومجرم، ويدعو للقرف من هذا المصير البائس للإنسانية، والتردي الحضاري غير المسبوق في حياة العرب، ولكن ..
إذا كنت تدين إرهاب التنظيمات المتطرفة، فماذا عن إرهاب الأنظمة الأكثر تطرفا وإجراما؟
كيف تكون رقيقا وشفافا ومرهفا و إنسانيا إلى آخر مدى، مع كل حادث إرهابي تسمع أو تقرأ أن هذا التنظيم أو ذاك، قام به، ثم تكون رابط الجأش وفرحا ومؤيدا، وراضيا عن حوادث إرهابية أكثر بشاعة تنفذها أنظمة حكم أنت مستفيد من قبحها وبطشها ودمويتها؟
السؤال أيضا للمجتمع الدولي، بهيئاته ومؤسساته، لماذا تكافئون إرهاب الأنظمة ضد شعوبها، ثم تعاقبون هذه الشعوب على إرهاب تمارسه تنظيمات، إن لم تكن صناعة هذه الأنظمة، فإن ظهورها هو رد فعل طبيعي لحالة تغييب القانون واحتقار قيمة الحياة والحرية من جانب هؤلاء المستبدين الذي توفرون لهم الحماية؟
لقد قلت مبكرا جدا إنه بمعيار ما، يمكن اعتبار “داعش” اسماً لمسحوق الغسيل المفضل لدى جمهور الثورات المضادة، وأنظمة الاستبداد العربية.وإن الاستثمار ذا العوائد الكبيرة في مشروع “الحرب على داعش” تجاوز مسألة غسيل الأيدي من الدماء، وغسيل السمعة من القتل، وغسيل التاريخ من المجازر، وإسقاط الديون والجرائم.. تجاوز ذلك إلى محاولة الحصول على أرباح إضافية، تتمثل في مواراة ما تبقى من ملامح للربيع العربي الثرى”
وقبل يومين فقط خطب كبير النظام الداعشي في مصر، متباهيا وملوحا بسلسلة مجازره الدموية بحق معارضيه منذ قرر القفز على الحكم، تحدث بكل فخر مذكرا بتواريخ المذابح، معلنا الاستعداد لتكرارها، إذا ما فكر أحد في أن يثور عليه، أو يقض مضجعه أو يهز كرسي حكمه، ليسجل اعترافا رسميا بممارسة “إرهاب النظام” على نحو فاق في حصيلته الدموية مجموع خسائر عمليات الأنظمة الإرهابية مجتمعة، ورغم ذلك لم يحاسبه أحد، أو يعاقبه، أو يوقفه عن هذه الممارسات التي من شأنها “تفريخ” عشرات تنظيمات العنف والإرهاب.
تستخدم السلطة في مصر أكثر من “داعش” فهناك دواعش العدالة والقضاء، ودواعش الإعلام، ودواعش الفتوى، ودواعش حقيقية “تهبر” كل من يعترض على الاستبداد، ويرى فيه الحاضنة الحقيقية لصناعة الإرهاب.
فما أن تحذر من أن الإمعان في الإهانة والتعذيب وانتهاك الكرامة ومصادرة الحريات والحقوق، وإهدار القانون وتغييبه كحكم نزيه بين الأفراد، من شأنه أن ينتج شخصيات انتقامية تحصل على ما تراه حقا لها بيدها، مادام القانون غائبا، يخرج أحدهم متمطيا ومتمطعا ليتهم كل من يرفض استبداد وإرهاب التظام بأنه مؤيد للإرهاب.
لقد بلغ من التوحد مع إرهابهم واستبدادهم أنهم صاروا يدللونه و يكتبون فيه القصائد، مطمئنين إلى أن أحدا لن يتصدى لهم، ماداموا ينفذون المطلوب منهم إسرائيليا، بل وأكثر منه.
أخيرا تقول النكتة إن القاهرة ردت على واشنطن بشأن تقرير الخارجية الأميركية عن تراجع حالة حقوق الإنسان في مصر بأن نصحتها بالتركيز على مشاكلها وأوضاعها الداخلية، أفضل لها.
وهكذا، كما صنعت واشنطن “دواعش التنظيمات” ثم فقدت السيطرة عليها، على طريقة “فرانكشتاين” يبدو أنها تواجه الموقف نفسه مع ما صنعته من “دواعش الأنظمة”