قبل عام تقريبًا، تناول الشاب العشريني أحمد، طعام سحور رمضان مع عائلته قبل أن يصلي بهم إمامًا لصلاة الفجر، ثم ناموا جميعًا، دون أن يعلم أن هذه الليلة آخر ليالي الدنيا مع والديه، ففي ساعات الصباح باغتتهم طائرة حربية إسرائيلية، بصاروخين حولا منزلهم إلى كومة ركام فوق رؤوسهم.
نجا أحمد بأعجوبة هو واثنين من أبناء أخيه وأمهم، فيما ارتقى تسعة من أفراد العائلة شهداء، بينهم الوالد والوالدة وبقية الأخوة والأحفاد.
أحمد الذي تعافى من جراحه في هذا القصف، يقول -والدمع في عينيه-: “مر عام امتزج بالحزن والفرح”.
كانت السنة الأقسى على قلبي بفراق عائلتي وأحبتي وذكريات بيتي، وفي الوقت نفسه هي السنة التي كنت سعيدًا فيها بعقد قرآني في السنة نفسها لأكمل مسيرة الحياة”.
وأكد -في حديثه لـ”رصد”- سنعيد بناء البيت من جديد، وسنكمل مسيرة الحياة في مواجهة الموت الذي زرعه الاحتلال في كل بقعة في غزة”.
لا تزال غزة، تضمد جراحها بعد حرب استمرت 50 يومًا، قتلت وجرحت وشردت الآلاف، غالبيتهم من المدنيين؛ حيث أكدت التقارير الدولية أن عدد الضحايا الأطفال وصل إلى 550 من أصل 2200 سقطوا خلال أبشع الحروب على غزة.
ويوثق تقرير للأمم المتحدة صدر قبل أيام، شهادات تؤكد ارتكاب “إسرائيل” جرائم ترتقي إلى جرائم الحرب بقتلها للعديد من العائلات بشكل كامل في قطاع غزة، ويشدد التقرير على أن إسرائيل فشلت في إجراء تحقيق نزيه وتقديم المسؤولين إلى العدالة.
ويقول الصحفي، عادل زعرب، الذي استشهد 13 فردًا من عائلته: “إن الشهداء انتقلوا إلى المنزل الجديد قبل أيام من استهدافه”، موضحًا أن المنزل بنته الأونروا عوضًا عن منزل دمرته آلة الحرب الإسرائيلية قبل 13 عامًا.
ويشير -في حديثه لـ”رصد”- إلى أن المنزل لا يزال على حاله مدمرًا بشكل كلي، معربًا عن أمله أن يبدأ الاعمار ويعود المشردون إلى ممارسة حياتهم الطبيعية.
وجدد الصحفي زعرب، التأكيد على أن القصف والدمار لن يرهبنا، وأن ما نقدمه من أبنائنا وأموالنا ومنازلنا ما هو إلا ضريبة التمسك بأرضنا ومبادئنا، معربًا عن فخره بالمقاومة التي صدت العدوان وانتقمت لدماء الشهداء.
ويحيي الفلسطينيون هذه الذكرى الأليمة، بزيارات تفقدية لأهالي الشهداء، وفاءً لهم على العطاء وتأكيدًا على المضي قدمًا في ذات الطريق حتى تحرير الأرض والمقدسات.
وأطلق نشطاء الإعلام الفلسطينيون، حملة تغريد واسعة على هاشتاج “ذكرى_العصف_المأكول” وهاشتاج “غزة_كيف_حالك” الذي أطلقته قناة الجزيرة لتغطية أيام الحرب.
وتنظم كتائب القسام، الجناح المسلح لحماس، مساء اليوم، عرضًا عسكريًا مهيبًا في غزة، يتخلله كلمة للناطق باسمها أبو عبيدة، يؤكد فيها على استمرار المقاومة على تحرير فلسطين ومقدساتها من الاحتلال المجرم.
لم يتغير شيء
وحتى هذه اللحظة، وبعد مرور عام على الحرب الثالثة، لم تبدأ عملية إعادة الإعمار الحقيقية ولم يتم بناء أي منزل في قطاع غزة من المنازل التي تم تدميرها بشكل كلي، وذلك على الرغم من تصريح البنك الدولي الأخير الذي ذكر فيه أنه حتى منتصف إبريل 2015 قد وصل 1 مليار دولار لإنعاش وإعادة إعمار قطاع غزة.
وذكر ماهر تيسير الطباع، مدير الإعلام في غرفة تجارة غزة، أن من أهم أسباب تعثر عملية إعادة الإعمار، استمرار الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة واستمرار إدخال مواد البناء وفق الآلية الدولية العقيمة المعمول بها حاليًا، والتي ثبت فشلها في التطبيق على أرض الواقع.
وبين أن ما تم إدخاله من مادة الأسمنت للقطاع الخاص لإعادة إعمار قطاع غزة خلال النصف الأول من عام 2015 لا يتجاوز 116 ألف طن، وتم توزيع تلك الكميات على أصحاب المنازل المتضررة جزئيًا وفق آلية الكوبونة المدفوعة الثمن، في حين مجمل ما تم توريده من الأسمنت للقطاع الخاص لإعادة إعمار قطاع غزة لا يتجاوز 135 ألف طن منذ إعلان وقف إطلاق النار، وهذه الكمية لا تكفي احتياج قطاع غزة لمدة 15 يومًا من مادة الأسمنت.
أما على صعيد القطاع الخاص، فلا يوجد أي جديد على صعيد المنشآت الاقتصادية فحالها كما هي؛ حيث إن ما تم إنجازه في الملف الاقتصادي هو صرف تعويضات للمنشآت الاقتصادية بما لا يتجاوز 9 ملايين دولار وصرفت للمنشآت الصغيرة التي بلغ تقييم خسائرها أقل من سبعة آلاف دولار.
رفع الحصار وبدء الإعمار
من جهته، استنكر مركز الميزان لحقوق الإنسان، استمرار صمت المجتمع الدولي وعجزه عن الوفاء بالتزاماته وفي مقدمتها إنهاء حصار غزة وإعادة بناء غزة وملاحقة كل من يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب أو المسئولين عن إصدار أوامر بارتكابها.
وشدد مركز الميزان، على أهمية مواصلة الجهود الحثيثة لتحقيق العدالة في هذه المنطقة من العالم ومحاسبة المسئولين عن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في قطاع غزة.
ودعا مدير عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في قطاع غزة “روبرت تيرنر”، إلى إنهاء الحصار الإسرائيلي بشكل كامل عن القطاع.
وقال تيرنر، في مؤتمر صحفي عقده اليوم الأربعاء، في مدنية غزة بمناسبة مرور الذكرى الأولى للعدوان الإسرائيلي: “الناس في غزة ليس لهم الحرية في الحركة والحصار جردهم من أبسط حقوق الإنسان”.
وأضاف أن سكان غزة بحاجة إلى أكثر من المعونات الموزعة.. إنهم بحاجة إلى حل عادل”، مشيرًا إلى أن الأمور لم تتحسن للأفضل وأن سكان القطاع يتطلعون إلى المستقبل ويسعون لتحسين ظروف حياتهم وحياة أطفالهم.
وشدد تيرنر، على أن المدنيين في غزة هم من دفعوا ثمن الحرب على القطاع ولكن تبقى لديهم المرونة والصمود وهو جزء من النسيج الاجتماعي.
وتوقع تيرنر، خلال المؤتمر الصحفى الأخير له عشية مغادرته لمهام منصبه، أن تشهد عملية إعادة إعمار قطاع غزة تحسنًا ملحوظًا خلال الفترة، وقال إن وتيرة الإعمار كانت بطيئة جدا، لكنني أؤمن أننا تجاوزنا مرحلة حاسمة، وأن تطورًا جوهريًا سيطرأ خلال الأسابيع القليلة القادمة”.
وأضاف “أتوقع أن تشهد الأسابيع القليلة المقبلة إشارات إيجابية بشأن إعادة الإعمار”، داعيًا إلى المساعدة في بناء 7000 منزل مدمر في قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي.