أولا: الإسلاميون ليسوا كائنات غريبة عن مجتمعاتهم، فلم يهبطوا من السماء عليها، بل هم أبناء هذا المجتمع، ومن المعلوم في علم الاجتماع: أن الإنسان ابن بيئته، ويظل العامل البيئي عاملا رئيسيا في تشكيل وعي وسلوك الإنسان، يحاول التغيير منه بدرجات متفاوتة، وهذا ما يفعله التدين في الإنسان، عندما تكون ثقافة المجتمع ثقافة تتعارض مع توجيهات التدين. لا نستطيع أن نغفل هذه العوامل المحيطة بالإسلاميين، وهو أمر ثابت دينيا وعلميا، فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه: “يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية”، يوضح هذا الأمر، فكل شخص منا بداخله رواسب ونسب هذه الجاهلية المتمثلة في سلوكيات وأفكار تخالف صحيح الدين، هذه النسبة تكون بحسب تأثير هذا المجتمع في الإنسان.
وثابت علميا كذلك، فعندما يقوم دارس بكتابة رسالة علمية (ماجستير أو دكتوراه) عن شخصية معينة، يكون أول فصل فيها دائما: الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية في هذه الفترة، ليدرس الباحث مدى تأثير هذه العوامل في فكر وسلوك الشخصية المدروسة، فإذا تعجب الانقلابيون وغيرهم من هذا السلوك، فهو نتاج طبيعي لنظام أتوا به، فاق كل الحدود في الإجرام، وفاق أتباعه كل الحدود في النذالة، وسوء الخلق، فليس مستغربا أن يكون رد الفعل من المجني عليهم بعضا مما قام به هذا النظام.
ثانيا: أعلم أن لي حلقة عن (الهاشتاج المشهور) عندما أطلقه الشباب عند ترشح عبد الفتاح السيسي، وكنت مدافعا عن إطلاق الشباب له، وكانت لي ـ ولا زالت ـ الأسباب الوجيهة والعلمية في ذلك وقتها، وهو ما لم أعلنه، وهو أننا كنا نمنع الشباب من التفكير في أي مسار فيه عنف، ردا على عنف هذه السلطة، فإذا منعناهم من سب وشتم هذا الظالم، الذي يقتل الناس، ويعذبهم في السجون، ويصادر أموالهم، ويغتصب النساء، وهم يسبونه بما فيه يقينا، فإذا تم منعهم من ذلك، فسوف تكون فتنة في رؤية هذا الشباب للدين، فأي دين هذا الرحيم اللطيف مع مثل هذا الرجل بكل ما يقوم به من فجور وظلم، إذ يمنعني من قتله، ويمنعني من الانتقام منه، ويصل المنع لمنعي من سبه بما فيه وما يستحقه؟ فأي دين هذا الذي يحرص على مشاعر الفاجر الظالم، بينما يُطلب مني – أنا المظلوم – أن أظل متحليا بالصمت والصبر، ومنعي من الدعاء عليه وسبه؟!! تلك كانت رؤيتي للأمر، وليس هروبا من موقف، بل ليوضع في سياقه، سواء اتفقنا عليها أو اختلفنا.
ثالثا: توسع البعض في مثل هذه المفردات، فيمن يستحقه ومن لا يستحقه، وهو ما يجعلنا نقف معه بحذر شديد، فليس مقبولا أن ننزلق مع القوم في تجاوزاتهم، والخشية الأكبر من هذا الأمر، أن نتحول إلى أن يصبح ذلك هو أقصى ما نملك من رد الفعل على هذا الظلم، فنكون كالعربي القديم الذي سرقت ماشيته، وضربه اللصوص، فسأله قومه وماذا فعلت؟ فقال: أوجعوني ضربا، وأوجعتهم سبا وشتما!!
رابعا: في ألوان الأدب والفن متسع كبير للتعبير بما يوجع الانقلاب، بعيدا عن الإسفاف في الألفاظ، وهو ما يوجع الطغاة حقا، وبخاصة فن السخرية والتهكم، وهو باب كبير أصل له الفقهاء والعلماء والأدباء والفنانون، وأسهموا فيه بسهم كبير، فكم من نكتة سياسية ساخرة، أو كاريكاتير، أو عمل مسرحي، أو تمثيلي، يؤدي الرسالة، ويصل للجميع، ويوجع الخصم، دون خسارة في مجال الأخلاق، وهو ما يجب علينا أن نركز فيه في مرحلتنا القادمة.