شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الفساد بين محاربيه ومناصريه

الفساد بين محاربيه ومناصريه
الفساد كائن حى يعيش بيننا، ومنا من يعيش فيه، وهناك من يموت إذا فكر أن يعيش بدونه، وبالرغم من ذلك توجد قلة تحاول التخلص منه ،ولكنها تواجه بمقاومة شديدة ليست منه فحسب بل من الاشخاص الذين دأبو على أن يعيشوا فيه ويتعايشوا منه

الفساد كائن حى يعيش بيننا، ومنا من يعيش فيه، وهناك من يموت إذا فكر أن يعيش بدونه، وبالرغم من ذلك توجد قلة تحاول التخلص منه ،ولكنها تواجه بمقاومة شديدة ليست منه فحسب بل من الاشخاص الذين دأبو على أن يعيشوا فيه ويتعايشوا منه ،ولا يكتفى هؤلاء بالمقاومة، بل يسعون الى استمالة هؤلاء القلة بوسائل عدةمن المغريات ، ومن يرفض يكون مصيره حرب شرسة تنتهى بإنهاء حياته فى العمل العام ان لم يكن مصيره أسوأ من ذلك .

هذا هو ملخص المشهد الذى تعيشه مصرمنذ سنوات ، وبالأخص فى هذه الفترة ،فمنذ أيام صدر حكم نهائى وبات وواجب النفاذ بأن مبارك ونجليه لهم فساد مالى ووجب حبسهم ثلاث سنوات ،وقبلها تم القاء القبض على وزير الزراعة بتهمة الفساد المالى ، وبعدها قام وزيرى القوى العاملةالسابقين بإرجاع مبالغ مالية تم أخذها بغير حق ، وسبقها القبض على رئيس جمعية مكافحة الفساد متلبسا برشوة ،وأخيرا كان تصريح رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات أن “حجم الفساد بمصر خلال عام ٢٠١٥ بلغ ٦٠٠مليار جنيه”.

الملفت أن الدولة والنظام الحاكم يتعامل مع الفساد بأساليب مختلفة فكل حالة لها أسلوب يتماشى معها وذلك وفقا لما تقتضيه مصلحة هذا النظام ، فنجد وزير الزراعة السابق تم التعامل معه بشكل إعلامى بحت ، لكى يتظاهر النظام بأنه يحارب الفساد ، أما وزيرى القوى العاملة السابقين فتم التعامل معهم بمبدأ”شدة أذن ” واكتفى النظام للتصالح معهم باسترداد ما أخذوه ، أما رئيس جمعية مكافحة الفساد فأراد النظام أن يثبت للمجتمع المصرى صحة المثل المصرى ” باب النجار مخلع”.
أما التعامل مع رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات فقد جاء فى صورة مختلفةنظرا لأنه ليس من الفاسدين ، بل من القلة التى تسعى إلى كشف الفساد ، فكان لابد من محاربته بطريقة جديدة ألا وهى اغتياله معنويا من خلال وسائل عدة منها: تشكيل لجنة تقصى حقائق من قبل الجهات التى نسب إليها الفساد ، وخرجت تلك اللجنة بتقرير تؤكد فيه بأن تقرير رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات مضلل ولا يمت إلى الحقيقة بأى صلة، وتم عمل بروباجندا لتقرير تلك اللجنة المعينة من قبل السيسي لكى تسئ إلى رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، وكل ذلك لتهيئة الرأى العام أن المستشار جنينة مضلل ومفبرك للتقرير .
ولم يكتفوا بذلك بل إن إعلامي النظام اتهموا جنينه بأنه استولى على ٢٥ فدان بالحزام الأخضر ،حتى يظهروا للمجتمع المصرى أن جنينه لديه فساد مثل المسئولين ،ولكن جاء رد المستشار جنينة سريعا فأعلن فى بيان أن من ادعى ملكيته فى الحزام الأخضر فعليه أن يدله على مكانها وأ ياتى بصورة من حيازة جنينه لها ،ووقتها سيعلن انه متبرع به لمستشفى السرطان .كما زعموا أنه مضلل حيث قالوا كيف يكون الفساد ٦٠٠ مليار جنيه وميزانية الدولة ٧٥٠ مليار جنيه ،وتناسى هولاء أن المستشار جنينه قال أن الفساد فى مصر بلغ ٦٠٠ مليار جنيه ،وليس الفساد فى الموازنة ،فهناك موارد داخل الدولة لا تدخل ضمن موازنة الدولة مثل أراضى الدولة،فقد صدر تقرير -فى سبتمبر الماضى من قبل الجهاز المركزى للمحاسبات والرقابة الادارية وتم تسليمه إلى رئاسة الجمهورية – يفيد بأن قيمة المخالفات والتعديات على أراض ملك الدولة وصل إلى ٤٤٠ مليار جنيه ، كما ذكرت وزيرة المالية السويسرية فى يوليو الماضى أن حجم الأموال المهربة من مصر قد بلغ ٦٤ مليار دولار ، فكل هذه النقاط التى ذكرناها ربما تزيد فاتورة الفساد فى العام الماضى إلى أكثر من ٦٠٠ مليار جنيه.

إن المستشار جنينة لا يسعى إلى فضح أجهزة الدولة ،ولكن الدولة لا تلقى له ولا لتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات بالا ، ولا تريد أن تتعامل معه فقد سبق أن تقدم الجهاز ببلاغات عدة إلى النيابة العامة والنيابة الادارية والكسب غيرالمشروع ولم يبت إلا فى أعداد قليلة من هذه البلاغات، كما اشتكى الجهاز سابقا من عدم تعاون بعض الاجهزة والوزرات فى الدولة، ولم تكن هناك اى استجابة من قبل الدولة.

لقد كان تعامل مجلس النواب مع هذا الموضوع سيئاً جدا ، فبدلاً من أن يقوم المجلس باستخدام صلاحياته ومنها مناقشة تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات وتشكيل لجان تقصى حقائق لحسم الخلاف بين الجهاز الرقابى والسلطة التنفذية ،اكتفى المجلس ونوابه بتقرير السلطة التنفذية واعتماده، وطالب النواب باستجواب رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات واتهامه بأنه يريد أن يسئ إلى مصر ،ووصل الأمر إلى حد المطالبة بعزله ،وتناسى هؤلاء النواب بأن دور الجهاز المركزى للمحاسبات هو الكشف عن الفساد وتقديمه للجهات المسئولة وإعلان بعضه للرأى العام وليس اختلاقه.

إذن نحن أمام حالة من التقاعس من جهات لا تريد أن تقوم بواجبها تجاه ما يكشف لها من قضايا فساد،وكان الواجب أن تقوم السلطتين التشريعة والقضائية بمسئوليتهما تجاه تلك القضايا وتتعاون مع الأجهزة الرقابية فى محاربة الفساد ، ولكن نواب السلطة التشريعة كان لهم رأى آخر وهو التعاون مع السلطة التنفذية ضد الأجهزة الرقابية .

إن محاربة الفساد تتطلب إرادة سياسية واضحة من قبل كل الجهات حتى نتمكن من كشف هذا الفساد ومحاربته بعد ذلك ، وقد تجلى ذلك فى قضية القصور الرئاسية- أول قضية يحكم فيها على مبارك ونجليه بحكم نهائى وبات وواجب النفاذ – حيث أصدر القضاء سواءفى محكمة الجنايات أو النقض بأن مبارك فاسد ماليا ،وما كان لهذا الحكم أن يصدر إلا بعد توافر الإرادة السياسية آنذاك ،والتى تمثلت فى قيام الضابط معتصم فتحى بإرسال مستندات تلك القضية إلى رئاسة الجمهورية ،وقام الرئيس محمد مرسى بإرسال تلك الملفات إلى النائب العام المستشار طلعت عبدالله حيث قام بإعداد قضية مكتملة الأركان وخالية من الثغرات التى يستطيع المحامون أن يتخللوا منها إلى إسقاط التهم عن موكليهم ، وبعد ثلاث سنوات فى المحاكم صدر الحكم بإدانة مبارك ونجلييه فى أول قضية توافرت فيها الإرادة السياسية وتعاونت فيها جميع الجهات من أجل الحفاظ على المال العام ومحاربة الفساد.

ونظراً لأن نظام مبارك مازال يحكم ، فكان مصير الضابط الذى كشف قضية القصور الرئاسية هو التنكيل به ، حيث تم تجريده من رتبه، وتهديده هو وأسرته ، ونقله من الرقابة الإدارية إلى وظيفة مدنية بوزارةالتجارة ، وهو الآن خارج البلاد . فبدلاً من أن يتم تكريم كاشف الفساد تمت محاربته والتضيق عليه ماليا ومعنويا حتى خرج من البلاد .

معتصم فتحى تمكن من تقديم الفسادين إلى العدالة لكى يأخذوا جزاء ما اقترفت يداهم ،ولكن الفاسدون لم يتركوه ،فما بالكم بمن يريد أن يسير على منواله فماذاسيكون مصيره ، إن ما حدث مع معتصم فتحى ربما يحدث مع أى شخصية أخرى يكون لها نفس الهدف ألا وهو محاربة الفساد ،فرئيس الجهاز المركزى للمحاسبات لن يتركه الفاسدون ،بل سيحاولون بكل ما يملكون من قوة وبطش النيل منه والتنكيل به حتى يكون عبرة لمن تسول له نفسه أن يفكر فى محاربة الفساد أو على الأقل كشفه.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023