شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

التحدث بالإنجليزية لا يحميك من التعصب الأعمى في بريطانيا

التحدث بالإنجليزية لا يحميك من التعصب الأعمى في بريطانيا
لم ألاحظ الرجل الذي كان يسترق السمع في مقهى بمحطة يورك حتى تولى الأمر بنفسه وقرر المقاطعة، كنت أحتسي كوبا من الشاي في هدوء مع صديقي السوري عدنان الذي كان يتولى الترجمة لي في إحدى القصص هذا المساء

لم ألاحظ الرجل الذي كان يسترق السمع في مقهى بمحطة يورك حتى تولى الأمر بنفسه وقرر المقاطعة، كنت أحتسي كوبا من الشاي في هدوء مع صديقي السوري عدنان الذي كان يتولى الترجمة لي في إحدى القصص هذا المساء، كان يخبرني عن رحلته إلى بريطانيا عبر روسيا، عندما وقف الرجل وانحنى وصاح، “لا تصدقي ما يقوله لك”.

نظرت لأعلى، وارتفع حاجباي، وسألته إذا كان يحدثني، قال الرجل “نعم”، “لا تتعاطفي مع هذه القصة المفتعلة، لا يمكنك تصديق أي كلمة مما يقول”.

حينها فقدت أعصابي، أخبرته أنه هذا صديقي، وليس له الحق أن يتحدث عنه بهذه الطريقة، وأنني لا أقدر وقاحته وطلبت منه أن يأخذ تعصبه الأعمى ويرحل، كان الجميع في المقهى يستمعون، ولكنه لم يهتم، وبينما أدرا ظهره متوجها إلى الباب ظل يصرخ لأنه “هناك الكثير منهم”.

لم يتحدث عدنان، وأطرق برأسه، كان قطارنا في منتصف الطريق إلى نيوكاسل عندما فكر فيما كان يجب أن يقوله للرجل في المقهى: “أنا أتحدث أربع لغات، وأدرس الماجستير، وقد أنقذت حياة أناس آخرين في بلدي، أنا أعمل بدوام كامل ولا أحصل على شيء بالمقابل، ماذا فعلت أنت في حياتك؟”.

كنا سنجري مقابلة مع مراهقة سورية انتقلت حديثا إلى نيوكاسل، مزون الملحان، الفتاة ذات السبعة عشر عاما، التي قضت عامين في مخيم للاجئين بالأردن، وشاركت مزون في حملة من أجل تعليم الفتيات محاولة إقناع زميلاتها بالمدرسة أن تستكملن تعليمهن ويتخلين عن فكرة الزواج المبكر، وفي نوفمبر كانت هي وأسرتها من أوائل الأسر التي عرض عليها اللجوء إلى بريطانيا كجزء من برنامج الحكومة لأعادة توطين ٢٠ ألف لاجئ بالمخيمات.  

تحدثنا عن منزلها الجديد ومدرستها، وعن صعوبة فهمها للهجة الجوردية، وبعد المقابلة، طلب مني المسؤول الإعلامي بالمجلس عدم ذكر اسم الضاحية التي تعيش بها العائلة، وعلل ذلك بأن هناك بعض الوقاحة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعليهم حمايتهم وحماية الأسر الأخرى من العناصر السلبية في المجتمع. 

ومساء ذلك اليوم في الحادية عشرة والنصف وصلتني رسالة عبر البريد الإلكتروني تخبرني أنني يجب أن اتوجه إلى ميدلسبره في الصباح للبحث عن الأبواب الحمراء، لم أفهم مقصده ولكنني فهمت الأمر عندما طالعت الصفحة الرئيسية للتايمز في اليوم التالي، كان العنوان الرئيسي باللون الأحمر يقول، “فصل عنصري في شوارع بريطانيا”، وذكر المقال أن طالبي اللجوء السياسي في ميدلسبره يعتقدون أنهم يتم تعريضهم لانتهاكات عنصرية عن طريق تسكينهم في منازل ذات أبواب حمراء. 

في البداية تشككت في أن لون الأبواب تم تصميمه عمدا للإشارة لمنازل المتقدمين بطلبات اللجزء كما كان يتم رسم صليب على أبواب ضحايا الطاعون، ولكن بعد ساعتين من الحديث مع إيرانيين وصوماليين واريتريين تعرضت منازلهم للاعتداء بالبيض وكسر النوافذ من قبل عصابة من الشباب يطلقون عليهم أسماء مروعة، تبين أننا بدلا من أن نعطي هؤلاء المستضعفين ملاذا آمنا، قمنا بوضعهم في عرين الأسد.

ولم تكن بقع البيض على الأبواب أو النوافذ المحطمة هي أكثر ما سبب لي الإحباط، ولكن المحبط في الأمر هو تجاهل الجميع لهذا السباب، فقد أخبرتني سيدة إريترية حصلت على لجوء سياسي ووجدت وظيفة بدوام كامل أن مجموعة من المراهقات يطلقن عليها أسماء مثل “الكلبة السوداء”، “والكلب القذر”، ويطلبون منها العودة إلى بلدها. 

“لكن هذا أمر طبيعي”، قالت السيدة: “أعرف أنني سوداء، ولا أعرف لماذا عليهن إخباري بهذا، فأنا فخورة بما أنا عليه”. 

بالنسبة لها ولكثير من الأجانب الذين قابلتهم كانت الإساءة جزء من الحياة في بريطانيا، تماما كالاعتذار المفرط وتناول اللحم المشوي أيام الأحد، يقول أحد اللاجئين الإيرانيين الذي يخشي من فتح نافذة بيته لأن الناس كانوا يلقون القمامة داخله أنه يعامل بشكل اسوأ من البقرة التي كانت لديه في مزرعته، “لقد تركت حياة جيدة من أجل هذا”، يقول الرجل.. “لقد كان لدي منزلا ، كان لدي مزرعة، وزوجة، وأبقار”.

بمنتهى السذاجة ومن داخل فقاعة الطبقة المتوسطة البيضاء المميزة التي أعيش بها، ظننت أن العنصرية العلنية أمر من الماضي، بالطبع عند قراءة التعليقات أسفل كل مقال يتحدث عن الهجرة علمت أن هناك أناسا يكرهون الأجانب، ولكنني ظننت أنه من غير المقبول اجتماعيا أن تعرب عن آرائك العنصرية علنا، إلا إذا كنت تفعل هذا خلف صورة شخصية غير حقيقية، ولكن الأسبوع الماضي أثبت لي العكس، ليس فقط من خلال تجربتي في يورك ونيوكاسل وميدلسبره، ولكن أيضا من خلال حديثي مع النساء المسلمات في برادفورد اللواتي اختصهن رئيس الوزراء بالحديث عن لغتهن الانجليزية الضعيفة، والتي من وجهة نظره تجعل أبناءهم عرضة للتطرف.

أتفق تماما أن اللغة الإنجليزية الجيدة هي أساس الحياة بريطانيا، لكن ليس لها علاقة بالدين، والأمر المحزن هو بالرغم من أنها سوف تمنحك تعليما أفضل ووظيفة أفضل وفرصة أفضل للاندماج في الحياة اليومية، إلا أنها -كما حدث مع صديقي السوري- لن تحميك من التعصب الأعمى.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023