رأت صحيفة “فورين بوليس” الأميركية، أن سبب إصرار عبدالفتاح السيسي على إنشاء المشاريع الضخمة، هو ضمان ولاء جنرالات الجيش له؛ إذ تتولى إمبراطوريتهم الاقتصادية هذه المشاريع بالأمر المباشر.
وقالت الصحيفة، في تقرير لها، إنه “بعد وصول عبدالفتاح السيسي إلى الحكم، فإنه ما زال يتمتع بدعم شعبي عريض بفضل سياسة عدم التسامح المطلق مع الإسلاميين ومشاريعه الضخمة والقبضة المحكمة على الخطاب العام”، مشيرة إلى “أن الدعم الشعبي قد يتغير، وعلى خلاف سابقه مبارك لا يحظى السيسي بحزب أغلبية مسيطر يستطيع العمل بالنيابة عنه، وفي الحقيقة لا تقف مؤسسة سياسية رسمية خلفه، فصعوده المفاجئ إلى السلطة عبر انقلاب عسكري شعبي لم يمنحه هذه الفرصة”.
وتابعت الصحيفة قائلة: “في الوقت الذي لدى البرلمان الجديد أعضاء داعمون بشكل مطلق للسيسي ترشح معظمهم كمستقلين، إلا أنهم لم يتجمعوا في تحالف دائم ويمكن الاعتماد عليه، وهو ما يمنحه نفوذًا سياسيًا أقل مما كان عليه الحزب الوطني الديمقراطي، وعندما تسير الأمور بشكل سيئ فإن السيسي لن يعتمد على البرلمان لضمان وقوف الرأي العام في صالحه، ولكن فقط مؤسسة واحدة لديها القوة وإرث من الدعم الشعبي لتأمين مكانه في السلطة هذه المؤسسة هي القوات المسلحة”.
ونقلت الصحيفة عن أحمد عبد ربه، مدرس العلوم السياسية المساعد بجامعة القاهرة، قوله: “السيسي ليس لديه مؤسسة سياسية، والجيش هو المصدر الرئيسي للشرعية السياسية؛ إذ تحول إلى مؤسسة سياسية في حد ذاته”.
واستطردت الصحيفة قائلة: “وهذا ما تحتاجه القوات المسلحة في هذه المرحلة، فقد أمنوا أماكنهم كداعم رئيسي للسيسي، وفي مقابل ولائهم جعلوا مطالبهم واضحة وهي السيطرة على الاقتصاد غير مقيدين بالقوانين التي تحكم المدنيين، وسارع السيسي في تنفيذ ذلك”.
وأوضحت الصحيفة أنه “وفقًا لما ذكره تقرير معهد التحرير الأميركي، فإن السيسي منذ توليه السلطة أصدر 263 قانونًا، تتعلق 32 منها مباشرة بالجيش والشرطة وتتضمن قوانين زيادة المعاشات العسكرية، وتوسعة سلطات المحاكم العسكرية لتشمل محاكمة المدنيين، وقانون يسمح لوزاة الدفاع بإنشاء شركات أمنية ربحية، ولك أن تتخيل عدم اكتفاء الجيش الأميركي فقط بتوظيف شركة “بلاك ووتر” بل أيضًا أصبح يتربح منها، ومع ذلك فإن أكثر القوانين التي أصدرها السيسي في تكتم شديد هو القانون المتعلق بجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة؛ إذ سمح لها القانون بإنشاء مشاريعها التجارية الخاصة وتنمية أصولها بغرض الربح”.
ولفتت الصحيفة، في تقريرها، إلى أن هذه الشركة تأسست في الماضي للتخلص من الأراضي المملوكة للدولة بشكل تدريجي، لكن الآن لديها فرصة للنمو والإعفاء الضريبي وعدم الخضوع لأي مراقبة مدنية عليها، وعلى شاكلة هذه الشركة توجد العديد من الشركات الأخرى مثل الشركة القابضة للنقل البحري التي تأسست أيام حكم مبارك ثم سلمت إلى الجيش، وتزاحم مثل هذه الشركات القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي الذي في حاجة ماسة إلى النمو.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الشركات المملوكة للجيش ليست بحاجة إلى الإفصاح عن أرباحها ،و تتراوح تقديرات الخبراء بمساهمتها بنسبة من 5 إلى 60 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي المصري، ومع ذلك فإن تضخم وتنوع الإمبراطورية الإقتصادية للجيش ليس سراً
وبينت الصحيفة أن مبارك استغل هذه الشركات في جذب العقود الأجنبية والحكومية في الشحن واللوجستيات ومجالات أخرى، وباستخدام المجندين كعمالة غير مدفوعة الأجر استطاعت هذه الشركات أن تقدم أسعارًا أقل من السوق، وهو ما ناسب الرئيس الذي وجد في إبرام هذه العقود ضمانة لولاء ضباط الجيش له، لكن مبارك لم يعتمد على إرداة هؤلاء الضباط للبقاء في السلطة؛ فلديه الحزب الوطني للقيام بهذا فقد ضمن طريقة لمجاملة الجيش لكن بدرجة معينة ضمن وقوف جنرالات الجيش بجواره في الانتخابات، ناقلة عن “عبد ربه” قوله: “لقد كانوا مميزين لكنهم لم يكونوا قوة سياسية فاعلة، فكان لديهم إمبراطوريتهم الاقتصادية خلف الكواليس، وكان الحزب الوطني هو القوة السياسية الأكبر”.
وأردفت الصحيفة: “ازداد دور شركات الجيش بسرعة كبيرة تحت حكم السيسي وبدلًا من حصول هذه الشركات على التعاقدات بطريقة سهلة باتت تحصل على مشاريع كاملة، ونظريًا فإن هذه الإجراءات تهدف إلى تشجيع الإستثمارات الأجنبية، لكن في الحقيقة الأمر أبعد من هذه اللغة البلاغية؛ فوفقًا لما ذكرته “شانا مارشال” من جامعة “جورج واشنطن” فإن هذه الإجراءات تهدف إلى مركزة الفساد”.
وأشارت الصحيفة إلى حرص السيسي على إسناد مشروع قناة السويس إلى الجيش ثم قيام الجيش بإسناد العقود الداخلية للمشروع إلى الحلفاء السياسيين للسيسي؛ حيث تقول “شانا”: “مثل هذه الإجراءات تضمن سيطرة الجيش المحكمة على المشروع لإعطاء العقود للشركات الخحليجية والعمل كبرنامج وظائف للمجندين”.
وتابعت الصحيفة قائلة: “المشرو ع الضخم التالي للسيسي وهو استصلاح مليون ونصف المليون فدان، قد أثار الخبراء الشكوك حول وجود عمالة كافية لديها الرغبة في ترك منازلهم على طول النيل للعمل في صحراء خاوية، فضلًا عن وجود مياه جوفية كافية لري هذه الأراضي الجديدة، لكن السيسي ينظر بطريقة قصيرة الأمد، وبالأخص ينظر إلى إعطاء العقود للجيش والخليجيين، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وهذا هو السببب في تفضيل السيسي مثل هذه المشروعات الضخمة؛ إذ يستطيع بهذه المشروعات الإبقاء على داعمه الأساسي وهو الجيش سعيدًا وغنيًا، وإحاطتهم بطبقة سميكة من الوطنية، كما يستطيع دعم معدل القبول الشعبي له على طول الطريق”.
وتقول “مارشال”، بحسب الصحيفة: “الاختبار الحقيقي للمهارة السياسية للسيسي ستحدث عند نضوب الأموال، مشيرة إلى انخفاض أسعار البترول وهو ما قد يدفع الدول الخليجية وبالأخص السعودية إلى عدم تنفيذ وعودها بتقديم الدعم لنظام السيسي.
وختمت الصحيفة بالقول: “عندما سيأتي اليوم الذي يتوقف فيه الدعم الخليجي فإن السيسي سيدرك أن المشاريع الضخمة فعلت القليل لحلحلة المشاكل اليومية للمصريين، وما زالت الثورة الأخيرة تذكرنا بأن الحياة اليومية للمصريين قوة لا يمكن تجاهلها”.