مرت أربع سنوات منذ أن بدأ الجيش المصري حملته العسكرية للقضاء علي ما يسميه ارهابا في سيناء و من وقتها و هو يستخدم نفس الوسائل في معركته و ينتظر نتائج مختلفة ؛ وبدلا من ان تتقلص قدرات المسلحين و مساحة سيطرتهم تمددوا غربا باتجاه العريش ذات الكثافة السكانية المرتفعة التي تمثل المنطقة الحضرية بمحافظة شمال سيناء و فيها تقع كل المباني الحكومية السيادية مثل مبني المحافظة و مديرية الامن و الكتيبة 101 و مبني المخابرات العامة و الحربية و غيرها ؛ و ها نحن نعيش اليوم ارهاصات حرب الشوارع في مدينة العريش و السؤال الذي يدور في اذهان المتابعين هل سيقدم الجيش علي اجراءات عقاب جماعي تشمل المدنيين كما فعلها و ما زال مع اهالي رفح و الشيخ زويد ؟!
استراتيجية الجيش عانقت الفشل فوق رمال سيناء
كانت مهمة الجيش في بداية العمليات العسكرية هي تفكيك شبكة قوية تتكون من حوالي ألف من المسلحين الجهاديين المحليين علي اقصي تقدير الذين يعملون بين عدد سكان يبلغ حوالي نصف مليون نسمة في سيناء و بفضل المقاربة الأمنية الغير مبصرة نجح الجيش في تحويل مشكلة أمنية محلية الي تمرد مسلح ذو امتداد اقليمي ؛ حدث هذا بعدما بايعت جماعة انصار بيت المقدس تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في نوفمبر 2014 بعد احداث كمين كرم القواديس الشهيرة.
هنا في سيناء يعلم الجميع ان سياسة العقاب الجماعي التي ينتهجها الجيش دفعت الكثيرين من شباب الشيخ زويد و رفح الي الالتحاق بتنظيم ولاية سيناء رغبة منهم في أخذ الثأر لأهلهم الذين قتلوا في عمليات قصف عشوائي او بالتصفية الميدانية بسبب الاشتباه.
تنظيم ولاية سيناء استفاد من نقطة ضعف في استراتيجية الجيش المصري في شرق سيناء المعتمدة بشكل اساسي علي الكمائن الثابتة او حملات امنية متحركة تسير في طرق محددة ؛ فنوع من تكتيكاته و اساليبه فاستهدف الكمائن الثابتة و زرع المتفجرات في طرق سير الحملات الامنية و احيانا ما كان يقتحم المقار الامنية بواسطة انتحاريين ؛
وفي اعتقادي ان نقطة الضعف التي بني عليها تنظيم ولاية سيناء استراتيجيته ترتكز علي نظرية عسكرية شهيرة تقول ان ( الجيوش النظامية اذا تمركزت فقدت السيطرة و علي العكس اذا انتشرت فقدت الفعالية) و بناء عليها فقد اصبح مهاجمة الارتكازات الامنية التي تحتوي علي اعداد محدودة من الجنود و المنتشرة علي مساحات كبيرة هدفا سهلا كعصفور يقف علي شجرة في فصل الخريف ؛ كما رأينا مثلا في عملية استهداف كمين كرم القواديس ؛ و لكن مع ذلك لا يمكن القول ان عملية الحصار و سياسة الارض المحروقة التي مارستها القوات الحكومية لم تؤثر في التنظيم و اجبرته علي تعديل خططه و تغيير قائمة اولوياته و ارباكه في بعض الاحيان.
نقطة تحول
يبدو ان معركة مدينة الشيخ زويد (معركة الاربعاء الدامي) التي حدثت بتاريخ يوليو 2015 و ظهر فيها المسلحون و كأنهم يحاولون السيطرة علي المدينة كانت نقطة تحول ومنعطفا رئيسيا في استراتيجية تنظيم ولاية سيناء بعد سقوط اعداد كبيرة نسيبا في صفوفهم قتلي؛ فالولاية من وجهة نظري اختارت الابتعاد عن المواجهات الكبيرة مرحليا مع القوات الحكومية التي يؤازرها قصف جوي و ربما تدخل اسرائيلي بطائرات دون طيار لتجنب سقوط عدد كبير من القتلى في صفوفها.
وجد التنظيم ضالته في نموذج حرب الشوارع داخل المدن الذي و لم يجد التنظيم مكانا انسب من مدينة العريش؛ حيث عمل التنظيم علي تهيئة ساحة معركته القادمة منذ فترة من خلال خطوتين رئيسيتين فبدأ بحملة قوية ضد من سماهم متعاونين مع جيش الردة و اصدر قائمة بأسمائهم القيت في شوارع المدينة و نجح في تصفية بعضهم في رسالة قوية لكل سكان المدينة ان هناك قواعد جديدة للعبة ؛ ثم بدأ في تنظيم و ترتيب عناصره من ابناء المدينة او من الوافدين من وادي النيل الذين يمثلان التركيبة السكانية الطبيعية للمدينة و يسهل عليهم الحركة فيها بشكل عادي.
حرب الشوارع في مدينة العريش .. السيناريو المرعب
مساء الاربعاء 20 يناير 2016 حدث تطور نوعي ينذر بسيناريو مرعب الفترة القادمة ؛ هاجمت قوة مكونة من ثلاث افراد كمينا للشرطة في احد اكبر ميادين مدينة العريش مما ادي الي سقوط جميع افراده ما بين قتيل و جريح ؛ لم يكن اول استهداف لقوات الجيش و الشرطة فشهر ديسمبر الماضي لم يمر يوم تقريبا دون وجود حدث امني في العريش ؛ لكن الجديد في هذه العملية كونها اول عملية يحدث فيها اشتباك بأسلحة خفيفة بين عناصر مسلحة تسير علي اقدامها في شوارع المدينة اجهزت علي هدفها في دقائق معدودة دون مواجهة تذكر ثم انسحبت دون ان تترك ورائها اثر بعد ان استقلت احدي آليات الشرطة ثم تركتها في مكان ليس ببعيد عن موقع الاشتباك ، اللافت للنظر ان منطقة العملية شهدت في الايام السابقة للحادثة حملة امنية شرسة تم اقتحام منازل المدنيين و تفتيشها و احتجاز مواطنين تحت بند الاشتباه فضلا عن ان مدينة العريش مقطعة الاوصال بعدما تم اغلاق اهم شوارعها وتحويلها الي ثكنة عسكرية و قطعت فيها شبكات المحمول و فرض فيها الطوارئ و حظر التجوال لفترة طويلة ؛ لم يرصد الامن او شهود العيان حتي الان اي من عناصر قوة الهجوم او قوة الاسناد و ربما نفاجئ في الايام القادمة ان فريقا اعلاميا تابعا للتنظيم كان يعتلي احد اعلي البنايات المرتفعة لتوثيق العملية.
ماذا تريد ولاية سيناء من نقل ساحة المعركة الي شوارع مدينة العريش؟
في رأيي ان الهدف الاساسي للتنظيم هو اجبار القوات الحكومية علي الانكماش ل تأمين منطقة قيادة العمليات بالعريش و بالتالي تخفيف الضغط علي المسلحين في رفح و الشيخ زويد و حرمان الجيش من ورقة سلاح الطيران الذي مثل عبئا علي التنظيم في شرق سيناء و سيصعب علي الجيش استخدامه داخل مدينة العريش. ؛ اضف الي ذلك ان العريش بالنسبة للجيش منطقة شبه عمياء و فقيرة من الناحية المعلوماتية حيث كانت القوات المصرية تعتمد بشكل كبير في تحديد اسماء المسلحين و اماكن تواجدهم علي الجانب الاسرائيلي الذي صرح علي لسان مسئولين حكوميين تعاونه مع مصر في الجانب المعلوماتي الذي حصل عليه بفضل طائراته دون طيار و المناطيد التي تعبث بسماء سيناء كما تعرف ولاية سيناء ان نقل العمليات للعريش و تكرار الجيش لتجاوزاته في حق المدنيين الابرياء قد يساعدها فيخلق حاضنة شعبية تبحث عنها في المدينة.
أليس منكم رجل رشيد ؟!
إن مكافحة التمرد الناجحة لا تضيف الزيت على النار و لا تحول السكان المدنيين في النهاية إلى أفراد معاديين؛ بناء علي المعيار السابق يمكن لأي انسان غير متخصص قياس مدي نجاح و مستقبل عملية الجيش في سيناء؛ الغريب ان دروس التاريخ في هذا الشأن قاسية للغاية حتي في حالة الجيوش التي لديها تجارب عميقة في مجال حروب العصابات ؛ فقد عاد الحوثيون في اليمن بالانتقام بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب التي شن ضدهم الجيش خلالها أكثر من ست حملات وكما تعلمت فرنسا الاستعمارية في الجزائر أنك قد تكسب المعركة ولكن تخسر الحرب وهو الدرس الذي تعلمته ايضا القوات الأمريكية في فيتنام وعادت لتتعلمه من جديد في العراق وأفغانستان.
والسؤال هنا للعقلاء في مصر من كل الانتماءات:
أيهما أخطر على الوطن؛ إرهاب الأفراد أم إرهاب الدولة؟ أليس التهميش إرهابا؟ أليس العقاب الجماعي للمواطنين إرهاباً؟ أليس قصف البيوت عشوائيا بالطائرات إرهابا؟ أليس قمع الرأي الآخر إرهابا؟ أليست التصفية الميدانية للمواطنين إرهاباً؟ أليست إزالة مدينة رفح من الوجود إرهابا؟ أليست العنصرية ضد أكثر من نصف مليون إنسان في سيناء إرهاباً؟ أليس حصار المواطنين في الشيخ زويد ورفح وقطع الماء والكهرباء إرهابا؟ أليس سجن الأطفال والصبية وتعذيبهم إرهاباً؟ أليس موت المعتقلين السياسيين في السجون والمعتقلات إرهاباً؟ أحين تمارس الدولة الإرهاب، هل يصبح هناك من الأصل دولة ؟ فانتبهوا وابدأوا البحث عن أسباب فشل حملتكم حتي الآن، ولا تنسوا أنه لا سلام بدون عدالة.