الجنون هو تكرار فعل نفس الشيء مرة أخرى وأخرى مع توقع نتائج مختلفة (أينشتين)
***
شهور قليلة شهدها حكم السيسي، ومع ذلك تعددت الحوادث التي راح ضحيتها المئات من السياح الأجانب، ناهيك عن المصريين، بنيران الجيش والشرطة، منذ أن قرر الجيش حكم مصر بالقوة العسكرية، وبدبابة تقمع المعارضين!
قتل سائحين مكسيكيين في الصحراء الغربية، وتفجير الطائرة الروسية فوق سيناء، وأخيرا قتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة، والبقية تأتي!
***
لم يمر قتل هذا الشاب الإيطالي كأي حادث إجرامي يمكن أن يحدث في أي دولة. انتفضت الحكومة الإيطالية لقتل الشاب، لوجود دلائل عدة أن الحادث سياسي، وليس جنائيا، بوجود آثار تعذيب وحشية و “حيوانية” على جسده، بحسب نص البيان الإيطالي.
ساءت الأمور حين تبين أن جوليو كان مختطفا من قبل قوات الأمن المصرية قبل وفاته! مما دفع وزير الداخلية إلى نفي الأمر بصورة رسمية؛ وهو النفي الذي لم يلق من يصدقه في الداخل والخارج.
فسجل أجهزة الأمن المصرية في القتل الجماعي وحفلات التعذيب معروف للجميع، جعل محاولة النظام التملص من الأمر بائسة، وذكر الرأي العام الخارجي بما جرى في مصر خلال العامين الماضيين منذ الانقلاب العسكري حتى الآن، من مجازر واعتقالات.
أعاد ذلك إلى الأذهان التساؤلات المتكررة عن عدد المعتقلين المصريين في سجون السيسي، والذين لا يهتم أحد لأمرهم، ومنهم مئات كالطبيب الغندور، وفريد إسماعيل، وغيرهم، ممن ماتوا على غرار ما جرى لجوليو وأبشع، لكن دون أن ينتبه إليهم أحد، مما دفع منظمة العفو الدولية إلى الإعلان أن السلطات المصرية اعتقلت العام الماضي فقط 100 ألف مصري!
***
تساؤلات مرعبة:
يمكننا هنا أن نطرح بموضوعية هذه التساؤلات المرعبة التي نعرف مسبقا إجابتها، فقط كي تتضح الصورة:
1- إذا كان الجيش قد قتل مئات الأجانب في مصر في شهور قليلة، فبحسبة بسيطة يمكن أن تتخيل عدد الآلاف المؤلفة الذين قتلهم الجيش منذ الانقلاب العسكري حتى الآن.
2- وإذا كانت آثار التعذيب على الطالب جوليو ريجيني وحشية، فيمكنك أن تتخيل حجم التعذيب الذي يمارس بشكل منهجي، وما يتعرض له المعتقلون الإسلاميون في السجون والمعتقلات غير الآدمية!
3- وإذا كانت هذه هي طريقة تعامل الآلة العسكرية في مصر مع الأجانب منذ الانقلاب العسكري، فيمكنك أن تستنتج تعامله مع المصريين رخيصي الثمن لديه.
4- وإذا كان الجيش يكذب على رؤساء دول وحكومات، فيمكنك أن تتخيل حجم الكذب الذي يصدر للشعب المصري.
5- وإذا كان اللواء المكلف بالتحقيق في قضية الطالب جوليو ريجيني أدين سابقا في قضية قتل وتعذيب، فيمكنك أن تتخيل ما جرى للطالب، وما سيجري للتحقيق!!
ماذا ستكون محاولة النظام للتخفي والتنكر والتزين أمام العالم؟؟ بالطبع فاشلة، ولن تنطلي ألاعيبه على أحد، كما لم تنطل عليهم من قبل! ومن الجنون تكرار نفس الأمر وتوقع نتائج مختلفة!
وماذا تتوقع من نظام عسكري، يفاخر بأنه امتداد لحكم عسكري فاشي، وبعداوته لثورة يناير، ويعين رجلا بذيئا سليط اللسان رئيسا للجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، ويقر رئيسه أنه لا ديمقراطية في مصر قبل 25 عاما!
***
يذكرني كل ذلك بمسرحية “جوليو ورمييت” – على غرار “روميو وجولييت” – التي قدمها سمير غانم وجورج سيدهم وأسامة عباس في 1973.
كان حسن وعزيزة في المسرحية يحبان بعضهما البعض، ويريدان الزواج، رغم ما بين عائلتيهما من عداء، بالضبط كما جاء في رائعة شكسبير الأصلية “روميو وجولييت”!
اختار حسن وعزيزة التنكر، فأرشدتهما عبقريتهما الفذة إلى اختيار اسم “جوليو ورومييت”، بدلا من “روميو وجولييت”، معتقدان أنهما بذلك سينجحان في خداع الجميع!
وكم يشبه ذلك أداء النظام العسكري، المبتذل والمفضوح، في محاولة التجمل أمام العالم الخارجي، وادعاء احترام حقوق الإنسان، والتذاكي لخداع الجميع!
فجوليو الذي مات في مصر أثبت لمن يتغافل عن المجازر التي تحدث في مصر، أن النظام العسكري في مصر صار كلب حراسة خرج عن السيطرة، وصار ينهش في الجميع بجنون، بضربات شديدة العنف، لأنه يدرك كم هو شديد الضعف!
***
رئيس وزراء إيطاليا اشتكى كلب الحراسة لسيده، فطلب من أوباما التدخل في قضية مقتل الطالب جوليو، فلم يك أمام السيسي في المقابل إلا التقرب أكثر من زعماء المنظمات اليهودية في أميركا لموازنة الأمر، وتقديم مزيد من فروض الولاء والطاعة!
فبعد أن استقبلهم في القاهرة، أخذ يكيل المديح لحبيبه نتنياهو، الذي يحادثه يوميا كما صرح من قبل، واصفا إياه بصاحب القوة الجبارة التي لا تمكنه فقط من قيادة إسرائيل وإنما تطوير المنطقة والعالم! وهو تصريح بغض النظر عما فيه من صهيونية وخسة، يشير إلى العمالة والتبعية التامة لإسرائيل، واستجدائها للبقاء في منصبه الذي وصل إليه على جثث المصريين!
لم يكتف السيسي بهذا فحسب، فصرح عزمي مجاهد المتحدث باسم اتحاد الكرة عن استعداده لممارسة الرياضة في تل أبيب، ممتدحا العلاقات الدبلوماسية التي تجمع البلدين! وهي رياضة أشبه بالرذيلة السياسية التي يمارسها كومبارسات العهر في مصر لخدمة أسيادهم في تل أبيب!
هذا الكائن أحد الأذرع السياساوية التي تحدث عنها السيسي في تسريب له من قبل، وهو نفس الكائن الذي اتهم نقيبة الأطباء منى مينا أنها إخوان، والدليل أن أحد الأطباء المحرضين للإضراب أجرى 3 عمليات لوجه الله!!
***
ختاما:
مع الانهيار الاقتصادي السريع، وانهيار شعبية السيسي في أعين من توهموا فيه خيرا، لم يبق أمام السيسي إلا كارت الصهاينة، الذين يكيلون له في المقابل المديح لخنق المقاومة الإسلامية مع بقية السكان في قطاع غزة، ويشيدون بأكبر تعاون أمني بين البلدين منذ قيام إسرائيل! مما دفع نتنياهو لمنع وزرائه من إدلاء تصريحات عن علاقة السيسي بالصهاينة، خوفا على رجلهم في مصر، من افتضاح العشق الحرام بينه وبين السيسي، ومن العشق ما قتل!