ها نحن في مدى الذكرى الثامنة والثمانين لتأسيس جماعة الاخوان المسلمين على يد حسن البنا،كان التاسيس في 22مارس1928م، وحتى الآن ما زال الاخوان المسلمون ينتشرون في دول عدة ويحققون نجاحات متنوعة،ولا ننكر بعض الاخفاق والفشل ولكن التجربة تعلّم والعبرة لمن اعتبر.
في هذا المقال،لا يعنيني كثيرا التجربة التاريخية بمراحلها المتعددة للاخوان بقدر ما يهمني فكرة التأسيس وشكل المنهج وتجربة حسن البنا في تجديد دين الناس..ولذلك فان هذا المقال يستدعي منك عزيزي القارئ بعض التجرد من أحكامك المسبقة على الجماعة.
لنتعرف على حسن البنا ونقيمه فاننا يجب أن نستقصي النظر للأوضاع التي نشأ فيها وأنشأ فيها جماعته (الاخوان المسلمين)،فالوضع السياسي كان سيئا اذ كانت معظم الدول الاسلامية تقبع تحت سطوة الاحتلال كما أنه تم تقسيمها وتشتيتها الى دويلات صغيرة وفقا لاتفاقية (سايكس-بيكو) وأيضا يتولى سُدة الحكم في كل دولة موالون للاحتلال او ضعفاء عاجزين عن مقاومته وكان نتاج هذا بكل سهولة اسقاط الخلافة العثمانية رسميا 1924م دون مواجهة أي امتعاض أو اعتراض من دول اسلامية من المفترض أن يهمها أمر هذه الخلافة،وفي الناحية الاقتصادية كان الاحتلال لا يدخر جهدا في سرقة مقدرات الشعوب الاسلامية وتسخير طاقاتها لخدمته،كما نال السوء من الاوضاع الاجتماعية والثقافية كثيرا فكانت المساجد للكبار (فوق الستين) فقط وكان السفور والخمور سمة التقدم ونقض عرى الاسلام هو السبيل الايسر لتصدر نخبة المثقفين والكُتّاب..كل هذا غير نكسة تنحية شريعة الله واستبدالها بقوانين غربية بل والنظر اليها على أنها رجعية وتخلف فات زمانه.
جاء حسن البنا في خضم هذه الاوضاع التي عايشها اثناء دراسته في دار العلوم بالقاهرة وأثناء عمله مُدرسا باحدى مدارس الاسماعيلية،وكان يؤلمه وضع المسلمين ويبكي حرقةً على ضياع مجدهم وفرقتهم وضياع أرضهم وثرواتهم،فكان يذهب للوجهاء والاعيان يستحثهم لبذل أي شئ والتحرك من أجل احياء أمة الاسلام من جديد وكانت حماسته الملتهبة يقابلها سكون العاجزين أو عزاء اليائسين..ولكن بطولته تكمن في عدم يأسه وركونه واستسلامه للاوضاع المزرية من حوله كما يأس من هم أكبر منه سنًأ وأعلى منه قدرا وعلما.
أنشأ جماعته ووضع لها حجر الأساس وهو ابن 22عاما،كان رائده في كل تحركاته كتاب الله وسنة نبيه وتجارب السلف الصالح،فاعتمد (التربية) منهاجا دائما للأفراد المنتمين للجماعة لأنه اذا صلحت عقيدتهم وايمانهم وأفكارهم فانهم بحول الله وقدرته قادرين على تغيير الدنيا من حولهم،والأصل في الاجتماع هو المساجد لأن المساجد بيوتنا_كمسلمين_ التي نتزود منها ونستعين بمجالسها على تغيير أوضاعنا وأحوالنا ولا نخرج من المساجد الا مضطرين أو مكرهين،وكانت الأخوة شعارا ومنهجا لكل من ينتمي للجماعة يحكمها الاجتماع على الاسلام وخدمته ونصرة قضاياه فكان (الاخوان المسلمين(،واعتمد (الشورى) مبدأ الزامي لادارة شؤون الجماعة.
كتب الأستاذ البنا رسائله ومقالاته يوضح تفاصيل منهج الاصلاح والتغيير الذي ارتضاه الاخوان المسلمون وأهدافهم التي يسعون لتحقيقها فكان على قمة هذه الرسائل (رسالة التعاليم) التي يوضح فيها شروط الصحبة والعلاقة بين الفرد في الاخوان وبين جماعته كما توضح مستهدفات الجماعة وطريقها لتحقيق هذا،وقد كانت رسالة علنية ويمكن للجميع الاطلاع عليها لانه ليس لدى الاخوان ما يخجلون من اظهاره.
رسالة التعاليم تقوم على عشرة اعمدة هي أركان بيعة الفرد للجماعة (الفهم والاخلاص والعمل والجهاد والأخوة والتجرد والثقة والتضحية والطاعة والثبات)،وقد بيّن الاستاذ البنا مقصده من كل ركن وكيفية تطبيقه،فمن ارتضى هذه الاركان فيمكنه أن ينتمي للجماعة ليخدم الاسلام من خلالها ومن رفضها فهو أخ لنا ويخدم الاسلام وحده او بجماعة أخرى وان لم تجمعنا الوسائل فكفى بالغايات تجمعنا.
في ركن الفهم هو محاولة اجتهادية من الاستاذ البنا لوضع بنود أساسية توضح بعض معالم الاسلام،ولم يدّعي أنها كل الاسلام ولكنها بمثابة مواقف من بعض القضايا حتى يكون كل أفراد الجماعة بينهم رابطة وحدة في تلك الاشياء كحد أدنى ثم ليختلفوا بعد ذلك كيفما شاءووا فان جمع الناس على رأي واحد في كل القضايا مستحيل ولكن الحد الأدنى من الاتفاق مطلوب حتى يسير الركب ويحقق أهدافه.
وركن العمل هو توضيح لمسار الأهداف المرحلية لجماعة الاخوان وهي 7مراتب..اصلاح الفرد المسلم ثم تكوين البيت المسلم ثم ارشاد المجتمع للاسلام ثم تحرير الوطن من كل نفوذ أجنبي ثم اصلاح الحكومة ثم الوحدة بين الدول الاسلامية(الخلافة) أيًا يكن شكلها،ثم ختاما أستاذية العالم وارشاده للاسلام..وهذه الخطوات ليست حدية متوالية ولكن تقبل التوازي في التنفيذ.
هذه لمحات عن المنهج الذي استمده حسن البنا من القرآن والسنة،فالبنا لم يأت بجديد ولكنه أعاد صياغة مستهدفات الاسلام وقضاياه بما يتوافق مع حاجيات العصر والمشاكل المحيطة به،وهذه مهمة المجددين في كل عصر من عصور الاسلام.
وتبقى فضيلة حسن البنا في أنه صاغ منهجا لاعادة تفعيل المُعطَّل من نصوص القرآن والسنة ومبادئ الاسلام،وكوّن لهذا المنهج جماعة تقوم به هي جماعة الاخوان المسلمين..فأي فرد في الاخوان هو شخص يسعى لتفعيل نصوص ومبادئ القرآن والسنة في مجتمعه تحت مظلة جماعة الاخوان المسلمين، ولا يعني هذا أن الفرد من الاخوان يمتاز عن غيره من المسلمين،ولكنه يرى من الواجب نصرة الدين وخدمته ويرتضى فكر الاخوان في أداء هذه المهمة.وغيره يعمل بمفرده أو في جماعة أخرى له لخدمة هذا الدين وبينهما الاخوة.
أعجبك منهج البنا أم لم يعجبك..فهو تجربة لها من النجاح نصيب وبها من المزايا الكثير التي تهم أي مهتم أو باحث لخدمة الاسلام،ومن الجحود انكار المنهج كليا بسبب اخفاق تطبيقي هنا أو هناك!