اقتحم عشرات المستوطنين اليهود، باحات الأقصى، اليوم الأحد؛ لإقامة صلوات تلمودية تلبية لدعوات منظمات يهودية للصعود إلى ما تسميه “جبل الهيكل”، وذلك بمناسبة ما يسمى بـ”عيد الفصح اليهودي”، فيما تصدى المصلون لتلك الانتهاكات بحق المسجد المبارك بالهتافات والتكبير.
وتأتي هذه الاقتحامات لتجدد الحديث عن الاستفزاز الصهيوني المستمر تجاه الأقصى، وإصراره على تنفيذ مخططه، وسط تجاهل عربي وإسلامي ودولي، وكان 115 مستوطنًا اقتحموا باحات الأقصى من باب المغاربة، على خمس دفعات، بمرافقة وحماية شرطة الاحتلال، وخلال الاقتحام حاول تسعة يهود أداء صلوات تلمودية في باحات الحرم، بينهم ثلاثة فتية.
وأكد مدير الأوقاف في المسجد الأقصى، عزام الأحمد، تلك الاقتحامات قائلًا: “إن هؤلاء المتطرفين اقتحموا باحات المسجد في ساعات الصباح بحماية قوات الاحتلال”، وقالت دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس: “إن حراس المسجد حاولوا منع أداء الصلوات التلمودية في الأقصى، فاعتدت عليهم قوات الاحتلال”، وتضيف دائرة الأوقاف أن شرطة الاحتلال اعتقلت اثنين من المصلين أثناء الاقتحام.
وتصدى المصلون للمقتحمين بالهتافات والتكبير بعد أن حاول عدد منهم أداء شعائر تلمودية داخل الأقصى، وهو ما خلق أجواء توتر بين حراس المسجد وقوات الاحتلال؛ إذ حاول الحراس التدخل لمنع صلوات يهودية داخل ساحات الأقصى، فقامت الشرطة الإسرائيلية بإخراج خمسة من المقتحمين.
وقالت سلطات الاحتلال إنها أبعدت خمسة ممن سمّتهم الزائرين اليهود الذين أخلّوا بالنظام عندما قاموا بأداء صلوات تلمودية.
وجاءت هذه الاقتحامات استجابة لدعوات أطلقتها منظمات يهودية متطرفة للصعود إلى ما تسميه جبل الهيكل، وهي التسمية العبرية للمسجد الأقصى، وتقديم القرابين فيه بمناسبة عيد الفصح اليهودي الذي بدأ يوم الجمعة ويستمر أسبوعًا.
وذكر مدير مكتب “الجزيرة” بالقدس، أن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى إقرار الجانبين الفلسطيني والأردني بأن لليهود الحق في دخول الأقصى في أوقات وأماكن محددة، وهو ما يسمى التقسيم الزماني والمكاني.
يشار إلى أن المسجد الأقصى يشهد اقتحامات شبه يومية من قبل مستوطنين يهود، وأسفرت هذه الاقتحامات، التي تتم تحت حراسة الشرطة الإسرائيلية، في اندلاع موجة مواجهات وهجمات منذ بداية أكتوبر 2015م، وما زالت مستمرة حتى اليوم، من جانبها حذرت حركة “حماس” على لسان عضو المكتب السياسي للحركة، عزّت الرّشق، “الاحتلال الصهيوني” من تواطئه مع المتطرّفين في تنفيذ مخططات اقتحام وتدنيس المسجد الأقصى المبارك، ومن مغبّة تداعيات الاستفزازات التي ستقوم بها جماعات المتطرّفين داخل المسجد.
وأكَّد الرّشق “أنَّ الشعب الفلسطيني لن يبقى صامتًا أمام هذه التهديدات المستمرة التي تستهدف الأقصى المبارك، والمخططات التي تسعى لتنفيذها “جماعات الهيكل”، بل سيتصدّى لها بكل الوسائل.
وقال الرشق إنَّ “المساس بجزء من الأقصى خط أحمر، وإن شعبنا لن يقبل التقسيم الزماني أو المكاني للمسجد الأقصى، وسيبقى إسلاميًّا خالصًا”.
ودعا القيادي في “حماس”، جماهير الشعب الفلسطيني إلى تكثيف الرّباط والاعتكاف وشدّ الرّحال إلى المسجد الأقصى المبارك، والتصدّي لكل الاقتحامات والتدنيس والاعتداء عليه، وإفشال مخططات التهويد والتقسيم.
كما دعا الرّشق وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والعالمية إلى تغطية الأحداث وكشف جرائم الاحتلال ضد المسجد الأقصى والمرابطين فيه، وفضح انتهاكات المتطرّفين ومخططاتهم لانتهاك حرمة المسجد الأقصى المبارك.
وأثار الاعتداء الصهيوني الأخير على المسجد الأقصى سؤالًا مهمًا يطرح على الساحة العربية والإسلامية ألا وهو لماذا لم يعد الشارع العربي يكترث هذه المرة بما يجري للأقصي المبارك، عكس أي اعتداء سابق؟ وهو السؤال الذي طرحته “رصد” على عدد من المحللين والخبراء في محاولة للإجابة عنه، ومعرفة الأسباب والدوافع وراء هذا التجاهل، وعدم الاهتمام علي غير العادة.
وأرجع الخبراء ضعف الاهتمام بالقضية الفلسطينية عامة، وفي القلب منه القدس والمسجد الأقصى، بالدرجة الأولى إلى الهموم الداخلية للبلاد العربية الإسلامية، ضاربين مثالًا بما يحدث من قتل وتشريد وحروب داخلية بسوريا واليمن وليبيا والعراق، وغياب القضايا الكبرى عن اهتمام دول مثل مصر والسعودية، نتيجة الانشغال في قضايا تهدد أمنها الداخلي والقومي، وطالبوا بضرورة تفعيل الدور الشعبي والرسمي للدفاع عن الأقصى، خاصة أن هذه المرة هناك نية لهدمه وإقامة هيكل سليمان المزعوم.
أوضح السفير إبراهيم يسري -في تصريحات خاصة لـ”رصد”- أن أهم أسباب هذا التجاهل الذي يعانيه المسجد الأقصى في ظل الانتهاكات الإسرائيلية، إلى الهموم الداخلية العربية، ضاربًا مثالًا بما يحدث باليمن وسوريا وليبيا وحتي مصر، ومن ثم لم تعد هناك الأجواء المهيأة لمثل هذه المواقف السابقة والمنتفضة ضد أي هجمة أو حتى مساس بالأقصى، وهذا ما كنا نراه في قلب القاهرة على سبيل المثال؛ حيث المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، ولم يكن هذا مقصورًا على القاهرة بل تقريبًا في كل العواصم العربية.
وتساءل السفير يسري عما إذا كان المواطن اليمني أو السوري لديه مساحة من الاهتمام بهذه القضية في ظل حروب وقتل وقصف يومي، كما توقع أن يطول هذا الأمر وعدم الاهتمام بما يحدث في الأقصى بشكل خاص وفلسطين بشكل عام، في ظل صراعات وهموم عربية سوف يستغرق حلها وقتًا كبيرًا، محذرًا في الوقت نفسه من أن تستغل “إسرائيل” هذا الأمر في هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم، في ظل هذا الانشغال العربي بالهم الداخلي، وعدم وجود رد فعل قوي ويليق بما يجري بالأقصى، مقارنة بما حدث في الانتفاضة الثانية عام 2000، أما هذه المرة فالأمر صعب، حتى لو كانت هناك انتفاضة ثالثة لأنها لا تتمتع بحاضنة عربية كما كان في عام 2000.
وحول مقدرة الفلسطينيين على وقف المخططات الصهيوينية تجاه الأقصي، قال “يسري”، إن هذا صعب لعدة أسباب؛ أولها الغياب العربي والإسلامي كما أشرنا، وثانيها الانقسام الفلسطيني بل التناحر أحيانًا، خاصة بين “فتح” و”حماس”، وعدم الاتفاق علي رؤية فلسطينية مشتركة لمواجهة ما يجري من جانب الفصائل الفلسطينية المختلفة، مشيرًا إلى أن هذه هي أهم نقطة، بمعنى أنه لو حدث توحد فلسطيني حقيقي، ربما يستتبعه موقف عربي وإسلامي بل دولي يعزز الموقف الفلسطيني في مواجهة الممارسات الصهيوينة تجاه الأقصي.
وانتقد الكاتب الفلسطيني عبدالقادر ياسين -في تصريحات خاصة لـ”رصد”- موقف العالم العربي والإسلامي تجاه ما يجري بالمسجد الأقصى، ومحاولات تهويد القدس، واصفًا ذلك بالتقصير الفاضح، مشددًا على ضرورة الوقوف في وجه الهجمة الإسرائيلية على الأقصى والقدس في مخطط لتهويد كل فلسطين وإجبار أهلها على تركها، لتصبح بلد بلا شعب ويتم الاستيلاء على باقي أراضيها.
وأشاد “ياسين” بموقف المرابطين من الفلسطينيين المدافعين عن المسجد الأقصى، لافتًا إلى أن من يقوم بالدفاع عنه هم نساء وفتيات وأطفال وشيوخ فلسطين، في ظل منع شبابها من الوصول إلى الأقصى المبارك، مستغربًا من الموقف الشعبي والأحزاب والمجتمع المدني في الدفاع عن الأقصى وعدم التحرك بما يتواكب مع حجم الخطر والحدث.
ومن جانبه، رفض رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر الشيخ رائد صلاح، في تصريحات صحفية، تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واتهامه بـ”التحريض على العنف” في ساحات المسجد الأقصى بمدينة القدس المحتلة.
وأشار إلى أن لغة التهديد والتحريض لن توقفه عن مواصلة “فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى المباركين وما حولهما”، ودعا المسلمين إلى الرباط في المسجد الأقصى للتصدي لمحاولات اقتحامه من قبل المستوطنين، بمناسبة عيد الفصح اليهودي الذي يوافق نهاية إبريل.