باتت نكتةً سخيفة، هذه المحاولة التي تتجدّد كل عام، لترويج أن الثلاثين من يونيو/ حزيران شيء، والثالث من يوليو/ تموز، شيء آخر في مصر.
هذا الفصل التعسفي بين المحطتين كان السمة الغالبة على مدار العامين الماضيين، غير أنه، في الذكرى الثالثة، تشير العديد من الوقائع والتوقيعات والاعترافات إلى سقوط هذا الوهم التاريخي الكبير. ومن هنا، يبدو مضحكاً استمرار تمسّك أصوات من المعسكر المناهض لسلطة عبد الفتاح السيسي بصناعة فواصل بين التاريخين.
حسم عبد الفتاح السيسي، بنفسه، هذه المسألة في حوار تلفزيوني، قبل أسابيع، حين اعترف بأن ما جرى في الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 تم التخطيط له قبل هذا التاريخ بفترة طويلة، وأن الجيش استدعى نفسه، ولم يستدعه أحد.
أنت هنا أمام اعتراف من زعيم هذا التشكيل الذي انقلب على السلطة المنتخبة بأن لحظة الثلاثين من يونيو/ حزيران هي صناعة عسكرية بوليسية، وسواء أطلقت عليها “ثورة مضادة” أو “انقلاباً” فالنتيجة واحدة في الحالتين: الحدث واحد، وإنْ تطور وامتد.
وعلى ذلك، يكون الإصرار على أنهما حدثان منفصلان بمثابة هدية ثمينة، يلقي بها نفر من مناهضي الانقلاب البواسل إلى عبد الفتاح السيسي، لو كنت مكانه لهتفت “شكراً لحسن تعاونكم”، ذلك أن تصوير الأمر على أن أحداث الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 هي التي أسقطت حكم الرئيس محمد مرسي، يعني، ببساطة، تبرئة عبد الفتاح السيسي من فعل الانقلاب، الذي تم الإعلان عنه رسمياً في الثالث من يوليو/ تموز من العام نفسه، لأنه يستطيع أن يقول، ببساطةٍ، إنه اضطر، حباً في مصر وحرصاً عليها، أن يملأ الفراغ الحاصل في السلطة، بعد أن أسقطت “ثورة الشعب” المضادة الرئيس المدني المنتخب.
يدهشك أنه، في اللحظة التي يعلن فيها المستفيقون من أكذوبة 6/30، أنه كان يوماً أسود في حياتهم، بعضهم تمنى لو أن الموت أدركه قبل أن يشارك في هذه الجريمة، يأتي بعض” آلاتية” مقاومة الانقلاب، ويطالبونك بالكف عن إهانة الثلاثين من يونيو، ويبتزّونك بالقول كفى مرثيات ولطميات، وجلداً للذات، ويدعونك إلى طي هذه الصفحة، والانتقال فوراً للجلوس في صالون المستقبل الوثير، وتناول بعض مقرمشات الاصطفاف، وكأنها كانت هفوة بسيطة ومرت!.
يبقى التعامل مع الكارثة بهذه البساطة والرشاقة والخفّة والسرعة أقرب إلى الغفلة أو التناقض مع الذات، ذلك أن التوقف عند خطيئة الثلاثين من يونيو أهم وأنفع بكثير من الانشغال بما جرى في الثالث من يوليو، فالأول كان بمثابة وضع اليد، وممارسة التملك الفعلي للحكم، واختطاف البلد والإجهاز على ثورته، فيما كان التاريخ الثاني “7/3” بمثابة حفل الإعلان والإشهار، أو يمكنك أن تقول إن الأول كان يوم ميلاد السلطة السّفاح، فيما كان الثالث من يوليو يوم قيدها في السجلات الرسمية.
ويخطئ من يدّعي أن في الاستغراق في دقائق الثلاثين من يونيو/ حزيران وخفاياه نوعاً من التزيّد أو التشدد، أو التشفي فيمن استثمروا في ذلك اليوم البائس، ولم يحصدوا إلا الخراب والبوار، فالموضوع لم يكن خطأ صغيراً، عفوياً، ومضى إلى حال سبيله. ويمكنكم الرجوع إلى اعترافات لواءات المخابرات والشرطة والجيش وعساكر الدرك الأسفل من الإعلام المصري، وهم يتفاخرون بحكايات التحضير لحرب 6/30 لتروا كيف دبرت الجريمة.
ثمّة ما يشبه الإجماع على أن كارثية لحظة يونيو/ حزيران 2013 أشدّ وأقسى من لحظة يونيو/ حزيران 1967، ذلك أن الثانية، على الرغم من الهزيمة العسكرية المذلة، لم تقدّم للكيان الصهيوني، ربع ما حصلت عليه، بعد نكبة صيف 2013 في مصر، ويكفي أنه، عقب النكسة، قبل نحو نصف قرن، لم تقهر إرادة المصريين والعرب في النهوض واستئناف المقاومة، والتهيؤ للحرب، فيما بعد ثلاث سنوات من نكبة السيسي، وصلنا إلى مرحلةٍ يعلن فيها معلقٌ صهيوني (آري شافيت) أن زعيم الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، “يعشق” رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، “بكل ما للكلمة من معنى”، وهو المعلق نفسه الذي كتب بعد الانقلاب مباشرة “كلنا مع السيسي، كلنا مع الانقلاب العسكري، كلنا مع الجنرالات حليقي اللحى الذين تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة، ونحن نؤيد حقهم في إنهاء حكم زعيم منتخب وملتح”.
نكسة 1967 لم تحوّل مصر إلى عالة على المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي، ولم تخرجها من المعادلات الإقليمية والدولية، ولم تقسم المصريين إلى بشر أسوياء ووحوش مسعورة لا تشبع من القبح والرداءة.
بعد نكسة 1967، وصلت إسرائيل إلى السويس والجولان، وبعد نكبة 2013 صارت إسرائيل في الدقهلية والمنوفية والقاهرة الجديدة، وقصر الاتحادية.