تصدرت محاولة الانقلاب التركي الفاشلة أخبار العالم في جميع الصحف والمحطات الإخبارية العالمية منها والعربية – مع التباين الواضح والبين بين كليهما- هذا وان جاز لنا أن نطلق وصف الاعلام على معظم الفضائيات العربية، أو حتى أشباه الاعلام ذلك أنه لا يقترب منه ولو من بعيد، بينما هو قريب جدا بل ” لصيق” بكثير غيره؛ والكثير هذا هو معلوم لدى الجميع، إضافة إلى أنه ” في الغالب” بوق نفاق لا صدق فيه، إن أحب غوى وان كره فجر، فلا خير في وده ولا صدق في بغضه، ناسيا و متناسيا على الدوام مهنته الرئيسية والأساسية إلا وهو الإعلام المحايد والخبر الصادق.
ظهر الرئيس السوري “بشار الأسد” مؤخرا في لقاء له على هواء الميكروفون الكوبي، فأجاب على سؤال طرح عليه أثناء المقابلة عن الانقلاب التركي وتداعياته على تركيا، فأجاب برزانته المعهودة ” لا أعلم ما علاقة القضاة والمعلمين في تركيا بالانقلاب، حتى يقدم “أردوغان” على اعتقالهم!”، هي اجابة حلوة المذاق، ومفهومة المعنى إن كان قائلها هو رئيس آخر من رؤساء إحدى دول الحريات؛ كالرئيس الدنماركي أو السويدي مثلا! بيد أنها صدرت من فم الرئيس السوري ” بشار الأسد” شخصيا، حتى انقلبت في أفضل أحوالها الى ” كلمة حق يراد بها باطل”، وهي عبارة قد تحمل على محمل الجد إن كان مصدرها المفوضية الأوروبية لحقوق الانسان والتي يستساغ معها قبول هذه العبارة ومناقشتها؛ ولم يكن مصدرها سوريا التي نحدد عنها فلا حرج!! فهل أنت أيها الرئيس السوري “حقا” لا تعلم ما هي العلاقة بينهما!! أم عساك تظن أنه كان يخفى على أحد في هذا العالم ما كان عليه الوضع الأمني في سوريا؟ التي فاق عدد مؤسساتها الأمنية ودوائرها الشرطية عدد مدارسها وجامعاتها بكثير الكثير؟؟ والتي لم تكن لتترك لا شاردة ولا واردة في البلاد الا وترقبها وتحاسبها محاسبة “الملكين”؛ حتى أنه قيل بأنه لم يكن ليمر حديثا “للصم والبكم” إلا وكانت عليه حسيبا ورقيبا! ولأن الشيء الشيء يذكر؛ فقد استحضرني سؤالا هو شبيه الى حد كبير بسؤال الرئيس السوري ” بشار الأسد”، ما هي حاجة “البغال” للتصريح الأمني من أجهزة المخابرات؟ ألم تكن أجهزة المخابرات السورية تمنع البغال من المرور بلا تصريح أمني؟ فهل زلت أيها الرئيس تجهل العلاقة بينهما؟
يقول المثل : ” القرعاء تتباهى بشعر بنت خالتها”، لكن الحقيقة أن القرعاء قلما تتباهى بشعر بنت خالتها، بل انها تبغضه ولا تنفك تعيبه وتطعن به على كل منبر وكل ساعة، خاصة وأن كان الفارق بينهما كبير جدا، كأن تكون القرعاء مصرية وبنت خالتها تركية، ولهذا عمد الإعلام المصري في غالبيته على أن يطلق لسانه الإعلامي حرا سليطا لقدح الرئيس التركي وسياسته، لا سيما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرض لها، وكأن حال مصر وشعبها أحسن حال وليس حدث ولا حرج! ومما هو مثير للاشمئزاز بل والاشمئزاز الشديد أيضا، هو ما تداولته بعض الفضائيات المصرية من اعادة عرض فيديو قديم ل “توفيق عكاشة” – هذا الشخص الذي أكل الدهر عليه وشرب- وهو يتنبأ بوقوع انقلاب عسكري في تركيا خلال عام على الأكثر، وأعزى ذلك للسياسة الفاشلة التي ينتهجها ” أردوغان” في الداخل والخارج وبغض فئات كبيرة من الشعب التركي له ولنهجه، ولأنه لا ينطق عن الهوى! ولأن الحكمة لا تأخذ الا منه! فقد حدث الانقلاب فعلا! ليظهر بذلك الإعلام المصري وكأنه المتنبئ الأول بالأحداث التركية الراهنة، والرائد في كشف المستور عن دراية وخبره، رغم أن عكاشة في أفضل أحواله لا يتعدى أن يكون جاهلا، وكل ما يصرح به ما هو إلا ترهات لا وزن لها ولا قيمة، كتصريحه الذي لقي عليه انتقادا عارما من جميع الاوساط العربية سابقا، وهو أن مدينة القدس ليست مدينة اسلامية ولا فلسطينية، وأن اليهود يملكون فيها تاريخيا ودينيا أكثر مما يملكه المسلمون والفلسطينيون، ولأن السكوت خيرا من إجابة السفيه؛ فضلنا السكوت عنه وعن ترهاته، لنوجه أنظارنا نحو تلك الشقراء في محطات إعلامية مصرية أخرى، والتي كنا نحسبها أكبر قدرا منه وأكثر موضوعية واتزانا، لتفجعنا هي الأخرى بما هو أسخف وأدهى من سابقها، فقد تعمدت الإعلامية المصرية ” لميس الحديدي” السخرية من الرئيس التركي “أردوغان” ومن رسالته التي وجهها لشعبه طالبا منهم الخروج في الشوارع لرد الانقلاب ومواجهته عبر ” الفيس تايم”، فنعتته بالمنكسر الذي طالما كان متبجحا أمام شاشات التلفاز مستعرضا نفسه ومختالا بها، ها هو اليوم لا يجد سوى الهاتف الجوال ليخاطب به شعبه! فيصدق بذلك من قال :” إن جاءتك مذمتي من ناقص. فهي الشهادة لي بأني كامل”، فهل يعقل أن يسخر الإعلام المصري وينتقد سياسة أردوغان في بلاده، وهو الذي انتشل تركيا في عقد واحد من الزمن مما كانت عليه من تردي الأحوال الاقتصادية ويجعل منها دولة قوية تكاد تزاحم الدول الكبري! والذي جعل من بلاده دولة صاحبة ثقل سياسي واقتصادي في المنطقة والعالم! فأصبحت بلاده بفضل من الله ومنه صاحبة قرار وليست تابعه، بينما ساق السيسي مصر وشعبها الى غياهب جب لا يعلم نهايته إلا الله! حيث لا يخفى على ناظر تردي الأوضاع الاقتصادية المصرية؛ ولا تدهور الوضع الداخلي فيها وتسلط رجال الأمن على شعبها؛ وغياب الكلمة والقانون والحريات! كل هذا وأكثر يغض الإعلام المصري الطرف عنه ويوجه أنظاره شطر تركيا ساخرا منها! ومروجا لفكرة أن النظام المصري هو أكثر ديمقراطية وعقلانية مع شعب من نظيره التركي! وأن النظام هناك يقبع فوق صدر شعبه رغما عنه، بينما يلتف الشعب المصري حول قيادته الحكيمة الرشيدة! وكأن شعوب العالم عن غيهم يعمهون! ولأكاذيبهم مصدقون! أو كأن الأيام تمضي والناس تنسى كيف وصل السيسي على سدة الحكم؟ لكنه اعلام فقد مصداقيته بكل مقاييس الاعلام، وغدا بوق نفاق.