لقد تناقلت وسائلُ الإعلام العربية والعالمية نبأ فك ارتباط جبهة النّصرة السورية عن تنظيم القاعدة العالمي، فمن مشكّك ومن مصدّق، ومن متفائل ومن متشائم…
لكن لابدّ من وضع هذه القضية ضمن سياقها العقلي والتاريخي بعيداً عن التشكيك أو التصديق أو التفاؤل أو التشاؤم…
ومن هنا لا بدّ لنا أن نجيب عن الأسئلة الآتية:
لماذا الآن فك الارتباط !؟
ما المعنى الحقيقي لفك الارتباط !؟
هل جبهة النصرة قادرة على تحقيق فك الارتباط على الصعيد الواقعي !؟
ولنجب الآن على هذه الأسئلة:
السؤال الأوّل: لماذا الآن فك الارتباط !؟
من يراقب الواقع السوري سيجد أنّ المفكرين السوريين والفصائل السورية المختلفة، وكثيراً من المفكرين والمحللين العرب…قد طلبوا على مدار السنوات الثلاث الماضية من جبهة النصرة فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، لكنّ الرفض والإصرار كان هو الردّ الطبيعي؛ بل كان كبارُ قادتها يعتبرون أنّ تنظيم القاعدة هو الرحمة لبلاد الشام..!!
والآن يأتي هذا القرار، فلماذا الآن !؟
السبب لعلّه ينحصر في ما يلي:
1 ـ تراجع العمل العسكري على الأرض السورية، فالنظام بالتعاون مع حلفائه في تقدّم مستمر، حتى أنّ حلب قد حوصرت…ومع هذا التراجع الخطير أصبح الشارع السوري ينظر بغضب إلى جبهة النصرة، فبسبب ارتباطها مع تنظيم القاعدة تستحيل الوحدة مع الفصائل السورية الأخرى.
2 ـ شعور جبهة النصرة بعد تجربتها لسنوات أنّها لا تستطيع مقاومة النظام لوحدها، ولا تستطيع أن تفرض مشروعها القاعدي على المناطق المحررة، كما فعل تنظيم الدولة من قبل، وذلك بسبب وجود فصائل قويّة ترفض هذا المشروع…
2 ـ شعور جبهة النصرة بالخطر القادم، فالروس والأمريكان يحضّرون لضربات عسكرية تستهدف جبهة النصرة، وهذا سيضعفها عسكرياً، وسيزيد من نقمة الحاضنة الشعبية عليها، خصوصاً وأنّ العام الماضي لم يضرب الطيران الروسي أو السوري مواقع جبهة النصرة إلا ما ندر؛ بل كان يضرب الفصائل المعتدلة بعنف بحجة تنظيم الدولة وجبهة النصرة.
وبغضّ النظر عن هذه الأسباب، لكن النتيجة كانت الإعلان عن فك الارتباط، وهذه خطوة على الطريق الصحيح، ولو أنّها أتت متأخرة كثيراً…
السؤال الثاني: ما المعنى الحقيقي لفك الارتباط !؟
إنّ الإعلان عن فك الارتباط بتنظيم القاعدة، وتغيير الاسم، لا يعنيان على الاطلاق فك الارتباط عن تنظيم القاعدة؛ لأنّ تنظيم القاعدة هو منهج فكري وعقدي، ففك الارتباط بكل بساطة يجب أن يعني أن تنفكّ جبهة النصرة عن منهج القاعدة، ولا يهم السوريين النظرة الخارجية لفك الارتباط من حيث القبول أو الرفض؛ بل يهمهم أن تصبح جبهة النصرة فصيلاً سورياً بامتياز، أما عن الدول الخارجية فهي تقصف السوريين بالليل والنهار، وبمبررات واهية، أو حتى من دون مبررات.
ولعلّ من أهم النقاط المنهجية التي ينتظرها السوريون من جبهة النصرة:
1 ـ التخلّي عن الغلو والتكفير: وبالتالي أن يكونوا صريحين أمام الناس قولاً وفعلاً، بأنّ الأشاعرة والصوفيين ليسوا كفاراً أو فاسقين أو مبتدعين..، ومعلوم أن السوريين أشاعرة، ويغلب على أكثرهم النزعة الصوفيّة…
2 ـ حقن دماء السوريين: فلا يجوز اعتقال وتعذيب وتصفية السوريين وفصائلهم، باسم الردة والخيانة والفساد؛ أي يتخلّوا عن دور الشرطي…
3 ـ حفظ مال السوريين: فلا يجوز الاعتداء على أموال السوريين، بشبهات الردة والخيانة…ولا يجوز فرض الرسوم والضرائب والعقوبات المالية…
4 ـ التخلّي عن النظرة الاستعلائية: فلا يجوز أن يضعوا أنفسهم بمنزلة قدسية عالية، فهم الأصل، والناس لا تصلح أن تكون فروعاً…
5 ـ أن لا يُلزموا السوريين بفقههم القاعدي، هذا الفقه الذي يتميّز بالإقصائية الشديدة، والذي لا يحترم المخالف في الاجتهاد…
6 ـ أن يحترموا عادات وتقاليد السوريين التي لا تشكوا من نقص أو مخالفة واضحة…
إذن فالقضية ليست إعلاناً عن فك الارتباط أو تغييراً للأسماء بل هي تغيير في المنهج، والتغيير في المنهج هو الذي سيحفظهم، ويجعلهم مقبولين عند السوريين، أما العالم الخارجي فلم ولن يرضى عن الثورة السورية وفصائلها، وذلك لتحقيق أهداف تخدم طموحاتهم الاستعمارية…
والعقل والواقع يقولان: من الضروري أن تستجيب الآن جبهة النصرة لهذه النقاط، ولا تنتظر سنوات أخرى، ثم تستجيب لها، كما فعلت الآن بقبولها المتأخر فك الارتباط، فالعاقل لا يقع في الخطأ مرتين…!!
السؤال الثالث: هل جبهة النصرة قادرة على تحقيق فك الارتباط على الصعيد الواقعي !؟
الحقيقة هناك صعوبة في ذلك؛ وذلك لوجود تيار داخل الجبهة تأصلت فيه أفكار القاعدة، ولأنّ أبناء الحركة تربوا على منهج القاعدة، فتغيير المنهج أمر فيه من الصعوبة الشيء الكثير…
لكنّ الأمر ليس مستحيلاً إذا صدقت النوايا، وكان الأمر فيه إرادة صادقة لضرورة تغيير المنهج، وبالتالي ليس فك الارتباط عملية تكتيكية، يُقصد منها الخلاص من ضربات العدو الخارجي، وامتصاص نقمة الحاضنة الشعبية السورية.