مساء يوم السبت الماضي الموافق 6/8/2016 لم يكن كباقي الأيام في مسيرة الثورة السورية ، فقواعد الصراع العسكري تغيرت بين القوات المعارضة من جهة، وبين قوات النظام السوري وحلفائه من جهة أخرى.
حيث في هذا اليوم أعلن جيش جبهة فتح الشام “والمُسمى سابقًا بجبهة النصرة “، ولأول مرة عن إئتلاف مكوّن من سبعة فصائل عسكرية، على فك الحصار عن أحياء حلب الشرقية، وهي بذلك أصبحت خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، بعد معارك دامت سبعة أيام متوالية، حيث أسفرت هذه المعارك بسيطرة المعارضة على عشرين موقعا ما بين تلة وقرية وتجمع، فبحسب التقديرات المُصرحه من المعارضة السورية : “إن المساحة التي تمت السيطرة عليها تقدر بأربعين كيلومتراً مربعاً , أي ما يعادل مساحة إدلب أو أكثر من نصف مساحة مدينة حلب”.
من ناحية أُخرى، أتى مشهد فك الحصار عن حلب كحالة صدمة وذهول أُصيب فيها جميع أطراف الإعلام (المرئي والمسموع والمقروء)، فلقد بعثر فك الحصار بحلب جميع ما تم استنتاجه وقراءته للسيناريوهات المستقبلية في المكتبة العربية – والعالمية من كتب وأبحاث علمية، وجميع ما تنبأ به الخبراء والباحثون والسياسيون، بل وصل ذلك إلى كشف ضعف الحِجة الإعلامية العربية في وصف المشهد السوري وتعتيمه على الشارع العربي وتحديداً معركة حلب، سواء بقصد أو بغير قصد.
تعددت أسباب كثيرة نفسياً وعسكرياً، في وصف آلية ما توصل إليه جيش فتح الشام والفصائل الأُخرى المعارضة للنظام السوري، في فك الحصار عن أحياء حلب الشرقية، أعتقد أنّ عامل المُفاجأة كان له الأثر الأبرز في حسم المعركة، وكسر الحصار على حلب الشرقية، فقد حشدت المعارضة بجميع فصائلها، وجميع قواها، وأكثر من سبعة آلاف من عناصرها في هذا الهجوم، من بعد حصار نفسي، فرضته عليها القوات العسكرية السورية – والجوية الروسية، فعلى ذلك هي أصبحت، مابين قوسين: ( إما أن تنحصر وتموت جوعاً، أو تموت من الطرف المُحاصِر لها – أو تقاتل حتى الموت )، فبعامل المفاجأة والمداهمة الذي اتبعته المعارضة، حسمت هذه المعركة لصالحها، مما أدى إلى انسحاب أو هروب في صفوف الجيش العربي السوري.
أُضيف إلى ذلك، وجود عتاد عسكري جيد بيد المعارضة كصواريخ “تاو ” المضادة للدبابات والتي اُستخدمت في إسقاط المروحية الروسية، إضافة إلى استخدام تفجير العديد من السيارات المفخخة لتدمير دفاعات الجيش السوري وقواعده العسكرية عبر عمليات استشهادية، أيضاً اليوم نشهد تدفق كميات كبيرة من الأسلحة الأمريكية وغير الأمريكية عبر تركيا أو غيرها لفصائل المعارضة السورية، إضافة إلى ضخ إعلامي كبير لصالح المعارضة، حيث شهدناه في الأونه الأخيرة، مما أدى إلى ارتباك في صفوف الجيش السوري
بالنسبه لسير خِطة المعركة، بداية ً، يوجد قاعدة عسكرية تقول، (لا يمكنك هزيمة خصم متفوق عليك جوياً، ولا يوجد لديك غطاء جوي يحميك). فبالنسبة لِما حصل من تكتيك إستراتيجي عسكري وما جرى على أرض واقع المعركة الأخيرة في حلب، هو عبارة عن ضربة استباقية من قوات المعارضة السورية – فلو رجعنا بالزمن واستذكرنا تاريخ المعارك الروسية، سنجد أن المعارضة حاولت بمنع تكرار سيناريو مدينة (غروزني) زمن الاتحاد السوفيتي، وسياسة التركيع التي اتبعت حينها ضد المدينة، فالسياسة العسكرية الروسية اليوم بدأت بتكرار السيناريو من خلال إغلاق مدينة حلب، ورمي المنشورات الداعية للاستسلام وفتح ممرات آمنة، ومن ثم استخدام القوة المتصاعدة وصولاً للهدف، لكن جيش المعارضة السورية سارع إلى فرض خطته وعكس التقديرات، وهي خطوه عسكريه ذكيه تحسب لصالح المعارضة.
أما بالنسبه إلى كيفية إستثمار المعارضه وما جرى معها في المستقبل سياسياً وعسكرياً، أعتقد أن ما قامت به المعارضه السورية اليوم في فك الحصار عن حلب هو خطوه قوية تأتي على عاتق المعارضه السورية، فهي اليوم وغداً ستحاول جاهده على حماية مكتسباتها من خلال إعلانها بأن الطريق الذي تم فتحه في حلب هو طريق إنساني ليس أكثر، حتى تكسب إلى جانبها القانون الدولي الذي يحمي المدنيين ويحرج الرأي العام الدولي – في حال تم قصف هذا الطريق .
أما عسكرياً فأعتقد بأن وجهة المعارضة القادمة ستكون بإتجاه الأكاديمية العسكرية التابعة للنظام وستكون هدفا أكيدا قادماً لها ، فهي أحد أقوى وآخر ما تبقى من قلاع النظام السوري بمدينة حلب ، فالأكاديمية العسكرية الآن هي في حكم المحاصرة ، فالمعارضه اقتربوا منها أكثر في الفترة الأخيرة بالسيطرة على ما هو قريب منها وتحديدا قربها من منطقه الحمدانيه , كما أتوقع بأن يلجأ جيش المعارضه سيقوم بإشعال جبهات عدة ضد قوات النظام السوري، تحديداً في الريف الجنوبي لحلب إلى أحيائها الغربية ، وصولا إلى طريق (الكاستيلو) الذي قطعه النظام، حيث كان يشكل الشريان الوحيد الذي يربط مناطق المعارضة بحلب مع العالم الخارجي.
بالنسبه لردات الفعل الدولية وتحديداً الدول المحورية الضالعة في الأزمة السورية، سأقوم بتقسيمها بدءاً من (إيران)؛ حيث يوجد أكثر من معادله ترتكز عليها إيران في بث سياساتها القادمة، مبدأيا إيران تحاول قدر المُستطاع أن تبث صوره إيجابيه لها في المجتمع الدولي، لفرض حُسن نيتها، تحديداً من بعد الإتفاق النووي الإيراني، والتي تحاول من خلاله تحسين سمعتها الدوليه ” حيث يسمى هذا الإنجاز – إنجازا تاريخياً لها ” ومن خلال ذلك، تحاول أن تضفي للمجتمع الدولي، بأنها لاعب وشرطي بارز في تنظيم أزمات الشرق الأوسط، من خلال قراراتها المحايدة، ومن خلال محاولة دحر الإرهاب عنها، وعن دول الجوار وهي تُسميها ضروره جيوسياسية ملحة، تحيط بالأمن القومي الإيراني.
لكن في المقابل يوجد سياسات وشواهد فاضحه للنظام الإيراني، نرى ذلك عبر صور نقل جثامين الجيش الإيراني – الباسيج، وتدخله بشؤون داخليه – بسيادة دول الجوار بعيده عن مكافحه الإرهاب، لكن المعادلة العسكرية الصعبة لإيران هي في خوضها معركتين في (العراق: الموصل – الفلوجة، وسوريا ) وكيفيه الموائمة بينهما، في ظل تصاعد وتوتر الجبهات في كلاً من العراق وسوريا، وعلى هذا يبرز إن صح القول دور أصدقاء إيران في تسهيل مساعدتها بحل هذه المعادله عن طريق الحشد الشعبي العراقي، أو حزب الله اللبناني في سوريا، فحينما نرجع لمعادله حلب الأخيرة وردة الفعل الإيرانية، سنجد ذلك في أخر تصريح من وكاله “فارس” : بأن قرابة 2000 مقاتل من تنظيم “حركة النجباء” العراقية قد وصلوا إلى مدينة حلب السورية ، كما وصلت مجموعة من قوات النخبة التابعة حزب الله اللبناني والمسماة بـ “قوات الرضوان” إلى منطقة “الحمدانية”، غرب المدينة لدعم قوات النظام السوري ..
أما بالنسبه للموقف (الخليجي – السعودي)، فهو واضح وصريح منذ البداية في دعمه المُطلق لكافه فصائل المعارضة، سواء (علني أو سري) على كافة الأصعدة (إعلامي – عسكري – سياسي)، فبهذا الموقف وهذا الدعم أيضاً، نستطيع القول، لولاه لما وجدنا المعارضة السورية بكافة فصائلها اليوم، بهذه القوى وهذه النتيجة، وخير دليل قريب على ذلك إسقاط الطائرة الروسية في إدلب، فلولا وجود عده عسكريه نوعيه كصواريخ حرارية مضادة للطائِرات، لما توصلت المعارضة إلا إسقاط طائرة روسية ومقتل 5 من ملاحيها، حتى أصبح بذلك المشهد ورقة ضغط على الجانب الروسي، (أي ورقة تفاوض بين فصائل المعارضه وروسيا على تسليم جثث هؤلاء القتلى الطيارين )، حيث أعتقد بأن وصول هذه الأسلحة العسكرية أتى على شكل معادله ” أمريكا سلمت – الخليج _ السعودية موَلت – وتركيا والأردن نفذت، ودربت، وأوصلت ذلك عبر معابرها للمعارضة السورية ) ..
أُضيف إلى ذلك وجود خلط مُترابط بالأوراق في التنافسات الإقليمية , كالربط بين (المشهد اليمني – والسوري) , حيث ان الربط والتشابه بين الروس – والسعوديه – الخليج، يأتي بتدخل جوي في كلاً من اليمن وسورية، فحينما نرى التدخل السعودي بالشأن السوري ودعمه للمعارضة، نرى في المقابل ولو كان حديثاً تدخل روسياً بالشأن اليمني، فهذا عنصراً جديداً ومهماً طرأ على المسرحين السياسي والعسكري للازمة اليمنية من قبل الروس بل تجاوز ذلك إلى مرحلة (الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن بشأن القرارات حول اليمن)، فشيء طبيعي جدا أن تدعم وتؤازر الخليج – السعودية: إعلامياً، وعسكريا، وسياسياً المشهد السوري، وتحديداً ما جرى من فك الحصار عن حلب بل تعتبره إنجاز في معادلتها الإقليميه..
أما بالنسبة (لتركيا) أعتقد أن مسار تركيا واضح منذ البدايه، أي منذ بدايه الانقلاب الفاشل، فاليوم المشهد التركي أصبح واضحاً أمام نظر الجميع، فحينما نرى تصريح الرئيس أردوغان قائلاً (أن تركيا اليوم ستحاول جاهدة وضع خلافاتها حول ظهرها وتحاول التركيز على فتح صفحات جديدة، تنصب في مصلحة البلاد بالدرجه الأولى) فعلى هذا أعتقد أن تركيا اليوم ليست من أولوياتها الأزمه السورية، فهي بصدد ترتيب البيت الداخلي من عقب ما حل بها من محاوله انقلاب فاشل، فهي الآن تحاول أن تحكم السيطره بقبضتها الأمنيه على بيتها الداخلي، حتى أنها الآن وصلت إلى محاوله تغيير نهجها ومسيرتها في سياستها الخارجيه لأسباب متعدده …
فتطبيع العلاقات من جديد، بل وأفضل من السابق بين تركيا وروسيا كالتي شهدناها يوم الثلاثاء الماضي (9/8/2016) بين رجب طيب أردوغان و فلاديمير بوتين في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، إذ دلّ سيدل على تغيير شامل في نهج سياسة تركيا الخارجية، ولنقل بجمله أو بأخرى أن ما توصل إليه السياسه التركيه اليوم هو عباره نتاج “إهمال وتهميش” من المجتمع الغربي ( أمريكا، والإتحاد الأوروبي ) ..
فمن بعد تصريح مسؤول أمريكي رفيع المستوى برفض المطالبه التركيه وتسليم فتح الله كولن لعدم وجود أدله معللاً أن تركيا تلقي باللوم وتشك بالجميع والحصيله 16 ألف تركي على ذمه التحقيق إضافه إلى دعم الولايات المتحده الأمريكيه للأكراد ..
أيضاً سبب أخر وهو رفض الإتحاد الأوروبي لإنضمام تركيا لها، أدى إلى ما أدى عليه من تقارب، تركي – روسي ضاربه بعرض الحائط جميع التفاهمات الغربية، بل حتى في انعقاد الجلسه والمؤتمر بين بوتين وأردوغان، تطرقوا إلى أمور عده كان من بينها أو بأخرها طرح التسويه السورية، التي كانت بالسابق لتركيا هي على رأس أولويات سياستها الخارجية، فعلى ذلك نشهد فتور في العلاقات بين تركيا والمعارضة السورية …
علاوة على ذلك نجد في الطرف الأخر وأقصد “المعارضه السورية “حاله تذبذب وضبابيه من قبل المعارضه السورية بل توصلت إلى حاله إستياء من النظام التركي وتصريحاته وزياراته على الرغم من وجود المعارضه السورية في تركيا إلا أنها تأخرت في إظهار موقفها من الإنقلاب العسكري في تركيا، حيث بات من الواضح أن المعارضة السورية أصبحت معادلة صفرية في ضمن تبدُل التحالفات الدولية مع تركيا، حيث نستشرف ذلك تكتيكياً من خلال ردة الفعل الباردة للملكة العربية السعودية من تصريحات (بن علي يلدرم) رئيس وزراء تركيا : “بإيقاف الحرب في سوريا والعودة إلى علاقات جديدة مع دول الجوار”، حتى أننا لم نسمع بتصريح تركي فعّال وداعم للمعارضه السورية، بما قامت عليه في فك الحصار عن أحياء حلب الشرقية ..
أما بالنسبة (لـروسيا والولايات المتحدة الأمريكية) نعلم جميعاً أن روسيا معنية بالشأن السوري أكثر من الأمريكي لأسباب جيوسياسياً متعددة وغيرها , لكن التفاهمات الروسية الأمريكية السرية اليوم نرى بأنها تميل إلى اعطاء الضوء الأخضر لإعادة سيطرة الجيش السوري على مدينة حلب مجدداً ، والقضاء على المعارضة المسلحة فيها ، ويتضح هذا من خلال الموقف الأمريكي الصامت ، واكتفاء جون كيري وزير الخارجية الامريكية بمناشدة الجانبين السوري والروسي بضبط النفس ، وانشغال تركيا ، التي كانت تعتبر حلب خطا احمر ، بإزالة آثار الانقلاب العسكري الفاشل، وتماهيها مع سياسة الحليف الروسي الجديد في سورية .
فالإستراتيجية الأمريكية الروسية في إعطاء الأولوية للقضاء على الفصائل والتنظيمات الإسلامية المتشددة في الوقت الراهن على الأقل، بدأت تتضح بصورة أكثر وضوحاً في معارك حلب ، حيث نرى أنّ الجانبان الروسي – الأمريكي يقومان على تجميع هذه الفصائل والمنظمات في منطقة واحدة في مدينتي( حلب وإدلب) ، أي في (الشمال الغربي السوري) , وهي مصلحه مُشتركه في سير خططهم العسكرية، ومن ثم القضاء عليهما ، وهذا ما يحدث حاليا.