شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

ثورة مصر .. هل هى خروج على الحاكم؟ – رانيا مصطفى

ثورة مصر .. هل هى خروج على الحاكم؟ – رانيا مصطفى
بعد تحول مسمى مظاهرات يناير 2011 إلى ثورة ، لجأ الناس إلى علماء الدين ليفتوهم فيما يجرى ، فأفتوا بأن ما يحدث إنما هو خروج على الحاكم ، وأنها فتنة واجبة الاعتزال بالأدلة من القرآن والسنة ، فالحاكم له علينا السمع والطاعة ولو كا

بعد تحول مسمى مظاهرات يناير 2011 إلى ثورة ، لجأ الناس إلى علماء الدين ليفتوهم فيما يجرى ، فأفتوا بأن ما يحدث إنما هو خروج على الحاكم ، وأنها فتنة واجبة الاعتزال بالأدلة من القرآن والسنة ، فالحاكم له علينا السمع والطاعة ولو كان فاسقا ، ولو كان جائرا خشية سفك الدماء وزرع الفرقة والنزاع بين المسلمين .

لا أجادل فى الأحكام الشرعية ، وأؤمن أنه إذا قضى الله ورسوله أمرا ، فليس لمؤمن ولا لمؤمنة أن يكون لهم الخيرة فى أمرهم ، وأن من يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ؛ لست ممن يبحثون عن فتاوى ترضى هوى أنفسهم ، ولست أبحث عما يضفى شرعية على أمر باطل ؛ وفى النهاية أعلم أنى لست بعالم من علماء الدين ، ولم أقدم للدين كما تفضلتم فى التعليقات ما يشار إلى بالبنان من أجله ؛ ولكنى أحاول أن أرى وأبحث ، أجتهد قدر استطاعتى لأتعلم وأتفهم .

بحثت بداية .. من هم الخوارج ؟

يقول العلماء أن أول الخوارج كان ذو الخويصرة الذى اعترض على حكم النبى صلى الله عليه وسلم فى قسمة ذهب ، ويرجع تاريخ نشأتهم إلى خروج فرقة من جيش على بن أبى طالب على حكمه بعد قبوله التحكيم فى موقعة صفين ؛ حيث كاد جيش معاوية القادم من الشام أن ينهزم أمام جيش على القادم من العراق ؛ فأمر عمرو بن العاص أن ترفع المصاحف على أسنة الرماح وأن يتحاكموا إلى كتاب الله ؛ أوقف على القتال احتراما للقرآن ورغبة فى حقن الدماء ؛ واتفق الطرفان على أن يمثل أبو موسى الأشعرى جيش على وأن يمثل عمرو بن العاص جيش معاوية ؛ وهنا انفصل الخوارج عن الجيش وعينوا أميرا للقتال وأميرا للصلاة ؛ وتذرعوا بثلاثة أسباب ؛ أولها : أن عليا حكم رجال وما الحكم إلا لله ؛ وثانيها : أن عليا قاتل فلم يسب ولم يغنم ، فإن كان من يقاتلهم كفارا فكان عليه أن يغنم وإن لم يكونوا كذلك لم يحل له قتلهم ؛ وثالثها : أن عليا محا نفسه من أمير المؤمنين فإن لم يكن كذلك فهو أمير للكافرين وقد رد عليهم ابن عباس رضى الله عنه بما لا يدع مجالا لأى شك فى صحة موقف على ، ولم يكتف بذلك على بل ذهب إليهم بنفسه ، فعاد منهم القليل واستمر من بقى على الضلالة .

اتهم من خرجوا فى مظاهرات يناير بأنهم خوارج هذا الزمان ، ثم انحسر الاتهام الآن ليصبح الاخوان هم هذه الفئة ، وأتساءل ، هل اعتزل الثوار الناس وحاربوا الحكم منذ أيام عبد الناصر بالسلاح وكفروه؛ هل كفروا الشعب ؟! لم يحدث ذلك ، بل إنى لأتعجب من وصف بعض الشيوخ للإخوان_بعد رابعة_ بأنهم خوارج متشددون فى حين أنهم يصفونهم فى نفس الوقت بالتهاون فى الدين وتطبيق شرع الله ؟! ، ربما تجدون من أعضاء جماعتهم من له آراء متشددة فهو فصيل كبير به المتشدد والمتهاون والوسطى والجاهل والمتحمس والمقهور من حكام ظلموه ، ربما خرجت من تحت عباءة الجماعة فرق تكفيرية وأخرى متشددة ولكن هل يحاسبون على من خرج على منهجهم ؟ . ما أعنيه هنا ، هل وجدتم ذلك على مستوى قياداتهم ؟! كقيادات لم يكفروا الناس ولم يكفروا الحكام ولم يرفعوا السلاح ولم يعتزلوا بل عُزلوا ، حتى فى أحلك اللحظات وقف مرشدهم لينادى بالسلمية التى هى كانت سمت ثورة يناير  ، ولو كان الأمر غير ذلك ما اقتيدت رءوس جماعتهم وصفوفهم الأولى للسجون بهذه البساطة ، ولما حبس رئيس جمهورية منهم بهذه السهولة ، ولما قتل أبناء قياداتهم ومرت الأمر هكذا مرور الكرام ، ولمن يتذرع بالتفجيرات والارهاب أتمنى أن يلقى نظرة سريعة على التفجيرات فى العراق وتركيا على سبيل المثال ليعلم الفارق بين قنابل صوت محدودة الأضرار يقف أهل شارع كامل يتحلقون حول مفككها ليروا بديع صنعه فى ابطال مفعولها وبين قنابل تودى بحياة المئات فى لحظة واحدة . ولمن يتحجج بما ضبط من سلاح وذخائر فى رابعة أسأله ، فى رأيك ماذا كان ينتظر الناس هناك ليستخدموا هذا السلاح ؟ وهل من العقل أن تكون هذه الصناديق المعدودة هى عتاد جماعة عالمية بحجم جماعة الاخوان ؟ لو أن جماعة كتلك أرادت القتال لقامت حرب أهلية الله وحده يعلم ماذا كانت ستئول إليه أمور البلاد والعباد بعدها ، ليس ملهمكم هو من حماكم من حرب كتلك ، بل الله ، فلو أن هؤلاء رفعوا السلاح ما استطاع هو دحرهم ولكم فى بشار عبرة يا أولى الألباب ، قبلوا أن يقتلوا وقبلتم لهم ذلك ولم أكن أعلم فيكم هذه القسوة من قبل يا أهل مصر ؟ أنتم يا من كنتم تعرفون حق الجار والأخ والصديق ؛ ماذا حدث لكم ؟ ألم يكونوا هؤلاء جيرانكم وزملاؤكم وأصدقاؤكم وأهليكم ! أيصل بنا الخلاف إلى حد الموافقة والتفويض على إبادتهم ؟

لنفترض أن من انقلبوا على ملك مصر فى يوليو 52 هم سلسلة من الحكام المتغلبون ؛ لم يستدعهم للحكم أحد وفرضوا أنفسهم بقوة السلاح وقهروا الناس حتى أذعنوا لهم ؛فهل يفترض أن يقبل الناس أن يعيثوا فى البلاد فسادا دون رادع ؟!

يا علماءنا الكرام ، إن كان الناس أخطئوا بالخروج على الحاكم كما تفضلتم ، فقد كانوا يقومون بدوركم الذى لم تقوموا به ، هم وقفوا للظالم وقالوا له كفى ، هم رفعوا صوتهم غير آبهين بما قد يفعل بهم ، فأين أصواتكم التى رفعتموها  !!!

آستطعتم فعل ذلك فقط عندما أمنتم على أرواحكم فى عهد رئيس محسوب على التيار الاسلامى !  وإنى لأتعجب هنا من قلب الموازين ، فلا أحد يذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد ، فأراد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه ؛ وفى رواية فاضربوا رأسه بالسيف كائنا من كان ) ؛ أولم يكن أمرنا على رجل واحد بايعناه – وبلغة العلمانيين انتخبناه- بالرغم من كراهية فصيل من الشعب له -وذلك أمر طبيعى-  ؛ أكان فى استطاعة من خرجوا من العامة أن ينقلبوا عليه لولا معونة هذا الرجل ؟! من الخوارج الآن ؟ّ!

شعب خرج ليدافع عن رئيس بايعوه أو انتخبوه أم رجل خرج على رئيسه بقوة السلاح فاختطفه وأخفاه وروع الناس حتى قهرهم ؟! وحتى لا يساء فهمى ، فإنى لا أدعو لضرب رقاب أحد ، فأنا ممن يتمسكون بالسلمية كمبدأ شرعى له أصول .

ولنعود بالذاكرة إلى أيام الثورة الأولى ، ولنطلع على بيانات الجماعة حين كانت الدعوات للنزول ضد حكم مبارك ترج أرجاء مصر ، ظلت الجماعة تنعت ما يحدث بالانتفاضة ، وإن منهم من لا يزال يستخدم هذا الوصف إلى اليوم ، ولم يغيروا استخدام هذا اللفظ إلا حين تم تنحى مبارك عن الحكم ، وقبل ذلك ظلوا يناشدونه تارة ويحذرونه أخرى ، اى أنهم كانوا يسلكون الطريق الشرعى منذ البداية ، فلم يكونوا هم من ألبوا الناس ليقوموا بثورة بل إنهم دفعوا إليها دفعا ، وتم استفزاز الناس إلى الحد الذى لم يطيقوا معه صبرا .

ومع إيمانى ورضاى التام بحكم الله فى طاعة ولى الأمر ولو كان جائرا أو ظالما او فاسقا اتقاءا للفتنة ، إلا أنى بعد كل ما قرأت وجدت أن المقصود بالخروج هو القتال ، وهذا مالم يحدث ، فالدعوة للمظاهرات كانت سلمية ، حتى حين تحول الأمر من مظاهرات لثورة شعبية كانت أيضا فى اطار سلمى ، فأين الخروج على الحاكم ؟! أولا يدرج ذلك تحت بند قول حق فى وجه سلطان جائر ! هل يعقل أن الله العادل يقبل ألا نأمر بالمعروف وننه عن المنكر ، هذا الأمر الشرعى الذى كاد العلماء أن يضعوه ركنا سادسا للاسلام ؟!

وفى النهاية أقول كما قلت فى مقالات سابقة ، أعلم أن الثورة هى أمر دخيل علينا كمسلمين ، فهى ليست من ديننا ، أراد من بث فكرها فينا أن تخرج فى صورة حرب أهلية أو صورة سلمية والنتيجة فى الحالتين واحدة ، اعتبرت الثورة أمر قدره الله وكان أمر الله مفعولا من زاوية عدم السكوت على المنكر من ظلم وقهر وفساد واستبداد ، فقد رأى أهل السبت المنكر فمنهم من سكت وأفضلهم من نصح ؛ عاتب النبى موسى أخاه هارون وأخذ بلحيته حين لم يمنع الناس أن يعصوا الله وكان عذر أخيه الخوف من تفرقة الناس فاستغفر له موسى ، لم يخلقنا الله لنكون ضعفاء مقهورين ، بل أمرنا دائما أن نغير بأيدينا فإن لم نستطع فبلساننا فإن لم نستطع فبقلوبنا وهذا أضعف الايمان ، لا يستقيم عقلا أن يأمرنا بطاعة ولى أمر فاسق ، بل يأمرنا نعم بالإذعان له حتى لا نحدث فتنة ولكن لا أعلم أن الله يرضى بأن نسكت قولا عن من يقتل ويروع ويغتصب ويقول جهارا أمام شيوخ الدين لن أسمح أبدا بمشروع اسلامى فى المنطقة ! إن الحجاج بن يوسف الثقفى مضرب الأمثال فى الظلم والقسوة والسرعة فى سفك الدماء لم يعرف عنه إلا تعظيم القرآن وأهله وتجنب المحارم ولم يعرف عنه فسقا ولم يهادن أعداء الدين ويستقوى بهم.

هذا قولى .. قول امرأة كما ذكرتم ولم يُعَب على امرأة يوما أن تتحدث فى أمر الدين ، فأم المؤمنين عائشة خرجت فى الفتنة وإن لم تصب ، ولا أقول أنى أصبت ولا أنى أم للمؤمنين ، بل إنى حتى لا أنتمى لأى اتجاه أو فكر او فصيل  ، فقط أفكر معكم ، وليصحح لى من هو أعلم منى .



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023