شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«الجارديان»: أبعاد الاحتجاجات الإيرانية مختلفة.. والنظام لا يسير إلى الهاوية

قالت صحيفة «الجارديان» البريطانية إنّ النظام الإيراني لا يواجه صعوبات بالغة بسبب الاحتجاجات الدائرة هناك الآن؛ لأنّ لها أبعادًا مختلفة غير المعروفة وتتسبب في رسم المسارات السياسية، والاختلاف الحالي بين فصائل سياسية مختلفة يحاول كل منها تجييش الاحتجاجات لصالح مظالمه؛ لكنها أكّدت أنّ كل طرف من أطراف المشهد السياسي داخل إيران له أسبابه ومظالمه المشروعة.

وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ هناك أربعة أطراف رئيسة في الصراع الإيراني الدائر الآن: الشعب الإيراني، المحافظون، الإصلاحيون (نظام روحاني)، الكيانات الاقتصادية الكبرى المملوكة لشخصيات دينية وعسكرية قوية. وهدف روحاني إلى تطبيق خطة اقتصادية لكن بتدابير صارمة؛ من أجل السيطرة على الشركات التي يمتلكها الأقوياء ولا تدفع ضرائب ولا يوجد لها نظام مالي محاسبي سليم. وغيرها، أصابت هذه التدابير المواطنين الإيرانيين الأكثر فقرًا؛ ولم تنجح خطط تعويضهم ماليًا.

وعن تفاصيل بدء رئسم المشهد السياسي الحالي، قالت الصحيفة إنّ التظاهرات نظّمها في البداية معارضون للرئيس الإيراني الإصلاحي حسن روحاني، وبدأت صغيرة في مدينة مشهد الإيرانية، وسرعان ما امتدت إلى باقي المدن؛ خارجة عن نطاق سيطرة الحكومة.

تجمّع عشرات الآلاف من أنصار الحكومة في طهران لمواجهة احتجاجات المعارضة (EPA)

ولا ينبغي أن يُفاجأ أحد بالسخط الذي أصاب الشعب الإيراني تجاه حكومته؛ فهناك مزيج من الفقر والبطالة، مع العجز عن الاتصال بشكل طبيعي مع العالم الخارجي.

ويرى منتقدو «الجمهورية الإسلامية» أنّ الاحتجاجات قدّمت لمحة عن إمكانية تغيير النظام؛ ولذلك استقبلوها بالدعم، وتبدّلت الهتافات في الشوارع من «لا لارتفاع الأسعار» إلى «الموت للملالي». وبينما وجدت هذه الهتافات طريقها إلى وسائل الإعلام العالمية؛ فهناك هتافات أخرى مناهضة للأجانب، مثل «نحن الآريون لا نعبد العرب»، لم تجد طريقها لوسائل الإعلام العالمية، أو لم تحصل على تغطية كافية؛ كالهتافات المناهضة للحكومة.

ويرى معظم المحللين والمتابعين المستقلين الذين لا ينتمون إلى توجّه معين أنّ إيران لا تتجه نحو الهاوية، كما لا يعتقد أحد منهم أنّ هذه الثورة، التي نظمها المهمشون والفقراء، يقودها توجّه خارجي مثلما يدّعي النظام الإيراني هناك.

لكنّ، كما يقول المحللون أنفسهم، من المؤكد أنّ إيران تعاني من تمزّق سياسي منذ القدم، فمنذ 39 عامًا، أثناء «الثورة الإسلامية»، هناك صراع على الثقافة السياسية في إيران، التي ظلت مفتاح السيطرة الاجتماعية؛ فالدولة هناك -على سبيل المثال- تولي اهتمامًا بالملابس وما يجب أن يرتديه المواطنون.

وعلى المستوى الاقتصادي، ورث روحاني، الرئيس الحالي، الحالة الاقتصادية المتدهورة من سلفه أحمدي نجاد، بمعدل تضخم 40% ونسب بطالة مرتفعة، وهيمنة الفساد والمحسوبية والافتقار إلى الشفافية على الأوضاع الاقتصادية والسياسية بصفة عامة.

الرئيس الإيراني الحالي حسن روحانيواستطاع روحاني في ولايته الرئاسية الأولى تخفيض معدل التضخم بنسبة 10%، وعَقَدَ سلامًا مع العالم؛ بإنجاز الاتفاق النووي الإيراني. وحاول في ولايته الثانية معالجة مشاكل الهيكل الاقتصادي وتحديد ميزان المدفوعات، وتقليص القطاع العام المتضخم. وثقافيًا، تمكّن من الحد من تدخل الدولة في الحياة الخاصة للمواطنين، والحد من الإعدام المنتشر، وخفض الاتجار في المواد المخدرة وغيرها.

لكنّ ما فشل فيه روحاني هو التدابير الاقتصادية الصارمة التي اتخذها في محاولة لإصلاح النظام الاقتصادي، التي أثّرت على نحو 30 مليون مواطن؛ بمن فيهم أفقر الناس في المجتمع. كما سبّبت محاولته تحقيق التوازن في ميزانية الدولة وإقرار سياسة ضريبية صارمة عداء واضحًا بين الدولة ورجال الأعمال والمؤسسات التي يديرها شخصيات ومؤسسات دينية وعسكرية.

وتكلّف هذه المؤسسات والشركات الدولة ملايين الدولارات كل عام؛ فهي لا تدفع ضرائب ولا يوجد نظام محاسبي مناسب، لكنّ روحاني كان يملك من الجرأة ما يكفي لأن يواجهها ويفرض عليهم نظامًا ضريبيًا صارمًا؛ ما تسبب في إثارتهم ضده.

وفي عام 1978، لم تكن الشرارة الأولى التي أدّت إلى سقوط نظام البهلوي ملموسة؛ إذ لم يتطلب الأمر أكثر من مقال واحد يهاجم آية الله الخميني، المنفي آنذاك، لتندلع الثورة. غير أنّ هناك اختلافات رئيسة بين المشهد السياسي الحالي والقائم قبل عام 1978؛ فقبل «الثورة الإسلامية» كان الشاه ينتمي إلى المدرسة الاستبدادية القديمة، التي تشبه مثيلتها في السعودية الآن؛ فلا أحزاب سياسية، ومقاليد الدولة جميعها في يد الحاكم.

من مظاهرات عام 1978 في إيران رافعين صورة الخميني (AFP)

والمشهد السياسي الفوضوي في إيران اليوم لا يتشابه مطلقًا مع المشهد الذي أشرنا إليه.

فالفصائل التي تمثّل جماعات المصالح في إيران، وصُنّفت على أنها «إصلاحية ومحافظة»، تضمّ فصائل داخل فصائل، مع عدد كبير من المجموعات المتداخلة والمتنافسة دائمًا. لذا؛ الانتخابات هناك دائما ما يُشكّك فيها، بالرغم من أنها تُجرى بشكل منتظم ويُتنافس فيها بقوة بين هذه الفصائل.

ومن الخارج، تبدو الجمهورية الإسلامية هشّة ومقسّمة، لكنها استطاعت الانتقال من مرحلة «الثورة» إلى «تأسيس الدولة»؛ حتى إنها استطاعت قتال صدام حسين ومقاومة الضغوط الأميركية المكثفة لعقود.

وأيام البهلوي، صدمته فكرة الخروج والاحتجاجات في الشوارع؛ وقابلها بوحشية غير مسبوقة من أجل السيطرة عليها، لكنّ الجمهورية الإسلامية الحالية شهدت خروج مسيرات وتظاهرات في الشوراع لعقود. ومؤخرًا، خاصة بعد قمع احتجاجات 2009، استطاعت الدولة الإيرانية اكتساب آليات السيطرة على الحشود.

وقالت الصحيفة إنهّا لم يصلها كثير عما يدور في إيران حاليًا. لكن، ربما الصراع الأكثر أهمية في إيران: وضع الرئيس روحاني مقابل المحافظين، ويدعمه على الأقل أفراد من الحرس الثوري الإيراني، وأولئك الذين بدؤوا الاحتجاجات يحاولون استيعاب كثير من الطاقة التي أطلقها روحاني (في إشارة إلى إثارة الصراع)، ونشرت وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري الإيراني يوم الثلاثاء مظالم حقيقية يتعرّض إليها المواطنون.

وأيًا كان الصراع الدائر حاليًا، فالطرفان يعترفان بمظالم الحشود التي خرجت الآن، ويحاولان الاستفادة منها لتعزيز قضيتهما؛ وتعتمد فكرة الحكومة الإصلاحية على تنفيذ خطتها الاقتصادية وتوفير مزيد من الحريات الاجتماعية للطبقة الوسطى، بينما يدفع المحافظون بضرورة توفير الخبز للمواطنين ومنحهم مزيدًا من الحرية.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023