شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

أستاذة علاقات دولية لـ«أوبن ديمكراسي»: الأوضاع المصرية في طريقها للانفجار.. وكم من دماء ستراق؟

الشباب في مصر - أرشيفية

لم تكن نتائج انتخابات الرئاسة المصرية 2018 صادمة، بفوز عبدالفتاح السيسي على منافسه الصوري «موسى مصطفى موسى»؛ لكنّ الصادم طريقة الدولة في حشد الناخبين، بالأغاني الوطنية تارة وبالترهيب والترغيب تارة؛ والأكثر صدمة وفد الكونجرس الأميركي المزعوم، الذي تحوّل إلى جزء من دعاية السيسي، برقصهم في مراكز الاقتراع.

وكل ما حدث في الانتخابات كان صادمًا، والأكثر سخافة افتقارها لأيّ مضمون سياسي أو أيّ اختيارات حقيقية، إضافة إلى خنق حرية التعبير. وحتى القاهرة، المدينة الصاخبة دائمًا، كانت هادئة بشكلٍ مخيف، واختفت الأصوات السياسية ولم يوجد حتى مجرد همس؛ وما حدث يمكن أن يُطلق عليه «الصمت السياسي القمعي في شوارع مصر المزدحمة دائمًا».

هذا ما تراه الأستاذة المساعدة في العلاقات الدولية بالشرق الأوسط بجامعة أمستردام «فيفيان ماتثيس بون»، في مقالها بموقع «أوبن ديمكراسي» وترجمته «شبكة رصد». مضيفة أنّ نظام السيسي قبض على سياسيين ومرشحين محتملين ووضعهم تحت الإقامة الجبرية أو أخفاهم ببساطة، كما هرب نشطاء سياسيون خارج مصر، ومن بقي منهم يعيش وكأنّ سحابة مظلمة تحلّق فوق رأسه، وأصبح السؤال الاعتيادي على ألسنتهم: متى يحين دوري؟ متى سيُقبض عليّ وأعذّب؟ متى أختفي؟

ذكرى «باهتة»

ما يبدو قاتمًا أكثر «التوقُ لثورة يناير 2011»، التي تحوّلت إلى ذكرى باهتة، لُطّخت وشوّهت، في ظل السخط السياسي، بجانب الخيانة التي تلقتها من القوى المضادة للثورة. ولم تكن ثورة يناير مجرد دعوة لديمقراطية ليبرالية تتوّج بالانتخابات بقدر ما كانت دعوة للتغيير الاجتماعي والاقتصادي ووضع حد لوحشية الأجهزة الأمنية، وهي البيئة التي تمهّد فعلًا لتغيير سياسي وانفتاح حقيقي.

وبالرغم مما يحدث، فالحلم مدفون تحت كومة من الأنقاض السياسية، وما زال يعيش في بيت السياسة المصرية المضطربة؛ حيث التفاوت الاقتصادي وقمع الأجهزة الأمنية أكثر من أيّ وقت مضى، واختفى الآلاف وتعرّض المئات للتعذيب والقتل والاغتصاب، ومُنع التظاهر، ولم يعد انتقاد الحكومة أو الجيش متاحًا؛ بل أصبح يُنظر إليه على أنه تهديد مباشر للأمن القومي، وأبرز مثال صارخ على ذلك التحقيق مع المغنية شيرين عبدالوهاب لوصفها مياه النيل بالملوثة، ثم الحكم عليها بستة أشهر بسبب تعليقها.

كما أصبح انتقاد الجيش شكلًا لـ«الخيانة العظمى» يُعاقب عليها بالإعدام، العقوبة التي أصبحت تطبق بشكل جماعي في مصر، ويمكن احتجاز أيّ شخص في أيّ مكان وأيّ وقت، ولم يعد يوجد أيّ خط أحمر يرسم المسموح به والمرفوض في ظل نظام استبدادي، كما عبّر ناشط مصري مجهول.

وفي سيناء، ينتشر الموت بجانب الصمت، وتحوّلت المحافظة إلى ما يشبه «الثقب الأسود العسكري»، ولن نعرف أبدًا ما يدور هناك؛ بخلاف مقتطفات مشوّهة لمنافذ إخبارية موالية للدولة.

دعم دولي للنظام!

في هذه الأثناء، يُراقب الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية بمساعدة أجهزة الاستخبارات الألمانية؛ بموجب الاتفاق المصري الألماني الجديد الذي وقّعته أنجيلا ميركل، وتشمل المراقبة جميع أنشطة حقوق الإنسان التي تلحق الضرر بصورة الدولة المصرية والنظام. إضافة إلى إغلاق المجتمع المدني بالكامل بموجب «قانون المنظمات الأهلية»؛ وأُغلق ما يزيد على 74 ألف منظمة، ونحو 500 موقع صحفي، تحت زعم دعم الأنشطة الإرهابية.

وفي الوقت نفسه، تشحن فرنسا أطنان المعدات العسكرية إلى مصر، وتتعاون الشركات الهولندية معها في مشروع قناة السويس، الذي يعاني من الخسارة؛ لا سيما في دعم صورة النظام وشرعيته. كما وصلت هولندا إلى المرتبة السابعة في قائمة الدول المتاجرة في الأسلحة مع مصر، تليها ألمانيا، لكنّ وجهتها الأساسية هي فرنسا، كما تضاعفت تجارة الأسلحة البريطانية مع مصر منذ عام 2013؛ بعد أن فرشت للسيسي السجادة الحمراء بالكامل أثناء زيارته بريطانيا في 2015.

بشكل عام، ارتفعت صادرات الأسلحة المصرح بها إلى مصر من ثلاثة مليارات يورو في 2013 إلى 19.5 مليار يورو في 2015؛ وكل هذ لأنّ الغرب يعتقد أنّ دعم القادة السلطويين (مثل السيسي) سيجلب لهم مزيدًا من الاستقرار في المنطقة.

كما يشارك «صندوق النقد الدولي» هذا الإيمان بوضوح، بإشادة «كريستين لاجارد» مؤخرًا بـ«إصلاحات الحكومة المصرية»؛ لا سيما «جهودها الجادة لحماية الفقراء والضعفاء». لكنّ الحقيقة أنهم من يدفعون الفاتورة وحدهم ويتجهون نحو مزيد من الفقر لتخفيض قيمة الجنيه ورفع الدعم الحكومي؛ حتى إنّ عائلة مصرية من الطبقة المتوسطة لم تعد تستطيع تحمّل كلفة علبة عصير برتقال، وأصبح لوح الشيكولاتة وحده يستهلك أجر أسبوع كامل.

أصبحت مصر «حلّة بخار»؛ فشعبها يُترك ليتعفّن في مسيرته الكفاحية من أجل البقاء، سواء اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو في السجون، وانتخاب السيسي مرة أخرى لن يخفف من حدة هذه الضغوط؛ بل سيزيدها، وستستمر الأمور في الاتجاه نحو الاضطراب إلى نقطة تنفجر فيها الأوضاع، والسؤال الأهم الآن: كم من دماء ستراق؟وكيف؟ ومتى؟



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023