شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

بعد الظهور المفاجئ لـ«رامي مخلوف».. إرهاصات سيناريوهات روسية لمرحلة جديدة بسوريا

ظهور مفاجئ لـ«رامي مخلوف»، ابن خال رئيس النظام السوري بشار الأسد عبر وسائل التواصل، أدى إلى بروز سلسلة من التكهنات والسيناريوهات، في محاولة لتفسير ما يحصل في دمشق.

هل هو انشقاق وتصدع داخل نظام الأسد؟ أم مجرد تنافسات وتجاذبات بين مراكز القوى حول بعض المصالح؟ وهل دوافعه مالية أم سياسية؟ وهل الخلاف محلي أم له أبعاد خارجية، تمتد لتشمل التنافس الروسي الإيراني على تقاسم النفوذ في سوريا؟

بالتأكيد فإن سبب تلك التكهنات ما يمثله مخلوف ووالده محمد مخلوف من ثقل مالي أولا وسياسي ثانيا داخل نظام الأسد، رغم وجود قناعة سائدة بأن مخلوف الابن ما هو إلا خازن لأموال عائلة الأسد المالك الحقيقي لتلك الأموال.

رغم ذلك، لا بد من وجود أسباب موجبة للحادثة التي تسببت في زلزال سياسي بدمشق، جلب الأنظار وطرح الأسئلة مرة أخرى حول مصير نظام الأسد بعد المعطيات الجديدة على المستوى العالمي، التي أفرزتها جائحة كورونا وعاصفة النفط.

** صعود رامي مخلوف
انطلق محمد مخلوف والد رامي، شقيق أنيسة زوجة حافظ الأسد، في مشواره التجاري، من مؤسسة التبغ – ريجي الحكومية، ثم دخل في منتصف الثمانينات قطاع النفط، قبل أن يتحول لرعاية الصفقات الكبرى، ليصبح العرّاب الخفي للاقتصاد السوري، ضمن عملية تقاسم للحكم في سوريا، فبينما أمسكت عائلة الأسد بمؤسسات الجيش والأمن والسياسة، كان الاقتصاد والمال من حصة عائلة مخلوف.

ومع انتقال الحكم بالوراثة لبشار الأسد، اتجه رامي ابن محمد مخلوف، نحو قطاع الاتصالات الواعد، فحاز عام 2001 على«سيريتل» وشركة أخرى منافسة هي «إم تي إن» بثمن بخس، وبترخيص وفق نظام «بي أو تي»، وباتت شركتا مخلوف تحتكران كامل قطاع الاتصالات وعائداته.

حاول بعض النواب، بينهم رياض سيف، كشف حجم التلاعب المالي، والتجاوزات القانونية التي حرمت خزانة الدولة السورية من مليارات الدولارات، فكان مصيره وبقية المعترضين الاعتقال والسجن، بسبب تجاوزهم الخط الأحمر.

شكل عقد «سيريتل» القاعدة التي انطلق منها رامي مخلوف، ووسع من خلالها مجالات نشاطاته وأعماله، لتشمل قطاعات النفط والمال والمصارف والبنوك والسياحة والتجارة، وذلك في مواكبة مرحلة الانفتاح الاقتصادي الانتقائي في البلاد مع بداية الألفية الثانية.

ذلك الانفتاح الذي تسبب في تآكل الطبقة الوسطى عماد المجتمع السوري، وركّز الثروة بيد عدد قليل من المنتفعين والوصوليين، وخصوصاً شركات مخلوف، فأصبح رامي مخلوف “الوكيل الحصري لسوريا” دون منازع، كما أطلق عليه منافسوه.

** دور اقتصادي ومالي

عارض رامي مخلوف المفاوضات التي كانت تجريها الحكومة السورية مع الاتحاد الأوروبي من أجل توقيع اتفاق شراكة استراتيجية، تضع قيودا من شأنها منع الاحتكار الاقتصادي.

وفي عام 2004، غادر مخلوف دمشق إلى الإمارات في محاولة للاستثمار هناك، لكنه عاد بعد عام واحد فقط، إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، في 2005، حيث توفرت شروط أكثر ملاءمة لعودته وتوسيع دوره الاقتصادي، إثر الحصار الدولي الخانق على النظام السوري، وبعدما وجهت أصابع الاتهام لشخصيات رئيسية في أجهزته الأمنية، حتى قيل بأن بشار الأسد نفسه على علم بالحادثة، وهو من أمر باغتيال الحريري.

حاول رامي مخلوف استنساخ التجربة اللبنانية في سوريا، بما في ذلك المصارف والبنوك التي تعتبر رئة الاقتصاد، وسعى لصنع (لبنان السوري) في سوريا لتعويض ما فقده النظام السوري جراء انسحابه القسري من لبنان، خصوصاً في القطاع الاقتصادي المالي.

في 2006، أسس رامي مخلوف شركة «شام القابضة» للإشراف على إدارة التوسع الهائل لدوره الاقتصادي، حيث أصبح يسيطر على نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ نحو 62 مليار دولار أميركي، لكنّ دور مخلوف الفعلي في القرار الاقتصادي كان أكبر من هذه النسبة بكثير.

** دور سياسي

عندما اندلعت الثورة السلمية في سوريا مطلع 2011، ظهرت لافتات وشعارات تفضح دور رامي الاقتصادي وشركاته، وطالب المتظاهرون الأسد بمحاسبة رامي مخلوف وتحجيم دوره.

بعد توسع رقعة الانتفاضة الشعبية وشمولها كافة المحافظات والمدن السورية، اضطلع رامي مخلوف بدور سياسي غير معلن، فعقد سلسلة لقاءات غير علنية مع مسؤولين غربيين، منهم السفير الأميركي الأسبق روبرت فورد، وسفراء أوروبيون بينهم الفرنسي إريك شوفاليه، وكان رامي ووالده قد استضافا جون كيري عندما كان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس.

بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية، ظهر رامي مخلوف في مقابلة مع «نيويورك تايمز»، قال فيها: «لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا»، فربط أمن الاحتلال باستقرار نظام الأسد في سوريا.

كما لعب شقيق رامي، العقيد حافظ مخلوف، رئيس فرع أمن دمشق التابع لإدارة المخابرات العامة، دوراً محورياً في مواجهة الحراك الشعبي السلمي، بممارسة الاعتقالات والتعذيب والسجن، وكان الحلقة الضيقة التي رجحت الحل الأمني واستخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين.

وفي 2014، أُعفي العقيد حافظ مخلوف من منصبه، وغادر لاحقا إلى روسيا حيث والده محمد الذي يقضي وقته بين موسكو وكييف، بفضل علاقات أمنية وسياسية واقتصادية مع متنفذين في روسيا، على رأسهم «يفغيني بريجوزين» المعروف بـلقب «طباخ بوتين»، والمتهم بتأسيس مجموعة «فاجنر» سيئة الصيت.

** على مفترق الطريق

بالتوازي مع نمو وتعاظم الدور الإيراني بسوريا، برز دور لرجال أعمال جدد منهم مجموعة قاطرجي، ووسيم قطان، وسامر الفوز الذي اشترى حصص فندق «فورسيزونز» من مخلوف وآخرين.

وتركزت أعمال هؤلاء في استيراد مواد غذائية ومشتقات نفطية بتسهيلات إيرانية، وصفقات نقل النفط من مناطق سيطرة حلفاء واشنطن شرق سوريا ومناطق الحكومة.

كما برز دور رجال أعمال شباب، بينهم محيي الدين مهند دباغ ويسار إبراهيم، في عقود أبرزها عقد لتشغيل الهاتف النقال بسوريا مع شركة إيرانية تابعة للحرس الثوري، وآخر يتعلق بالبطاقة الذكية التي تضبط مشتريات المواطنين.

مع بروز أمراء الحرب، وكجزء من حصار إيران ونظام الأسد، أدرجت واشنطن والاتحاد الأوربي مخلوف والفوز وآخرين على قائمة العقوبات.

وفي أغسطس الماضي، اتخذ بشار الأسد إجراءات صارمة ضد شبكات مخلوف وشركاته، شملت جمعية البستان وحل جناحها العسكري وذراعها السياسي.

وسحبت بعض المميزات الممنوحة لعناصر الحزب السوري القومي الاجتماعي، بسبب الدور البارز لآل مخلوف المعروف تاريخياً بتأييده أفكار الحزب، ما أسهم في تمدده في مفاصل رئيسية، وتكوين ميليشيات قاتلت إلى جانب جيش النظام، بعد أن كان الحزب شبه محظور في السنوات السابقة، بسبب معارضته حزب البعث الحاكم.

وفي أكتوبر الماضي، أصدرت محكمة الاستئناف قراراً بحل «الحزب السوري – جناح الأمانة»، الذي كان أسسه رامي في 2011، وخاض انتخابات مجلس الشعب في 2012 بدعم من «جمعية البستان» وحصل على مقاعد في البرلمان.

** ضغوط روسية على دمشق

بدأت الضغوط الروسية على دمشق وبشار الأسد، بعد زيارة خاطفة لوزير الدفاع سيرغي شويجو، نقل خلالها رسالة قاسية من الرئيس فلاديمير بوتين، تتعلق بضرورة التزام دمشق بالاتفاقات العسكرية الموقعة بين الرئيسين بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان حول إدلب.

كما تتعلق بضرورة ألا تستجيب دمشق لتشجيع دول عربية على فتح معركة ضد تركيا وفصائل موالية لها في شمال غربي سوريا.

ثم تبعتها حملة إعلامية قاسية، تتهم الأسد وأركان نظامه بالفساد، تضمنت مقالات واستبيان رأي من طرف مؤسسات تابعة لمجموعة «فاجنر» التي تملك مقاتلين واستثمارات في سوريا، ومعروفة بقربها من بوتين، ثم جرى دعم تلك الحملة بمقالات حادة في صحيفة «برافدا» الرسمية «روسية»، وتحليلات على مواقع فكرية رصينة.

كما جاءت الحملة وسط انتقادات روسية لعدم التزام دمشق بالتفاهمات الروسية – الإسرائيلية – الأميركية، ورغبة موسكو بتقييد دور إيران في سوريا وتحديد ملامحه، كما سربت وسائل إعلام روسية معلومات عن صراع اقتصادي يدور بسوريا بين شركات روسية وأخرى تدعمها طهران، واعتراض شركات روسية بسبب عدم توفر عائدات مالية موازية للتدخل العسكري الروسي، خصوصاً في قطاعات حصص النفط والغاز والصفقات الاقتصادية.

مقابل ذلك، وبتوقيت مواز، شن النظام حملة ضد رامي مخلوف، اتخذت بعداً تصعيديا جديداً، من خلال الوشاية بإحدى شركاته، ويطلق عليها «ميلك مان»، لدى السلطات المصرية، حيث ضبطت شحنة حليب محملة على باخرة سورية متجهة إلى ليبيا وعلى متنها 4 أطنان من الحشيش المخدر، فرد عليها رامي بتسريب شراء بشار الأسد لوحة فنية بقيمة 30 مليون دولار هدية لزوجته أسماء.

وفي 27 أبريل الماضي، أعلنت الهيئة الناظمة للاتصالات مطالبتها شركتي الهاتف النقال بدفع مبلغ 233 مليار ليرة سورية قبل 5 مايو 2020، ثم بدأت الأجهزة الأمنية باعتقال الكوادر القيادية في شركات مخلوف.

** خلاف مالي أم سياسي؟

لا شك في أن الخلاف بين الأسد ومخلوف يحمل في طياته كلا البعدين، المالي والسياسي، لأن النظام منهك ماليا وهو بأشد الحاجة للمال من أجل البقاء والاستمرار، خصوصا بعد خسارته الدعم الخارجي، الروسي والإيراني تحديدا، عقب هبوط أسعار النفط والحصار الأميركي على إيران.

وبالتالي، فإن النظام سيذهب إلى أبعد حد في الضغط على مخلوف، وبمزيد من الإجراءات ضد شبكاته المالية، كما حصل في السابق مع رجال أعمال آخرين، ولعل من المفيد هنا الإشارة إلى أن بعض المحللين يميلون لاعتبار حادثة رامي مسرحية متفقاً عليها من قبل، بهدف ترتيب البيت الداخلي.

أما في الجانب السياسي، فهناك أكثر من تفسير.. سواء كان رامي قد دفع من أطراف خارجية، روسية تحديدا، أو أن أطرافاً خارجية تستغل رامي لممارسة الضغوط على الأسد، أو أن رامي نفسه ركب موجة التصعيد الروسية ضد بشار، خصوصاً وأن والده وشقيقه، وربما هو، في موسكو، إذ من المستحيل أن يدلي بما أدلى به وهو داخل سوريا.

وأيا كان الأمر، فإن ذلك يشير إلى شروع القيادة الروسية في هندسة المرحلة الجديدة التي ستبدأ عام 2021، يعضد ذلك ويقويه الضغوط الأمريكية على روسيا، لإخراج إيران من سوريا

** ملامح المرحلة القادمة

تعتبر موسكو سوريا مركز نفوذها العسكري الاستراتيجي بالشرق الأوسط، ومنفذها البحري على المياه الدافئة، وأن دورها الاستراتيجي بسوريا منحها بعدا استراتيجيا، وأوراقاً رابحاً في علاقاتها مع كل من تركيا وإيران والولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، وإن بنسب متفاوتة ولأسباب مختلفة.

هذا بالإضافة إلى عقود إعادة الإعمار التي تقدر بأكثر من 300 مليار دولار. كلها أسباب تجعل من سوريا في نظر الروس، قيمة استراتيجية لا بد من الحفاظ عليها، وغنيمة لا يمكن التفريط فيها.

ظل نظام الأسد يلعب على حبل التوازنات بين موسكو وطهران، لكن المتغيرات التي أنتجتها جائحة كورونا، وعاصفة النفط أيضا، قلبت جميع الموازين، وجعلت موسكو تعيد حساباتها حول الكلفة الباهظة لبقاء الأسد على رأس الحكم.

موسكو التي دأبت قيادتها السياسية على التصريح بأنها معنية بسوريا الدولة قبل الأسد، تتجه نحو انتهاج استراتيجية تقتضي بالحفاظ على أجهزة الدولة السورية، مع إعادة ترتيب هيئة الحكم في دمشق.

تدرك موسكو أن أي تغيير في تركيبة النظام في دمشق، لا بد أن ينال موافقة الأطراف الضامنة في سوريا، روسيا وواشنطن- والاحتلال الإسرائيلي وتركيا وإيران

فهل تشكل حادثة رامي مخلوف وما تبعها من تطورات، أولى إرهاصات ولادة نظام جديد في دمشق، تكتمل ملامحه في 2021؟

الأناضول



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023