شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

تحقيق.. الصورة الشاملة للوبي السعودي في 10 سنوات

نشر موقع “ساسة بوست” تحقيقا تناول فيه “الصورة الشاملة للوبي السعودي في واشنطن في 10 سنوات”.

وسلط التحقيق الضوء على محاولات السعودية التأثير في السياسات الأميركية، لدعم حروبها والثورات المضادة التي قادتها مع الإمارات، وأزمات دولية عدة.

وأطلق موقع “ساسة بوست” مشروعا تحت عنوان “الحج إلى واشنطن”، وذلك ضمن محاولة لفهم الصورة الأكبر، والسياق المتكامل لما يجري في أروقة عاصمة الدولة الأقوى في العالم، وعلاقة ذلك بما يجري في منطقتنا.

وقال الموقع إن مشروع تحقيق “الحج إلى واشنطن” يسعى لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010 و2020.

وأشار إلى أن معظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ إلى وثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأميركية، تتبع لقانون “تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)”، الذي يلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكافة الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.

وتاليا النص الكامل للتحقيق:

عمل فريق «ساسة بوست» طوال العام الماضي على قراءة وتحليل أكثر من 520 وثيقة للمملكة العربية السعودية في قاعدة بيانات وزارة العدل الأمريكية التابعة لقانون «فارا»، تُغطِّي ما يزيد على 55 تعاقدا، وتكشف الوثائق عن الصورة العامة لتحركات اللوبي السعودي وعلاقاته، وأهم وجوهه والعاملين فيه، وتوضِّح الوثائق كذلك أسلوب عمل اللوبي والملفات التي تَشغَل السياسة الخارجية السعودية، وأحيانا الداخلية في لحظات الصراع على المُلك في المملكة الغنيّة.

ومنذ نهايات 2011 وحتى 2020 بلغت الأموال الكُليّة التي دفعتها السعودية في هذه الملفات: 119 مليون و997 ألف دولار، وقد كان اللوبي السعودي من أنشط اللوبيات العربية في واشنطن وخاض عدة معارك لتعزيز موقف المملكة في عاصمة حليفها الأهم، الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي هذا التقرير صورة عامة نحاول أن تكون شاملة عن اللوبي في العقد الماضي، 2010 – 2020، مع نظرة خاطفة على تاريخه وتشكُّله وأهم مراحله.

ملاحظة: مسمّى «اللوبي السعودي» يُقصد به أي جهة تُمثل مصالح السعودية، سواء كانت سعودية أو جهة أمريكية تعمل لصالحها.

بندر آل سعود.. وجهٌ شاب يمثّل المملكة النفطية في واشنطن

وصل الأمير السعودي الشاب، بندر بن سلطان آل سعود، إلى واشنطن نهاية السبعينيات من القرن الماضي بعدما طُلب – بحكم إتقانه للغة الإنجليزية ومعرفته في مجال الطائرات والأسلحة الجوية – ليساعد في إتمام مفاوضات صفقة طائرات «إف-15» بين الولايات المتحدة والسعودية.

لم يكن قد دخل الأمير الشاب قبل ذلك دهاليز السياسة في واشنطن، بل كان طيّارا يقضي معظم وقته في السماء، وامتهن الطيران ودَرَسَ في كليات جوية بريطانية وأمريكية، وعمل لاحقًا طيارا حربيّا في القوات الجوية السعودية.

يقول بندر في سيرته الذاتية إن «الحظ» كان حليفه الأقوى منذ دخوله لواشنطن، وأنه أتقن لعبة اللوبيات في واشنطن بمعرفته بالثقافة الأمريكية، وبتدخين السيجار الكوبي والتعامل مع الساسة الأمريكيين بالطرق اللائقة «والبريستيجية»، واستطاع بندر في أعوام تواجده الطويلة في واشنطن أن يتمّ عِدّة صفقات سلاح هامة للسعودية، وأصبح بندر وجها من وجوه الدبلوماسية في واشنطن بعد أن خدم سفيرا فيها لمدة 22 عاما، من عام 1983 وحتى 2005.

لم يكن هُنالك «لوبي سعودي» قبل وصول الأمير الشاب إلى واشنطن، فقد كانت العلاقة بين الدولتين محكومة بناءًا على المعادلة التالية: «الأمن والسلاح مُقابل النفط».

منذ منتصف القرن الماضي واجهت السعودية الكثير من المخاطر الأمنية، أولها قيام دولة إسرائيل ثم انتشار الفكر القومي الناصري وتهديده لها، ثم احتلال الاتحاد السوفيتي أفغانستان ورعاية السعودية بتوجيهٍ من الولايات المتحدة للحرب ضده. وقد رافق غزو أفغانستان اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، كل هذه الأحداث دفعت المملكة النفطية لتأمين نفسها وتوثيق روابطها في واشنطن أكثر وأكثر.

لن نأخذكم في هذا التقرير إلى قديم الزمان، بل سنحكي لكم قصة اللوبي السعودي منذ 2011، عام الثورات العربية، وسنحاول الإجابة على الأسئلة التالية: كيف تشكّلَ اللوبي السعودي؟ وما هي أبرز الجهات والشخصيات في اللوبي السعودي؟ وما أهم الملفات التي عمل عليها هذا اللوبي منذ عام 2011 وحتى الآن.

بداية تشكل اللوبي السعودي: الأمير بندر بن سلطان وعضو جماعة الضغط فريد دوتون.

بدأت مسيرة اللوبي السعودي في السبعينيات من القرن الماضي، بتوظيف بعض الشركات القانونية وشركات العلاقات العامة للعمل على ثلاث ملفات أساسية: تصدير النفط، وتأمين صفقات السلاح، والصفقات الاستثمارية.

ووفقا لقاعدة بيانات «فارا» ففي ربع قرن (1975 – 2000) سُجّلت كثيرٌ من العقود لشخصيات تُمثِّل السعودية ذات علاقة بالجهات الاستخباراتية والدفاعية، مثل الأمير خالد بن سلطان آل سعود، ورئيس الاستخبارات الأسبق كمال الأدهم، ورجال أعمال سعوديين، مثل عدنان خاشقجي وخالد محفوظ.

وكما سنبيّن لاحقا، فإنّ تشكيل اللوبي السعودي الذي نراهُ اليوم بدأ فعليا بعد هجمات «11 سبتمبر»، حين شعرت السعودية أنها على وشك خسارة حليفها الأكبر.

ما هي أجندة اللوبي السعودي؟

عمل اللوبي السعودي على ملفاتٍ مختلفة، أهمّها على الإطلاق إدارته للأزمات الإعلامية والقانونية الناتجة عن هجمات سبتمبر، وأهمها التشريع الأمريكي «جاستا».

لكنّ قائمة الأجندة تطول لتشمل الأزمات الجديدة للسعودية: الصراع على الحكم في العائلة، والحرب في اليمن، وحصار قطر ثم الأزمة الكبرى في السنوات الماضية: فضيحة اغتيال خاشقجي.

وفيما يلي نستعرض عملَ اللوبي السعودي على هذه الأجندة المتعددة، من هجمات سبتمبر، وحتى اندلاع الربيع العربي، ثم صعود الملك سلمان بن عبد العزيز للحكم ومعه صعود ابنه ولي العهد، محمد بن سلمان. إضافة إلى أبرز الوجوه والجهات سواءً السعودية أو الأمريكية، التي رصدناها أثناء عملنا على هذا المشروع.

هجمات سبتمبر.. الزلزال يصل الشرق الأوسط

في 11 سبتمبر (أيلول) 2001 عاشت الولايات المتحدة واحدة من صدماتها الكبرى غير المسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. في مشهد دراميّ ضربت طائرة واحدا من برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وبعدها بدقائق لحقتها طائرة ثانية لتضرب البرج الآخر والطائرة الثالثة في طريقها لضرب مبنى وزارة الدفاع الأمريكية.

ولمّا حلَّ الصحو على الولايات المتحدة كشّرت عن أنيابها، ليدفع ثمن الضربة أبناء الشرق الأوسط، وافتتحت الولايات المتحدة القرن الجديد بحربٍ في أفغانستان وأخرى في العراق، ووجّه الإعلام الأمريكي أصابعه نحو السعودية بتهمة تمويل بعض منفذي الهجوم ومخطِّطيه، مركزين على حقيقة أن 15 من أصل 19 من منفذي الهجمات سعوديون.

فشلت عدة محاولات للسعودية لاستئجار شركات ضغط لتمثيل المملكة في أمريكا الهائجة، ولم تخاطر شركات اللوبيات بسمعتها أو باحتمالية أن تسحق أمام الإعلام الأمريكي في هذه اللحظة التاريخية الحرجة.

وبعد عقد مع إحدى الشركات أُلغي سريعا، وجدت السعودية ضالتها في شركة «قورفيز للتواصل – Qorvis Communications» التي دشّنت حملات عدة للدفاع عن السعودية وبناء صورتها من جديد في أمريكا. يمكنك القراءة بالتفصيل عن هذه الشركة وخدماتها للسعودية من هنا.

«سوبرمان آل سعود».. مايكل بيتروزيلو وشركته «قورفيز»

برز نجمُ مايكل بيتروزيلو، أو «سوبرمان آل سعود» إن صحّ التعبير، بداية العقد الماضي مع تمثيله للسعودية مباشرةً بعد هجمات سبتمبر، رغم الضغط الهائل ضدّها، إذ أحدثت الهجمات ضررا كبيرا في سمعة المملكة على مستوى الشارع الأمريكي والمؤسسات الأمريكية، ووجِّهَت لها انتقادات مخلوطة باتهامات عن انخراطها في الهجمات، واحتاجت السعودية آنذاك لوجوه تمثّل المملكة وتجعل صوتها مسموعًا في الإعلام الأمريكي، وكان بيتروزيلو أحد وأوّل هذه الأصوات.

بدأ بيتروزيلو مسيرته المهنية في «غرفة التجارة الأمريكية»، وهي واحدة من كبرى جماعات الضغط الأمريكية، وانتقل منها للعمل في سوق شركات الضغط والعلاقات العامة، وفي عام 2000 أسس شركة «قورفيز للتواصل – Qorvis Communication» للعلاقات العامة، وهي الشركة التي خدمَ بها السعودية لاحقًا.

مايكل بيتروزيلو، المدير التنفيذي لشركة قورفيز للتواصل، إحدى كبرى الشركات العاملة للسعودية في أمريكا. مصدر الصورة: موقع شركة قورفيز.

وبعد هجمات سبتمبر استطاع بيتروزيلو استغلال اللحظة التاريخية مُقدما خدماته بالكامل للسعودية، وفور توقيع العقد بدأ بتنفيذ حملة علاقات عامة وإعلامية شاملة لإصلاح ما حطّمته الهجمات من صورة السعودية، ونسقت شركة قورفيز آنذاك مع عشرات وسائل الإعلام الأمريكية ليُتاح لمسؤولين سعوديين ولممثلي المصالح السعودية بالظهور على الشاشات، منهم عادل الجبير الذي صار لاحقا سفيرًا في واشنطن، والآن وزير للخارجية، وشقيقه نائل الجبير السفير السعودي الحالي إلى أيرلندا، والأميران تركي الفيصل وبندر آل سلطان.

وبتمثيل شركة قورفيز للسعودية في تلك اللحظة الصعبة صارت حليف السعودية الأهم في عالم اللوبيات، وعملت لها في كل ملفاتها الكبرى في السنوات اللاحقة، فحشدت الدعم الأمريكي للسعودية في حرب اليمن وقدَّمت دعمًا إعلاميا لمصر بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي.

وتوثّقت علاقة الشركة بالسعودية مع دخولها في أزمةٍ كبرى جديدة بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا، ومع تطوّر القضية وانكشاف تفاصيلها نقلت صحيفة «واشنطن بوست» أن «وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)» ترى أن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، هو المسؤول الأول عن جريمة اغتيال خاشقجي.

فاجتمعت على السعودية عِدَّة أزمات في واشنطن، مثل: حرب اليمن، وفضيحة اغتيال خاشقجي. ولكنّ الشركة التي مثّلت السعودية في هجمات سبتمبر لم تكن لتتركها في ملف اغتيال صحافي، وتابعت العمل للسعودية، رغم توقُّف شركات أخرى عن تقديم خدماتها بعد الحادثة.

ولكن لا شيء بالمجّان في واشنطن؛ إذ دفعت السعودية للشركة بعد اغتيال خاشقجي وفي ثلاثة شهور فقط، من أكتوبر (تشرين الأول) 2018 وحتَّى يناير (كانون الثاني) 2019، ما يصل إلى 18 مليونا و814 ألف دولار، أي ثلاثة أضعاف ما كانت تحصّلت عليه الشركة في السنوات السابقة كلّها.

من تعاقد السفارة السعودية في واشنطن مع شركة كورفيز، وخطاب التعاقد موجّه للأمير بندر بن سلطان. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.

شبح هجمات سبتمبر يُلاحق السعودية.. قصة قانون جاستا

واجهت السعودية في آخر شهورٍ إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما أكبر خطرٍ عليها من الكونجرس الذي استحوذَ عليه آنذاك الجمهوريون، واستنفر مشروع قانون «جاستا» اللوبي السعودي بكامل قواه ليعمل ضدّ القانون الذي يُزيل حقّ الحصانة عن الدول وقادتها ويسمح بمقاضاتهم في المحاكم الأمريكية.

لا يمسّ القانون المملكة العربية السعودية فحسب، بل يفتح الباب لسابقةٍ قانونية تسمح لمواطني الولايات المتحدة بمقاضاة دول أخرى يشتبه وجود دور لها في قضايا مرتبطة بـ«الإرهاب»، وأضرّت بالولايات المتحدة ومصالحها، وهذا الإسقاط لحصانة الدول وسيادتها دفع لوبيات دول أخرى مثل قطر للعمل ضدّ التشريع، وحاول السودان بعد محاكم طويلة تفادي هذه الحالة القانونية التي تسمح بمقاضاة الدولة بشكل مباشر.

وقانون «جاستا» باختصار هو قانون يقلّص الحصانة السيادية الخارجية، ويمنح الحق لأهالي ضحايا أحداث 11 سبتمبر والمتضررين من الهجمات برفع دعاوى على جهات خارجية بهدف التعويض وصل القانون لهذه المرحلة نتيجة عمل مكثف لمنظمات ونشطاء مدنيين، وجاءت اللحظة المناسبة بتوافق مصالح هذه المنظمات مع الجمهوريين في الكونجرس الذين عارضوا أوباما في معظم سياساته الخارجية والداخلية، ولو كانت المعارضة على حساب علاقة الولايات المتحدة بحليف تقليدي في الشرق الأوسط مثل السعودية.

وبلا شك كانت حملة اللوبي السعودي شاملة وعلى كافة المستويات، شملت ضغطا شديدا على الكونجرس وأمام الإعلام الأمريكي، فضلا عن الضغط على البيت الأبيض بتواصل مستمر مع آمي روزنباوم، رئيسة الشؤون التشريعية فيه، ومع تشاد كريكيير المساعد الخاص لأوباما، وربما ظهرت نتيجة هذا الضغط في تعليقات أوباما ضدّ القانون، ثم نقضه له، ولكن الكونجرس تجاوز النقض الرئاسي ومرّر القانون.

ومن نتائج حملة الضغط تعليقات مسؤولين أمريكيين آخرين، من بينهم جون برينان، رئيس «سي آي إيه» الذي عارضَ قانون جاستا علنا. ولم يتأخَّر اللوبي السعودي عن الضغط في كافة القنوات، على الكونجرس والبيت الأبيض والإعلام، وحتى على حكام الولايات الأمريكية المحلية.

وفي ذروة الأزمة دخل على الخط مستشار ابن سلمان، سعود القحطاني ليوظّف مجموعة بوديستا المقربة من الدوائر الديمقراطية ومن الرئيس أوباما، وضغطت عليهم وعلى البيت الأبيض لتعطيل القانون.

فما الذي حصل في النهاية؟ مرّ القانون في الكونجرس بالإجماع، فاستخدم الرئيس أوباما حق النقض لتعطيل القانون، ولكنّ الكونجرس تجاوزه بتصويت آخر ليُقَرّ بشكلٍ كامل بتاريخ 28 سبتمبر 2016.

وبعد تمرير قانون جاستا بدأ اللوبي بالضغط لتعديل قانون «الإذن باستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين – AUMF» الذي يُخول الرئيس الأمريكي باستخدام القوة العسكرية اللازمة ضد من خَطَّط لهجمات سبتمبر، وتواصل اللوبي مع السيناتور كريس كونز لحضور جلسة استماع لنقاش تعديل القانون، والسيناتور أحد الراغيين بالتعديل على القانون.

ثورة في تونس والنفير في الرياض

مع بداية العقد الماضي أطلّ شبح السقوط على الأنظمة الملكية والقديمة في العالم العربي، ومع انتفاض التونسيّ محمد بوعزيزي إلى شعارات «الشعب يريد إسقاط النظام»، استعدت الأنظمة العربية لمرحلة جديدة.

نشطت السعودية في السنوات الأولى للربيع العربي في واشنطن ضدّ نظام بشار الأسد كما سنرى، ودعم اللوبي السعودي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد إطاحة أول رئيس مصري منتخب عام 2013.

فبعد التحرُّك ضد مرسي عارض بعض من أعضاء الكونجرس ما حصل واعتبروه «انقلابًا» يستدعي تعليق المساعدات الأمريكية لمصر للضغط على الجيش لنقل السلطة للمدنيين.

ومن بين هؤلاء الشيخان الجمهوريان، ليندسي جراهام وجون ماكين، الذين انتقدا إدارة أوباما وموقفها مما حصل في مصر، ولكنهما دَعَيا لقطع المساعدات الاقتصادية فقط لا مساعدات الجيش المصري البالغ حجمها مليار و300 مليون دولار.

ولتغيير موقف السيناتور جراهام، تواصل اللوبي السعودي حينها مع كريج أبيلي، مساعدته للشؤون التشريعية العسكرية، لمناقشتها بشأن المساعدات الأمريكية للجيش المصري، وكان جراهام حينها عضوًا في لجنة القوات المسلحة.

وتحدّث اللوبي السعودي في أغسطس (آب) 2014 مع الجمهوري إدوارد رويسي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب آنذاك، لمناقشته عن «إيران والإخوان المسلمين»، ورويسي من أعضاء الكونجرس الداعمين للسيسي منذ اللحظة الأولى، وقد صرّح في بيانٍ له يوم الإطاحة بمرسي قائلًا: إن مرسي كان «عقبة أمام الديمقراطية الدستورية التي أرادها المصريون»، وأنّه «متفائل برحيل مرسي الذي سيفتح آفاقًا لمستقبل أفضل في مصر».

وقدمت شركة قورفيز بأموال سعودية خدمات إعلامية للحكومة المصرية المؤقتة بعد أحداث 3 يوليو 2013. ومن الجدير بالذكر أن رويسي بعد فترة من خروجه من الكونجرس بدأ العمل لصالح اللوبي المصري في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، أي بعد ستّة أيام من الانتخابات الرئاسية الأخيرة في أمريكا.

وضغط اللوبي السعودي لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين «منظمةً إرهابية» منذ بداية 2016، وعقد اللوبي اجتماعات مع لوكي موري، وأورين أداكي، الموظفين في اللجنة الفرعية عن «الإرهاب» في مجلس النواب، وترأس اللجنة حينها النائب الجمهوري تيد بو.

وأداكي ممن عملوا مع النائب تيد بو في إرسال طلب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوضع جماعة الإخوان المسلمين على لوائح الإرهاب.

وتكشف الوثائق عن القليل من نشاط اللوبي السعودي في الملف السوري. فقد أدارت شركة قورفيز، بتمويلٍ سعوديّ، الحساب الرسمي على منصة تويتر لتحالف المعارضة السورية، وقدمت الشركة الدعم الإعلامي للهيئة العليا للمفاوضات التي انبثقت عن مؤتمر الرياض في ديسمبر (كانون الأول) عام 2015، المؤتمر الجامع للعديد من أطراف المعارضة السورية لتشكيل جبهة بديلة لنظام الأسد، ونسقت قورفيز للهيئة العديد من اللقاءات الإعلامية في أمريكا.

وضغط اللوبي السعودي لتجريم بشار الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيمياوية، واجتمع مع النائب رويسي، الذي خرج ببيانٍ يستنكر فيه سلوك الأسد الإجرامي، ويدعم قرار أوباما لزيادة الدعم للمعارضة السورية، وشجّع على «تسليح الجيش السوري الحر».

أجندة اللوبي تتغيّر مع قدوم الملك سلمان

تولِّي الملك سلمان للحكم في السعودية رافقه صعودٌ قويّ لابنه محمد بن سلمان، الذي نُصّب آنذاك وليًا لولي العهد، ووزيرًا للدفاع، وأعلن بعد ذلك انطلاق الحرب في اليمن، وبدأ في نفس الوقت سعيه للوصول للعرش، وفي طريقه عقبة أخيرة؛ ابن عمه محمد بن نايف، ولي العهد الأول لأبيه.

وتاليًا نستعرض أجندة اللوبي السعودي بعد تنصيب سلمان بن عبد العزيز ملكًا على السعودية في يناير 2015، وتلاها بشهرين في مارس (أذار) انطلاق الحرب السعودية في اليمن، وبعدها بعامين جاءت لحظة صعود الرئيس دونالد ترامب، ومعها سقوط ابن نايف، بعد أقل من شهر من تعاقده بقيمة 5 ملايين دولار لتحسين العلاقة مع الرئيس الجديد ترامب.

وفيما يلي نرصد أهم الملفات التي عمل عليها اللوبي السعودي في واشنطن في فترة الملك سلمان.

حرب اليمن تُوسِّع معارك اللوبي السعودي في واشنطن

لا شكّ في أنّ لحرب اليمن مساحةٌ من أجندة السياسة الخارجية في الكونجرس، ومع تزايد المعترضين عليها ازداد ضغط اللوبي السعودي لتأمين الدعم الأمريكي للحرب التي أصبح العمل عليها جهدًا مشتركًا للوبي السعودي والإماراتي.

وبدأ التحالف السعودي في حرب اليمن بدعمٍ أمريكي إما بالتدريب أو بيع السلاح، وبالإشراف التقني والفني، وبتبادل المعلومات الاستخباراتية مع السعودية وحلفائها في الحرب.

وكثّف اللوبي السعودي الضغط ضدّ أيّ قرارٍ يمكن أن يضرّ بالسعودية في هذا الملف، وروّج اللوبي لروايةٍ مغايرة للتي يقدمها الإعلام الأمريكي، ونفّذ بشكل مستمر حملات ترويجية للمساعدات «الإنسانية» السعودية في اليمن، ودورها «الإيجابي».

وفيما يلي تلخيصٌ لجهود اللوبي السعودي في ملف حرب اليمن:

مع نهاية عام 2015 واستمرار الحرب، بدأ ضغط أعضاء الكونجرس على إدارة الرئيس أوباما لتقديم ضمانة بعدم حدوث أيّ خسائر أو ضحايا مدنية نتيجةً للضربات الجوية للتحالف.

منذ إعلان الحرب، أو ما سمته السعودية بـ«عاصفة الحزم»، طوَّرت شركة قورفيز موقعًا إلكترونيًا لجمع أخبار ومستجدات عاصفة الحزم باسم «Operation Renewal of Hope»، كما تواصلت الشركة مع وسائل إعلامية أمريكية لترويج وتصوير موقف السعودية بشكل إيجابي.

تصاعدت المعارضة داخل الكونجرس ضد التحالف السعودي في اليمن خلال عام 2016، وقدمت السيناتور الديمقراطي كريستوفر مورفي تشريعًا يمنع نقل صواريخ «جو – أرض» الأمريكية للسعودية ما لم تأخذ الإدارة الأمريكية جميع الاحتياطات اللازمة لمنع الخسائر البشرية.

مع بداية عام 2017، وبعد وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض، تتابعت تقارير تُوثق انتهاكات التحالف السعودي ضد المدنيين في اليمن، ومعها تفاقم الوضع الإنساني في اليمن مع المجاعات وانتشار الكوليرا، وبسبب الصراع القائم بين جماعة الحوثي المدعومة من إيران والتحالف السعودي تعطّل إمداد اليمنيين في مناطق النزاع بالمساعدات الطبية والإنسانية.

وتاليًا نستعرض في نقاط موجزة أهم تحركات اللوبي السعودي في ملف حرب اليمن:

في سبتمبر 2017، قّدم النائب الديمقراطي رو خانا مشروع قانون لإنهاء التعاون الأمريكي مع التحالف السعودي في الحرب ولكن المشروع فشل، ثم انعقدت جلسة في مجلس النواب في نوفمبر 2017 لمناقشة الأوضاع السياسية في اليمن وظهر الانقسام في الكونجرس آنذاك بين مؤيد ومعارض للحرب.

من أبرز المؤيدين للحرب النائب الجمهوري إدوارد رويسي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النوّاب، ويرى رويسي أن إنهاء التعاون الأمريكي سيُمكِّن الحوثيين «الذين تربوا في مدينة قُم الإيرانية» باليمن وسيسمح لهم بتوسيع نفوذهم، واعتمد رويسي في كلامه على معلومات وحقائق وردت في ورقة بحثية روّج لها اللوبي السعودي.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2017، قدّمت النائب الجمهورية إليانا روس ليتينين مشروع قانون لفرض عقوبات على جماعة الحوثي وإيران، وضغط اللوبي السعودي لتمرير هذا القانون دون جدوى، ويُذكر أن ليتينين صاحبة المقترح عملت لاحقًا بعد خروجها من الكونجرس لصالح اللوبي الإماراتي.

لم تتحقَّق رغبة السعودية بتصنيف الحوثيين على لوائح الإرهاب إلا في الأيام الأخيرة لترامب، بقرار من وزارة الخارجية دون تشاور مع الكونجرس الذي اعترض على القرار واعترضت معه الأمم المتحدة، تخوُّفًا من آثاره على العمل الإنساني في اليمن، ولكن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن راجعت التصنيف وقررت سحبه.

استفتح اللوبي السعودي عام 2018 بمشروع قانون قدّمه السيناتور التقدُّمي البارز بيرني ساندرز، ويقضي مقترحه بوقف الدعم الأمريكي للسعودية وحلفائها في الحرب اليمنية، ومرّ القانون بعد التصويت عليه بمجلس الشيوخ، ولكنّ اللوبيات السعودية والإماراتية ضغطت لتعطيله، وتدخّل الرئيس الأمريكي ترامب مستغلًا حقّ النقض الرئاسي وبذلك أبطل مشروع القانون.

نفذ اللوبي السعودي حملات واسعة للترويج «للمساعدات الإنسانية» التي تقدمها السعودية في اليمن، لتخفيف الضغط على الرياض من الإعلام الأمريكي، خاصةً بعد تفاقم قضية اغتيال خاشقجي الذي استنتجت «سي آي إيه» أنه تمّ بأمر من ولي العهد محمد بن سلمان.

مشاكل اليمن سببها الحوثي فقط وليس حرب اليمن

شركة «هوجان لوفيلز – Hogan Lovells» من الشركات المتميزة في مجال الضغط السياسي، وقد عملت للسعودية في ملفاتٍ مختلفة وهامّة مثل صفقات السلاح والحرب في اليمن، وحتى قانون «جاستا» وتشتيت الضغط المركّز على ابن سلمان بعد جريمة خاشقجي.

ويعمل في الشركة السيناتور الجمهوري السابق نورم كولمان، مستشارًا للشؤون الحكومية، ومن ثمّ تسلَّم قيادة شؤون العلاقات العامة والحكومية.

يُشرف كولمان على بعض الحملات السعودية في واشنطن، واحدة منها تُلقي بحمل الأزمة الإنسانية في اليمن بالكامل على جماعة الحوثي، وتكشف الوثائق مراسلات لكولمان مع نواب وشيوخ أمريكيين، يقتبس فيها على لسان السفير الأمريكي للعراق، ماثيو تويلير، قوله إن «تقريبًا 100% من الكوارث الإنسانية باليمن سببها جماعة الحوثي المدعومة من إيران».

وفي يونيو (حزيران) 2019 أرسل كولمان دعوةً لمجموعة من أعضاء الكونجرس، لحضور جلسة إحاطة عن «استخدامات الحوثي للألغام الأرضية وأثرها على الأزمة الإنسانية باليمن»، وتواصلت الشركة بشكلٍ مُكثّف مع النائب الجمهوري السابق إدوارد رويسي، الذي ترأس لجنة الشؤون الخارجية، وهو من الناقدين اللاذعين لإيران والمدافعين عن الدعم الأمريكي للسعودية.

وفي عام 2015 عيّنت الشركة آدم جودة فريدمان، المعروف بـ«آري فريدمان» ليكون مسؤولًا عن التواصل الخارجي للمملكة، وذلك بعد أن عمل محققًا في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب.

ومنذ عام 2011 وحتى اليوم، بلغت المدفوعات السعودية لشركة هوجان لوفيلز 10 ملايين و908 ألف دولار، ويُذكر أن الشركة عملت للملكة الأردنية أيضًا، في قضية مرفوعة على البنك العربي، أهم بنوك الأردن، يمكنك الاطلاع على عملها للأردن من هنا.

تصفية مُنافس ابن سلمان.. محاولة محمد بن نايف الأخيرة قبل الغرق

تكشف وثائق وزارة العدل الأمريكية عن واحد من أكثر العقود إثارة للاهتمام: عقدٌ لولي العهد المخلوع محمد بن نايف مع شركة ضغط سياسي مقرّبة من ترامب، قبل أسبوعين فقط من انعقاد قمة الرياض التي كانت أوّل وجهة خارجية لترامب بعد تنصيبه رئيسًا، ولكنّ تحرُّك ابن نايف جاء متأخرًا.

وُقع العقد في 5 مايو (أيّار) 2017، مع «مجموعة سونوران للسياسات Sonoran Policy Group»، ورئيسها التنفيذي هو روبرت ستيرك، الذي عمل سابقًا مع رودي جولياني، محامي ترامب المقرّب، وتصف صحيفة «نيويورك تايمز» ستيرك بأنّه «الجندي المجهول وصانع الصفقات» في عهد ترامب.

أثناء ترحيب الرئيس أوباما بولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف، ومعه محمد بن سلمان.

ويحظى ستيرك بعلاقات مميزة مع كريستن فونتروز، مسؤولة سابقة لملف السعودية بمجلس الأمن القومي. في 21 يونيو 2017. أُعلن إعفاء محمد بن نايف من منصبه وليًا للعهد، ونُصّب محمد بن سلمان بدلًا عنه، ودفع للشركة مبلغ العقد الكامل، 5 ملايين و400 ألف دولار، سدادًا للشرط الجزائي في التعاقد.

السعودية تبحث عن مقعد في نادي الأسلحة النووي.. والبوابة واشنطن

صادف انطلاق الثورات العربية في 2011 استئناف المفاوضات على البرنامج النووي الإيراني وكان الرئيس أوباما قد بدأها عام 2009. وبالنسبة للسعودية؛ إتمام الاتفاقية النووية الإيرانية يعني احتمالية امتلاكها لسلاح نووي مستقبلًا.

دفعت السعودية حتى اليوم للضغط في الملف النووي 14 مليونًا و821 ألف دولار أمريكي.

بدأ اللوبي السعودي الضغط لتعطيل المحادثات التي تخص البرنامج النووي الإيراني، وكان التواصل بشكل خاص موجه نحو السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، أحد أعمدة «أيباك» في الكونجرس، وأبرز الشيوخ معارضةً للاتفاق النووي.

لم تقتصر جهود اللوبي على تعطيل الاتفاقية الإيرانية التي توصلت لها إدارة أوباما مع طهران وانسحب ترامب منها لاحقًا، بل حاولت السعودية التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة لتبدأ في تطوير برنامجها النووي، واستأجر اللوبي السعودي عدة شركات عن طريق مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، ولاحقًا من خلال وزارة الطاقة السعودية، لإتمام اتفاقية، وكان من أبرزها شركة «بيلسبري وينثروب شاو بيتمان – Pillsbury Winthrop Shaw Pittman» المختصة في شؤون الطاقة النووية والخدمات المالية.

ولكنّ بعض أعضاء الكونجرس، ومنهم السيناتور إدوارد ماركي وبن كاردين، حذَّروا من رغبة السعودية في تخصيب اليورانيوم لإنتاج الوقود النووي، ما قد يسمح بتصنيع قنبلة نووية لاحقًا، ومن الجدير بالذكر أن اللوبي السعودي تواصل مع عضوي الكونجرس المذكورين لتنسيق زيارة لهما للسعودية.

وكان شرط أمريكا واضحًا للموافقة على البرنامج النووي السعودي: عدم تخصيب اليورانيوم لنسبة تسمح للسعودية بامتلاك السلاح النووي، ولكنّ يبدو أنّ هذا الشرط لم يُقنع السعوديين.

وظّف اللوبي السعودي عدة شركات أمريكية قدّمت استشارات قانونية للسعودية، خاصةً بشأن المادة «123» من قانون الطاقة الذرية لعام 1954، الذي يُلزم الدول الموقعة على القانون بالالتزام بالمعايير الأمريكية للبرامج النووية السلمية، وباختصار يمنعُ القانون الدول المنخرطة في أنشطة نووية من أن تستخدم الطاقة النووية بأي طريقة غير سلمية.

وبرز فريق في الكونجرس الأمريكي معارض لمساعي السعودية للبرنامج النووي، مثل السيناتور الديمقراطي إدوارد ماركي وبن كاردين، وتواصل معهما اللوبي السعودي محاولًا تنسيق زيارات لهما إلى السعودية.

ومن أبرز الذي عملوا للسعودية في الملف النووي هو المحامي ديفيد كولتجين، الذي عمل في أرامكو أكثر من 40 سنة، وبعد تقاعده وعودته إلى أمريكا استأجرته السعودية للعمل في الملف النووي.

ودفعت السعودية حتى اليوم للضغط في الملف النووي 14 مليونًا و821 ألف دولار أمريكي، بحسب وثائق وزارة العدل الأمريكية.

وللاطلاع على تفاصيل أنشطة اللوبي السعودي في الملف النووي من هنا.

رابطة العالم الإسلامي: «الانفتاح» على إسرائيل وفقط

لم يسلم اللوبي السعودي من موجة التطبيع الجارفة التي عصفت بالمنطقة في الأعوام الأخيرة، فبعد رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة بدا وكأنها فرصة العمر للتقارب بين إسرائيل ودولٍ عربية أخرى.

ولرابطة العالم الإسلامي قصّتها الخاصة في ملف اللوبيات، وهي المؤسسة التي أسسها الملك فيصل آل سعود لمناصرة القضية الفلسطينية في المقام الأول، تحوّلت لتصبح أداةً للسعودية للتطبيع مع إسرائيل ومناصري سياساتها في الولايات المتحدة، ومع كبرى واجهات اللوبي الإسرائيلي هناك.

أشرف على أنشطة الرابطة التطبيعية وقادها بنفسه الشيخ السعودي محمد العيسى، رئيس الرابطة الحالي، ومن أنشطته زيارته لمتحف آثار يهودي في نيويورك بالولايات المتحدة بدعوةٍ من منظمات مناصرة لإسرائيل. ويتواصل العيسى مع سام براون باك، سفير الولايات المتحدة للحرية الدينية، وهو من مؤيدي التيار اليميني – الصهيوني في إسرائيل الداعي لطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية وأية أراضٍ متنازع عليها بين الفلسطينيين وإسرائيل.

كيف تقود رابطة العالم الإسلامي التطبيع السعودي مع إسرائيل؟

نشطت الرابطة في التطبيع الثقافي والدبلوماسي مع اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، متبنيةً خطابات «التسامح» و«التنوّع» الذي يشمل إسرائيل ولا مكان فيه للفلسطينيين ولا حقوقهم.

وعقدت الرابطة مؤتمر «التواصل الحضاري» الثاني نهاية عام 2018، وقام اللوبي السعودي بدعوة شخصيات ومنظمات إسرائيلية لحضور المؤتمر، وتبع ذلك حملات ترويجية من قبل اللوبي، لإبراز أنشطة محمد العيسى والرابطة.

جريمة مقتل خاشقجي تضرب ما حاول اللوبي بناءه لسنوات

بعد جريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، التي أمر بها ولي العهد محمد بن سلمان كما أشارت تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية خسر اللوبي السعودي خسارة فادحة، وفقد بعض أذرعه بواشنطن، فقد ألغت العديد من الشركات عقودها مع السعودية بعد هذه الفضيحة؛ ما أحدث فراغًا استغلّته شركات أخرى قررت المُضيّ قُدمًا في تلميع ملف السعودية الضعيف في حقوق الإنسان.

ومع الفضائح الإعلامية المتوالية عُقب اغتيال خاشقجي، ضاعفت السعودية نفقاتها في سوق اللوبيات، لتُلمّع من جديد صورة ولي العهد محمد بن سلمان الذي أشارت تحقيقات استخباراتية أمريكية بأنه المسؤول عن جريمة اغتيال خاشقجي، بحسب ما تنقل صحيفة «واشنطن بوست».

ولنفهم ما حصل: فقد دفعت السعودية لشركة قورفيز للتواصل، 75 ضعف ما دفعته لها نهاية عام 2017، حيث بلغت المدفوعات للشركة في فترة أربعة شهور تقريبًا 19 مليون دولار، وذلك ما حدث أيضًا في مدفوعات شركة بروانستين التي تضاعفت خمسة أضعاف، حيث دُفع لها في تلك الفترة مليون ونصف دولار.

الصورة من مدفوعات السعودية لشركة قورفيز، وهي من الشركات القليلة التي دافعت عن المملكة بعد اغتيال خاشقجي وتابعت تمثيلها لها في واشنطن، ويظهر في الصورة تلقّي الشركة 18 مليون و814 ألف دولار أمريكي مقابل خدماتها لأربعة شهور فحسب، وهو مبلغ كبير في سوق اللوبيات. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.

وفيما يلي موجز لمعلومات هامة من ملفات اللوبي السعودي وأنشطته بعد جريمة اغتيال خاشقجي في 2 أكتوبر 2018:

عملت شركة قورفيز للسعودية منذ عام 2001، ومنذ ذلك الحين وحتى شهور قبل اغتيال خاشقجي، أخذت الشركة 20 مليونًا و823 ألف دولار، ولكن فقط في الشهور الأربعة التالية لاغتياله اضطرت السعودية أن تدفع للشركة 18 مليونًا و814 ألف دولار، كما تُظهر وثائق وزارة العدل، ما يعكس تأثر اللوبي السعودي بالأزمة.

تابعت شركة «براونستين هيات – Browsntein Hyatt» العمل مع السعودية، بتنفيذ حملات ترويجية لتحسين صورة السعودية، وتواصلت مع زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، لتعطيل مقترح للسيناتور الجمهوري بوب كروكر يُحمّل محمد بن سلمان مسؤولية الجريمة، ولكنه لم يمر.

استمرّت شركة «هوجان لوفيلز» بتمثيل السعودية، وكانت تتواصل خلال فترة مقتل خاشقجي مع السيناتور الجمهوري توم كوتون، وبعد التواصل معه بأسبوع خرج في مقابلة ليؤكد أهمية العلاقة بين أمريكا والسعودية، وأنّ على الجمهور انتظار الحقائق في قضية خاشقجي.

أنهت ست شركات عقودها مع السعودية بعد مقتل خاشقجي، أبرزها شركة «بي جي آر للشؤون الحكومية»، وشركة «جلوفر بارك».

وجوهٌ من اللوبي السعودي

تاليًا نعرض أهم الوجوه والشركات المُمثلة للوبي السعودي في واشنطن.

«ذراع بن سلمان».. سعود القحطاني يبدأ بتنفيذ أوامر سيّده في واشنطن

سعود القحطاني واحد من أبرز مساعدي ولي العهد محمد بن سلمان، برزَ نجمه مع صعود صديقه لولاية العهد، ولكنّ «ذراع بن سلمان» اشتهر دوليًا باعتباره مهندس جريمة اغتيال خاشقجي.

وقد ترأس القحطاني مركز الدراسات الإعلامية بالديوان الملكي ومن خلاله وظّف العديد من شركات الضغط السياسي في واشنطن للعمل للسعودية.

وفيما يلي تلخيصٌ لأهم الشركات التي استأجرها القحطاني عن طريق المركز:

وظّف القحطاني شركة «بي جي آر للشؤون الحكومية – BGR Government Affairs»، وبدأ العقد بتاريخ أغسطس 2015، وتواصلت الشركة بكثافة مع مسؤولي مقالات الرأي في الصحف الأمريكية الكبرى للترويج لصورة السعودية طوال سنوات ولكن علاقتها بالسعودية انتهت في أكتوبر عام 2018، فورًا بعد اغتيال خاشقجي.

قدّمت «مجموعة بوديستا – Podesta Group» للقحطاني خدمات ضغط وعلاقات عامة، بعد استئجاره لها في سبتمبر 2015، ومجموعة بوديستا شركة ضغط سياسي كبرى مقربة من الحزب الديمقراطي، وتعاقد معها القحطاني بالتزامن مع تصاعد النقد الدولي والأمريكي للحرب في اليمن ودور السعودية القيادي فيها، وأيضًا عملت الشركة على تعطيل قانون جاستا.

تواصلت مجموعة بوديستا، نيابةً عن السعودية مع جهات في اللوبي الإسرائيلي، مثل «ذا إسرائيل بروجكت»، واجتمعت مع المدير التنفيذي للمؤسسة، جوش بلوك، الذي كشف وثائقيّ قناة الجزيرة دور مؤسسته في تعزيز النفوذ الإسرائيلي في الإعلام الأمريكي، واستمرت العلاقة مع بوديستا حتى إغلاقها عام 2017.

وفي سياق حرب اللوبي السعودي لتعطيل قانون جاستا، وظف القحطاني ووقّع في 18 سبتمبر 2016 عقدًا مع شركة «سي جي آر – S.G.R»، واستمرت خدماتها لمدة شهرين بعد تمرير القانون في الكونجرس.

ووظف القحطاني في خضم معركة قانون جاستا شركة «سكواير باتون بوجز – Squire Patton Boggs»، بتاريخ 19 سبتمبر 2016، عمل في الشركة السيناتور الجمهوري السابق ترينت لوتت، أحد الشركاء في الشركة، وتواصل مع اللجنة التشريعية بمجلس الشيوخ، ليخبرها بحجم الضرر الاستثماري الناتج عن هذا القانون.

استمرت العلاقة مع شركة سكواير بعدها، إذ تواصلت الشركة مع ريك ديربورن نائب رئيس مكتب السياسات في البيت الأبيض، الذي عمل في الفريق الانتقالي للرئيس ترامب، ورئيس مكتب السيناتور الجمهوري جيف سيشنز، الذي يعمل بلجان القوات المسلحة والقضائية بمجلس الشيوخ.

وبحسب وثائق «فارا» دفع القحطاني للشركات التي وظفها 7 ملايين و875 ألف دولار منذ 2015 وحتى 2018.

من تعاقد سعود القحطاني، مدير مركز الدراسات الإعلامية بالديوان الملكي السعودي، مع شركة بي جي آر للشؤون الحكومية، ويظهر في الصورة توقيع باسم القحطاني. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.

نوّاف عبيد.. أكاديمي سعودي أطلق قلمه فطُرد

عمل نواف عبيد مستشارًا سابقًا للأمير تركي الفيصل عندما كان سفيرًا بواشنطن، ولكنه أقيل عام 2006 بعد نشره مقالة رأي في صحيفة «واشنطن بوست» يقول فيها أنّ إحدى المآلات المحتملة لانسحاب القوات الأمريكية من العراق «تدخُّل سعودي لوقف الميليشيات المدعومة من إيران عن ذبح السنة»، وأشار في مقاله إلى أنّ السعودية بإمكانها زيادة إنتاجها النفطي لخفض أسعار النفط العالمية للإضرار باقتصاد إيران.

أثارت المقالة ضجّة وفُهم منها أن السعودية تُعارض انسحاب أمريكا من العراق، وطردت السفارة عبيد إثر ذلك، إذ ألمح في تقريره بأن السعودية ستتدخل بشكل كبير في الصراع في العراق وقد تضاعف إنتاجها لتقلّل من سعر النفط العالمي وتضربُ موارد إيران منه.

ولكن مسيرة عبيد لا تتوقف هنا، إذ استمر في نشاطه الكتابي وتابع مشاركاته في المؤتمرات العلمية وفي الإعلام الأمريكي للدفاع عن السعودية وبرز اسمه مرة أخرى أثناء الربيع العربي، معارضًا وناقدًا للثورات العربية، وكان الربيع العربي نقطة الخلاف بينه وبين صديقه جمال خاشقجي، كما يقول عبيد في وثائقي «مملكة الصمت» الذي تحدث عن حياة ومقتل خاشقجي وشارك فيه عبيد.

ووسط مساعي عبيد لنشر وتعزيز آرائه المُعارِضَة للربيع العربي، سُجِّل عقدٌ في أغسطس 2011، بين نواف عبيد وشخص باسم شاد جراسيا، استأجره عبيد ليقدم خدمات «استشارية وتحريرية»، ومن الجدير بالذكر أنّ عبيد وجراسيا اشتركا عام 2002 في إعداد بحث لوزارة الدفاع الأمريكية عن أهمية تحالف السعودية والصين في سوق الطاقة، وأثر ذلك على الأمن القومي الأمريكي.

ومع بداية الربيع العربي، بدأ عبيد بنشر كتابات له في مجلة «فورين بوليسي»، وفي مارس 2011 نشر مقالة بعنوان «لن تحصل انتفاضة في السعودية» أتبعها بمقال آخر في أبريل (نيسان) بعنوان «يوم انهيار السعودية بعيد».

ومع صعود الملك سلمان، ونجله ولي العهد محمد بن سلمان بدأت حملة للسيطرة على الوجوه القديمة، وكان عبيد أحد تلك الوجوه. يقول عبيد في وثائقي مملكة الصمت: «بعد تغريدات لخاشقجي تنتقد ترامب، تلقينا أنا وهو تحذيرًا ببيانٍ من وزارة الخارجية على أننا لا نمثل حكومة المملكة، وعندها أدركت أنّه هنالك أشخاصًا جددًا وعليّ التزام الصمت».

وفي مطلع 2020 نشر عبيد كتابًا بعنوان «فشل الإخوان المسلمين في العالم العربي»، يتحدث فيه عن تاريخ الإخوان و«دور قطر في تعزيز دور الجماعة»، وينشط عبيد في الدوائر الأكاديمية الغربية، وله كلمة مصوّرة في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في الولايات المتحدة، يتحدث فيها برفقة الأمير السعودي خالد بن سلطان عن «العقيدة الدفاعية السعودية لعهدٍ جديد».

«سعودي برداءٍ أمريكي».. فهد ناظر وجه السفارة السعودية بواشنطن

فهد ناظر من الوجوه الجديدة للسعودية في واشنطن، وهو كاتب عمود في صحيفة «عرب نيوز» السعودية، وعمل مستشارًا في السفارة السعودية بواشنطن قبل أن يعيّن متحدثًا باسمها، وبالإضافة لكونه مواطنًا سعوديًا حصل الناظر على الجنسية الأمريكية في مارس 2012 لزواجه من سيدة أمريكية.

وسجلت قاعدة بيانات «فارا» عقدًا بين ناظر والسفارة السعودية بدأ نهاية عام 2016، قبل عمله بشكل رسمي بالسفارة، قدّم فيه خدمات علاقات عامة لتحسين صورة السعودية ودورها في حرب اليمن، وبموجب العقد، أعدَّ ناظر رسالة لتقدّم لأعضاء الكونجرس عن التبعات السلبية في حال قلصت أمريكا دعمها للسعودية باليمن.

ويعلّق الناظر في عدة مناسبات على قضايا تخص السعودية، وينشر مقالات دورية على مواقع إعلامية وبحثية مختلفة، منها مقالة على معهد الشرق الأوسط بعنوان «محمد بن سلمان والحملة لمكافحة التطرّف».

مشاركة لفهد ناظر يوضّح فيها الموقف السعودي من الأزمة الدبلوماسية مع إيران بعد إعدام نمر النمر، رجل الدين الشيعي السعودي.

ويتواصل مع ناظر بعض الصحافيين للتعليق على الأحداث المختلفة، فعلى سبيل المثال سجلت الوثائق تواصلًا لصحافيين من «واشنطن بوست» أضافوا تعليقاته لتقاريرهم.

وأثناء سنوات التعاقد كان ناظر يذكر عند خروجه على أي وسيلة إعلامية أنّه لا يتحدث «نيابة عن السفارة السعودية»، مع تلقيه 182 ألف دولار منذ 2016 وحتى يناير 2019 بشكل مباشر من السفارة، كما توضح وثائق وزارة العدل الأمريكية.

ومع انتهاء العقد، عُيّن ناظر بشكل رسمي متحدثًا باسم السفارة مطلع عام 2019.

سلمان الأنصاري يحلم بتأسيس «أيباك» سعودي

في السنوات الماضية ظهر اسم سلمان الأنصاري بتأسيسه للجنة العلاقات العامة السعودية الأمريكية «سابراك» في مارس 2016، ويأتي اسمها مشابهًا لاسم «أيباك»، لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية، وقد نشر الأنصاري في سبتمبر 2015 مقالًا على موقع «سي إن إن العربية»، يحكي فيه عن حلمه بتأسيس لوبي عربي على «الطريقة الإسرائيلية».

وفي 2016 نشر الأنصاري مقالًا آخر يتحدث فيه عن الدور الذي يمكن أن تلعبه إسرائيل في تحقيق رؤية 2030 لولي العهد السعودي. أشرف الأنصاري على عقد لتنفيذ حملة تشويهية ضد قطر إبان حصارها في يونيو 2017، سوّق الأنصاري في الحملة لوثائقي أنتجته الإمارات باسم «قطر وعلاقتها بالإرهاب».

واستأجر الأنصاري أيضًا مجموعة بوديستا للضغط السياسي، ذات النفوذ في الحزب الديمقراطي وقد عملت للسعودية على عدة ملفات، وفي هذا التعاقد القصير لثلاثة شهور نفّذت الشركة حملة إعلامية ضد قطر بلغت كلفتها 3 ملايين و262 ألف دولار أمريكي، وهو مبلغ باهظ في فترة زمنية قصيرة جدًا بحسب أسعار سوق اللوبيات.

سلمان الأنصاري – سابراك

من مدفوعات لجنة العلاقات العامة السعودية الأمريكية، «سابراك»، لمجموعة بوديستا للضغط السياسي، هذه النفقات مخصصة لحملة دعائية ضد قطر.

وفي سبتمبر وأكتوبر 2018 قدَّمت سابراك خدمات إعلامية لنشاط تطبيعي برعاية رابطة العالم الإسلامي في نيويورك، وفي هذه الخدمات تواصلت سابراك مع منظمات أمريكية مناصرة لإسرائيل، مثل اللجنة اليهودية الأمريكية، ومنتدى السياسات الإسرائيلية.

وقد صرّح الأنصاري أنه يموّل سابراك من ماله الخاص، تفاديًا لمسائلات قانونية أمريكية عن أنشطته في الضغط السياسي.

ومع إعلان المصالحة الخليجية في يناير 2021، شارك الأنصاري في مقابلة إعلامية قال فيها إنّ «جناحي الأمن القومي العربي السعودية والقاهرة» استطاعتا إنجاز ما تريدان من مقاطعة قطر، وأنّ قطر استُغلت من قبل أنظمة أخرى «لمشاريعها الظلامية»، ويؤمن الأنصاري أنه كان للرئيس الأمريكي السابق أوباما خطة «لشرق أوسط جديد» بالاعتماد «على تنظيم الإخوان» ويرى أن هذه الخطة «انتهت بلا رجعة».

ساسة بوست – عربي 21



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023