هاجم الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، في تقرير نشره في موقع ميدل إيست أي، تصنيف وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل، حركة حماس “منظمة إرهابية”، موضحا تداعيات ذلك.
واعتبر هيرست، أن إعلان حماس منظمة إرهابية ضربة لفرص السلام، وبمثابة إجبار باتيل الفلسطينيين على القبول بـ”حق إسرائيل في ممارسة الإرهاب ضد عائلاتهم”.
وشدد على أن “الحظر الذي تفرضه بريتي باتيل، وهو ما قاومه رئيس الوزراء السابق توني بلير في أوج الانتفاضة الثانية، يلحق ضررا هائلا بجهود البحث عن السلام في فلسطين”.
التقرير:
ما يحصل في العادة عندما يتم حظر حركات معينة باعتبارها إرهابية، أو عندما يُسعى لاستصدار أوامر باستبعاد أفراد معينين، فإن وزارة الداخلية البريطانية توصف إجراءاتها بشكل يتركها عرضة للتحدي القضائي.
وذلك هو حال المذكرة التفسيرية لوزارة الداخلية المرافقة للتعديل على قانون الإرهاب لعام 2000، والذي يحظر حركة حماس بأسرها في داخل بريطانيا. تقدم المذكرة ثلاثة أسباب فقط للحظر داخل بريطانيا، أسباب سياسية وعسكرية في نفس الوقت.
تقول المذكرة إن حماس شاركت في الإرهاب من خلال إطلاق ما يزيد عن أربعة آلاف صاروخ على إسرائيل بشكل عشوائي في شهر مايو من هذا العام، تسببت في قتل مدنيين، بما في ذلك طفلين اثنين. وتقول إن استخدام البالونات الحارقة كان عملاً إرهابياً تسبب في إشعال النيران في التجمعات السكانية في جنوب إسرائيل، وأن حماس جهزت الشباب في غزة لممارسة الإرهاب من خلال إدارة معسكرات للتدريب.
حتى لو قبلنا بهذه المزاعم بدون جدال (رغم أن ذلك أمر صعب، فقد قتل القصف الإسرائيلي لقطاع غزة 256 فلسطينياً، بما في ذلك 66 طفلاً، ناهيك عن أن المناهج الدراسية في إسرائيل لا تشير إلى الجيران على أنهم فلسطينيون وإنما عرب يتم الحديث عنهم إما كلاجئين أو فلاحين بدائيين أو إرهابيين)، فإن أياً من المزاعم المذكورة في الوثيقة لا تشير إلى أي نشاط جرى داخل بريطانيا نفسها.
لعل ما هو بارز في هذا الأمر هو أن هذه الوثيقة صادرة عن وزارة الداخلية وليس عن وزارة الخارجية – ومع ذلك فإن الأحداث التي تعطى لتبرير حظر حماس كحركة سياسية وقعت خارج بريطانيا، داخل فلسطين نفسها. ولا يوجد ذكر لمعاداة السامية أو أي نشاط من قبل حماس أو أي من أنصارها داخل بريطانيا يمكن أن يبرر مثل هذا الحظر.
رداً على استفسار موقع ميدل إيست آي، صرحت وزارة الداخلية قائلة إنه “تبعاً لتقييم جديد فقد قررت وزيرة الداخلية إنها {أي حماس} يجب أن تحظر بأسرها. وهذا الإجراء من شأنه أن يدعم الجهود التي تبذل لحماية الشعب البريطاني والمجتمع الدولي في الحرب العالمية ضد الإرهاب. وحماس مصنفة أصلاً بالكامل من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.”
ومضت وزارة الداخلية لتبين بأن الجناح العسكري لحركة حماس كان قد حُظر في شهر مارس من عام 2001 “لأن تقييم الحكومة آنذاك رأى التمييز بين الجناحين السياسي والعسكري للمجموعة. ولكن التقييم الحالي يرى بأن هذا التقسيم مصطنع، وذلك بسبب ضلوع حماس كمنظمة في ارتكاب أعمال إرهابية أو في المشاركة فيها أو الإعداد لها أو التشجيع عليها.”
وكانت وزيرة الداخلية بريتي باتيل قد قالت في خطاب لها الأسبوع الماضي أمام مؤسسة التراث: “ترتكب حماس الإرهاب وتشارك فيه وتعد له وتروج له وتشجع عليه. ولئن تسامحنا مع التطرف فإنه سيأتي على قلعة الأمن ويقوضها. لدى حماس قدرات كبيرة على ممارسة الإرهاب، بما في ذلك الحصول على أسلحة متطورة ومعقدة بالإضافة إلى امتلاكها مقرات تدريب على الإرهاب، ناهيك عن أنها ضالعة منذ وقت طويل في أعمال العنف الإرهابية.”
احتلال غير قانوني:
ومع ذلك تعترف الملاحظة التفسيرية، وإن كان بين قوسين، بالتغيرات التي طرأت على ميثاق حماس لعام 1988، وهي التغيرات التي اعترفت حماس بموجبها بحدود إسرائيل لعام 1967 بحكم الأمر الواقع ولم تعد تطالب بتدمير إسرائيل في ميثاقها. سوف يمكن هذا الاعتراف المحامين من القول أمام المحاكم البريطانية إن حماس لديها حق مشروع في الدفاع عن النفس ضد قوة تحتل فلسطين التاريخية بشكل غير قانوني.
إلا أن الملاحظة التفسيرية لوزارة الداخلية تدمر نفسها بنفسها إذ تعبر صراحة عن موقف منحاز تماماً في توصيف الأحداث التي وقعت في شهر مايو الماضي، إذ تسقط من حساباتها المدنيين الذين سفكت دماؤهم بأيدي القوات الإسرائيلية وكذلك الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى في القدس، والهجمات التي تنفذها عصابات من المستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين في المدن الإسرائيلية المختلطة، والهجمات التي استهدفت عشرات المباني داخل غزة، والتي دُمر بسببها ما يزيد عن 460 وحدة سكنية وتجارية.
ولقد كان بالفعل مثيراً للاهتمام النزر اليسير من الدعم الذي حظيت به وزيرة الداخلية من قبل وزارة الخارجية.
في مقابلة مع البي بي سي في نشرة الواحدة ظهراً من يوم الجمعة قال بيتر ريكيتس، الدبلوماسي السابق ورئيس لجنة الاستخبارات المشتركة في عهد رئيس الوزراء السابق طوني بلير، إن هذا الحظر بحق الجناح السياسي لحركة حماس لن يغير من السياسة الخارجية لبريطانيا، وأن حماس ينبغي أن تكون جزءاً من حل سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إلا أن ما لم يقله في مقابلته تلك هو أنه بدءاً من يوم الأربعاء، سوف يكون البحث عن حل سياسي أكثر تعقيداً بسبب هذا الحظر.
وذلك بالضبط ما عبرت عنه بصوت مرتفع ونبرة واضحة الفصائل الفلسطينية الأخرى، ليس أقلها حركة فتح، التي تعترف بإسرائيل. وهو نفس التحذير الذي صدر عن أعضاء البرلمان في الأردن.
نددت وزارة خارجية السلطة الفلسطينية بتصنيف حماس حركة إرهابية معتبرة أن ذلك يمثل “هجوماً غير مبرر على الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض لأبشع أشكال الاحتلال ولظلم تاريخي أسسه له وعد بلفور.” وأضافت السلطة الفلسطينية إن من شأن ذلك التصنيف أن يعيق السلام والجهود المبذولة لتمكين الهدنة وإعادة الإعمار في قطاع غزة.
تعزيز الوضع
من المعروف أن السلطة الفلسطينية ليست مغرمة بحركة حماس، فهي فصيل فلسطيني منافس لها يتمتع بقدر من الشرعية والشعبية داخل الضفة الغربية المحتلة يفوق بمراحل كبيرة ذلك الذي يتمتع به الرئيس الفلسطيني محمود عباس. إلا أن السلطة لم تجد مفراً من إصدار مثل ذلك البيان لعلمها بمدى ما تحظى به حماس من شعبية بين الفلسطينيين.
وذلك هو أيضاً تقييم جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، الشين بيت. ففي الفترة التي سبقت الموعد الذي كان مقرراً لإجراء الانتخابات هذا العام – وهي الانتخابات التي انتهى بها المطاف إلى التأجيل، بل في حقيقة الأمر إلى الإلغاء، بأمر من محمود عباس – هدد الشين بيت نشطاء حماس السياسيين بالاعتقال لمدد طويلة من الزمن فيما لو ترشحوا للانتخابات. لم تكن تلك تهديدات فارغة، فقد تم فعلاً في شهر فبراير الماضي اعتقال العشرات من كوادر حماس وقادتها، بما في ذلك أعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني ونشطاء في العمل الطلابي والنقابي.
ألغيت الانتخابات من قبل محمود عباس بحجة أن الفلسطينيين لا تسمح لهم إسرائيل بالإدلاء بأصواتهم داخل القدس. إلا أنه فيما لو أجريت الانتخابات لنال قائمة عباس الدمار الشامل، وذلك أن حركة فتح كانت ستنقسم إلى فصيلين متنافسين أو ربما إلى ثلاثة فصائل متنافسة، يرأس إحداها الأسير مروان برغوثي ويرأس الثانية المبعد محمد دحلان.
حماس نفسها لم يكن متوقعاً أن تحصل على نتائج جيدة كتلك التي حصلت عليها في عام 2006 عندما برزت كفصيل يحظى بالأغلبية في الضفة الغربية المحتلة وفي قطاع غزة. وبالفعل، كانت أوساط الحركة تشهد جدلاً شديداً حول الحكمة من المشاركة في الانتخابات، وذلك أن الظروف بمجملها لم تكن مواتية وما كانت لتعزز فرص حماس. إلا أن القيادة كانت محقة في تقدير أن عباس سيكون أول من يرمش، وقد أثبتت حسبتهم تلك أنهم كانوا على صواب.
على أية حال، تعزز وضعهم بشكل كبير بين الفلسطينيين بفضل قرار الجناح العسكري إطلاق وجبة من الصواريخ على القدس، وهو الإجراء الذي أشعل فتيل حرب مايو / أيار. وبينما تجمدت فتح في وجه الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى من قبل الشرطة الإسرائيلية، بدت حماس في أعين المقدسيين والفلسطينيين داخل إسرائيل وفي الضفة الغربية الجهة التي تبادر بعمل شيء لمقاومة الاحتلال.
وهذا أمر لا يبدو أن إسرائيل تفهمه ولا باتيل، ولا يفهمه اللوبي المؤيد لإسرائيل في بريطانيا.
تأييد سياسي واسع
تحظى حماس بدعم كثير من الفلسطينيين ممن لا يفضلون بالضرورة المقاومة المسلحة ولا الصواريخ ولا القنابل الانتحارية. بل وتحظى كذلك بدعم كثير من العائلات الفلسطينية المسيحية في بيت لحم.
لماذا؟ لأن حماس حسبما يرون ليست فاسدة مثل فتح والسلطة الفلسطينية، ولم تعترف بإسرائيل، ولا تفتح أبواب الضفة الغربية كل مساء للقوات الإسرائيلية لتجول فيها وتصول، أضف إلى كل ذلك أنها تقاوم الاحتلال. تلك هي وجهة نظر كثير من الفلسطينيين، سواء من العلمانيين أو من المتدينين الذين لا يعتبرون أنفسهم إسلاميين. وهو أيضاً رأي كثير من الفلسطينيين ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية والذين يعيشون في الأراضي التي قامت عليها إسرائيل في عام 1948.
بالطبع هناك كثيرون ممن لا يؤيدونها، بل وثمة حزب إسلامي يدعم الحكومة الإسرائيلية. ولكن تبقى الحقيقة التي لا مناص منها، ألا وهي أن حماس تحظى بدعم يتجاوز غزة نفسها. سواء أحبت باتيل ووزارة الداخلية ذلك أم لا، تلك هي حقيقة الواقع في الضفة الغربية المحتلة.
يقلق هذا الدعم الواسع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. تظن إسرائيل بأن بإمكانها التعامل مع حماس بالذات كمنظمة مسلحة، ومن هنا يأتي القلق الذي تسببه المقاومة السلمية أو غير العنيفة. وذلك ما يفسر الجهود الهائلة التي تبذلها فرق استخبارات الإشارة النخبوية في إسرائيل، أو ما يعرف بالوحدة 8200، وكذلك من قبل الشين بيت، للتنصت على المحادثات واعتراضها في محاولة لإيجاد أذرع يمكن أن تستخدم كمخبرين – للتبليغ عن تفاصيل الخيانات الزوجية، وعن الديون، وعن المسالك المنحرفة مثل الشذوذ– وكل ما يمكن استخدامه لتمزيق نسيج المجتمع الفلسطيني.
بالنسبة لهؤلاء الفلسطينيين، لقد بعثت بريتي باتيل وبريطانيا برسالة مفادها: بإمكانكم أن تحظوا بالديمقراطية شريطة أن تصوتوا للحزب الصحيح، وطالما أن الحزب الذي تصوتون له يقبل بحق القوات الإسرائيلية في ممارسة الإرهاب ضد منازلكم وعائلاتكم كل ليلة.
كما تفيد الرسالة بأن أي خيار يشتمل على مقاومة الاحتلال فهو مرفوض ولن يوضع على الطاولة. أما إذا اخترتم عدم العنف، مثل المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات (بي دي إس)، فلسوف توصمون بمعاداة السامية. واعلموا أنه مهما عملت إسرائيل فلا يجوز معاقبتها. وأياً كان الذي تقوم به إسرائيل فإنه لا يجوز مقاضاتها من قبل المحكمة الجنائية الدولية لارتكابها جرائم حرب، علماً بأن التحقيقات الحالية التي تجريها المحكمة تعرضت للإدانة من قبل الولايات المتحدة ومن قبل بريطانيا.
تعميق الصراع
إذن، ما الذي يمكنك بالضبط أن تفعله لو كنت فلسطينياً يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية أو القدس الشرقية أو في قطاع غزة؟ أما بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في الشتات، وبشكل خاص في بريطانيا، فإن هذا الإجراء يبعث برسالة أكثر ضرراً من ذلك.
بالضبط، وكما تم التنبؤ به عندما وُسّع نطاق معاداة السامية من خلال “التعريف العملي”، والذي يتضمن أمثلة مثل تحميل اليهود جماعياً المسؤولية عن تصرفات دولة إسرائيل، فقد تم تقليص قدرة أي شخص داخل بريطانيا على دعم القضية الفلسطينية.
حاول تنظيم معرض ولسوف تجد صعوبة بالغة في إيجاد مكان تقيمه فيه. نظم لقاء داخل جامعة، ولسوف تراقب عن كثب من قبل “بريفنت”. وقد تستهدف عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتتهم بمعاداة السامية وقد تفقد بسبب ذلك وظيفتك. والآن، قد تتهم بأنك تدعم منظمة محظورة وقد تسجن بسبب ذلك لأربعة عشر عاماً، وقد تخسر جنسيتك ولا تجد سبيلاً للاعتراض أو الاستئناف ضد القرار أمام أي محكمة من المحاكم.
لن يحل أي من ذلك الصراع، بل كل ما سيفعله هو أنه سيعمقه. لقد أقدمت باتيل على ما لم يقدم عليه حتى بلير، رغم كل ما يكنه من بغض للإسلام السياسي.
فهذا بلير، الذي عقد سبع جولات من المفاوضات مع خالد مشعل، الذي كان حينها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في الدوحة في عام 2015، يعرب عن أسفه بعد ذلك بعامين لأن بريطانيا والبلدان الغربية أقصت حماس عن طاولة المفاوضات ودعمت حصار إسرائيل لقطاع غزة، ويقر أيضاً بأن بريطانيا حافظت على حوار غير رسمي مع الحركة.
تلك هي المقاربة التي تحل النزاعات، ولا أدل على ذلك من أن طوني بلير وسلفه جون ميجر كلاهما استخدما هذه المقاربة في التوصل إلى السلام في إيرلندا الشمالية. لقد تحدثا مع الجيش الجمهوري الإيرلندي (الآي آر إيه)، وقاما بذلك بشكل مباشر.
أما رئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر – والتي تعتبر باتيل من أشد المعجبين بها – فهي التي فقدت مصداقيتها في هذا المجال. لا ينسى لثاتشر وقوفها أمام قمة الكمونويلث المنعقدة في فانكوفر بكندا في عام 1987 لتقول: “عدد كبير من زعماء المؤتمر الوطني الأفريقي هم من الشيوعيين … وعندما يقول المؤتمر الوطني الأفريقي إنه سوف يستهدف الشركات البريطانية، فهذا يثبت أنه منظمة إرهابية بكل ما تعنيه الكلمة. لقد قاتلت الإرهاب طوال حياتي … ولن يكون لي أي علاقة مع أي منظمة تمارس العنف. لم يحصل أن التقيت أحداً من المؤتمر الوطني الأفريقي ولا من منظمة التحرير الفلسطينية ولا من الجيش الجمهوري الإيرلندي، ولن أفعل بتاتاً.” وانظر ما الذي جرى للمؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا، أو للشين فين على جانبي الحدود اليوم.
إن الحظر الذي تفرضه باتيل، وهو ما قاومه بلير في أوج الانتفاضة الثانية، يلحق ضرراً هائلاً بجهود البحث عن السلام في فلسطين.