قال الدكتور سيف عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية، في حوار خاص مع شبكة «رصد»، إن ثورة 25 يناير بنيت على عوامل عدة ناتجة عن تراكمات، وانفجرت في لحظة تاريخية ليبرز تجليها الأعظم يوم جمعة الغضب 28 يناير.
وأضاف الدكتور سيف عبد الفتاح في حواره أن التغيير الكبير قادم لا محالة، وأن الثورة أداة لهذا التغيير والسؤال هل سيكون فجأة أم ستسبقه إرهاصات كما سبقت أحداث الربيع العربي.
وفيما يلي نص الحوار:
في البداية نرحب بالدكتور سيف عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية ليعرض لنا رأيه في ثورة 25 يناير، التي انطلقت منذ 11 عاما، ونحتفل بذكراها في هذه الأيام وسط متغيرات غير مسبوقة في مصر والعالم العربي.
في الذكرى الـ11 لثورة 25 يناير 2011، برأيك ما هي العوامل التي فجرت ثورة 25 يناير؟
الحديث عن العوامل التي فجرت ثورة يناير كثيرة ولا بد أن نعود بالذاكرة للأحداث التي سبقتها، فكان هناك أحداث مباشرة كاشفة لا منشئة لهذه الثورة، والتي تراكمت بعدما حكم الرئيس المخلوع مبارك مصر أكثر من 30 عاما.
هناك عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية، وهناك عوامل متعلقة بالمنظومة الاستبدادية التي تغولت على المواطن بشكل كبير، نظن أن هذه العوامل التي اجتمعت هي التي فجرت الحدث في 2011.
وهناك من يفسرون الثورات بأنها علامة على شعور الشعب بالحرمان النسبي، بمعنى وعيه بأنه محروم من حقوقه، وأن الطريق الذي سيعمل لنيل حقوقه سيكون عبر الثورة.
وشرط الوعي من أهم محددات قيام الثورات، ومن ثم ثورة 25 يناير، التي توفرت فيها كل تلك العوامل، وتجلت في يوم جمعة الغضب 28 يناير، وظهرت فيها حالة شعبية بامتياز وثورة متنوعة في الميادين.
فقد تراكمت الأسباب واجتمعت الفئات الشبابية والنخبة بالإضافة للشروط التي جعلت هناك 18 يوما من حالة “المدينة الفاضلة” في ميدان التحرير.
هل يمكن أن تجتمع تلك الأسباب مرة أخرى؟
الأمر المؤكد أن الثورات لا تستنسخ حتى الحدث الثوري لا يتكرر بنفس مشاهده ولا بنفس أدواته وفي حقيقة الأمر أن الحدث الثوري ليس بمزاج أحد ولا بتوقيت أحد ويرتبط بعوامل تتجمع واستئناف الثورة أصعب بكثير من بداية الثورة.
التغيير الكبير قادم لا محالة والثورة أداة لهذا التغيير والسؤال هل سيكون فجأة أم ستسبقه إرهاصات كما سبقت ذلك أحداث الربيع العربي، هذا ما سيحدده الوقت.
الثورة ليست جولة وإنما جولات ومعركة كبيرة ومن ثم تخاض فيها معارك صغيرة حتى يحدث تغيير استراتيجي الكبير عبر تراكم العوامل المتعلقة به.
ما هو الطريق الذي كان يمكن أن يجعل نتائج الثورة أفضل من النتائج الحالية من وجهة نظرك؟
الثورات أحدثت زلزالا مهما عبر عن أشواق الشعوب في التغيير، وأنها تعتبر رقما صعبا والتغيير الثوري لا يمكن تحاشيه ما دامت العوامل موجودة.
ولا يمكن العودة للوراء وأن ترجع الأحداث لما قبل 2011 أو قبل الثورة التونسية، الأمر لم يعد كما كان، أما أشواق التغيير فهي كائنة وكامنة، والمسائل المتعلقة بتفجر الثورات فهي في الأفق تلوح وفي القلوب تسكن.
أما كل المسائل التي تتعلق بشروط الثورة الجيدة فهي تتضمن الوعي الآني، والوعي المستدام ليس حالة بنت اليوم ولا الأمس بل هو حالة دائمة تتطلب خطابا يربط بين النخبة والجماهير يقوم على مسألة التغيير الحقيقي.
الوضع الأفضل للثورة يتحقق في تمكين الشباب ونخبة جديدة وقدرات أخرى و تعبئة للمشاعر في الإعداد للتغيير الكبير ندعو الله أن يكون التغيير لنا لا علينا.
بعد مرور 11 عاما على ثورة يناير هل نجحت الثورة؟
موضوع نجاح وفشل الثورات موضوع كبير ويتعلق بمسائل “إدارة المراحل الانتقالية”، التي تحتاج جهدا كبيرا ووعيا عظيما وسعيا جليلا، هذه الأمور التي تتعلق بهذه الثورات تؤكد على هذا البعد.
التدافع بين أهل الثورة وبين المضادين لها يستمر سنوات وبأدوات، ويجب أن ننتصر على الإحباط واليأس، وأن نتحرك بما هو في أيدينا لصناعة عملية التغيير وهندسته ولا أقول إن الثورات فشلت لكن الثورة بقيت كامنة وهذا في حد ذاته نجاح.
منحنى الثورة يصعد بالتدريج مرة أخرى في دورة جديدة، لها معاييرها وأدواتها المبتكرة التي يجب على أهل التغيير أن يدركوها، وأول تلك الأدوات هو نهوض الشباب وأن لا نجعله يقع في حالة إحباط أو يأس.
الثورة مازالت موجودة ولكن في حالة كمون تعطي احتمالا أن هناك حالة ثورية قد تقوم وهناك 3 مفاصل للثورة وهي الثورة وأصحاب الثورة، والمضادون للثورة، الذين يقفون ضدها، ويقومون بكل عمل ضد عملية التغيير قبل أن تقوم وبعد أن قيامها.
التمكين للثورات يجب أن يكون بوضع استراتيجيات لمفاصل الثورة الثلاثة “حماية الثورة” ومواجهة المضادين للثورات في الداخل والإقليم والخارج وكذلك ثورة التوقعات وإدارة الظهير الشعبي للثورات، ويجب أن لا نتخلى عن الناس بل أن نذهب إليهم ونلبي احتياجاتهم، ويجب أن تبصر الشعوب أن عملية التغيير ليست سهلة، ولا بد أن يكون له تكلفة، ويجب أن تتم بوعي الشعوب وأدوات الشعوب.
هل تغيرت رؤيتك للثورة بعد كل ما حدث؟
لم تتغير رؤيتنا للثورة الثورة ليست جولة وليست مسألة عابرة تقوم بين عشية وضحاها بل يجب أن ننشئ المجتمع العميق الواعي في مواجهة الدولة العميقة التي تمكن للثورة المضادة.
ما الجرم الأكبر الذي فجر الثورة ضد مبارك وهل تكرر بعد عهده؟
الجرم الأكبر الذي ارتكبه مبارك يرتكبه النظام الحالي، وهو الاستهانة بالشعوب، دائما يقللون من الشعب، هل لاحظتم تعبيرات السيسي، كلها انتقاص من هذا الشعب.
المستبد عندما يستخف بشعبه فهو في أعلى مراحل الاستبداد والطغيان، وأعلى مراحل الاستبداد تصنع الغضب بين الشعب، الاستخفاف بالشعوب هو من يعمل انسداد بالأفق السياسي، والاستهانة بحياة الناس ومعاشهم وكرامتهم وحريتهم واستمرارهم وكيانهم ،هذه المسألة خطيرة جدا ولو أحببنا تعديد مؤشرات الاستخفاف كانت بالمئات.
والمشاهد التي كانت موجودة في نظام مبارك كاستثناء أصبحت حاليا منظومة للحياة اليومية في مصر عند نظام السيسي البوليسي الفاشل، والذي لا سقف له، كان هناك سقف في عهد عبد الناصر ومبارك لكن حاليا لا وجود لذلك.
ما رأيك في تحذير السيسي المتكرر من التغيير وهجومه على ثورة 25 يناير؟
تحذير السيسي المتكرر من قيام الشعب للتغيير يعني أنه ونظامه لا يزالان مسكونين بهاجس الثورة والتغيير ويتخوفان منه، وهذا الهاجس هو من يقض المضاجع ويجعل السلطة تشوه يناير وأيام الثورة والثوار عبر اعتقالهم ومطاردتهم.
ويؤكد لكم أن التغيير قادم لا محالة والثورة ليست بسماح أحد و ليست وليدة اللحظة بل عبر تراكم الأمور والعوامل، والتي ستؤدي في النهاية إلى التغيير، هي كامنة وباقية.
كيف ترى مستقبل مصر خاصة مع سياسات السيسي الاقتصادية والاجتماعية؟
الحديث عن المستقبل مبني هل نحن قادرون على إدارة التغيير القادم وعلى بناء الأدوات والوسائل للتمكين، لهذا التغيير وإحداث البديل لصناعة المستقبل وهي أقرب للسنن والشروط منها للأماني والتمنيات.
والنظر للمستقبل يحتاج عملا كبيرا والجلوس مع بعضنا لهندسة التغيير القادم لمصلحتنا ومصلحة إرادة الشعوب، عبر تمكين الشباب ونخبة جديدة ورؤية أخرى وخطاب جديد ويجب أن نجلس لوضع استراتيجية الخروج من الوضع الحالي لحالة التغيير المنشود.
هل من كلمة أخيرة؟
كلمتي الأخيرة هي أن الثورة قائمة وباقية وكامنة وأؤكد لكم أن المسألة ليست أن أرى ثمار الثورة في حياة عيني، ولكن قد أراها في أولادي وأولاد أولادي.
ويجب على شبابنا أن يعملوا على توريث عملية التغيير وتوريث حالة الثورة والتي تعتبر أشرف حدث في مصر الحديثة والمعاصرة، ونحن قادرون على التغيير وبشروط “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” “ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة”.