شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

ديفيد هيرست: ماذا ستفعل أبو ظبي في حال خسارة حليفها «حميدتي» للحرب؟

تحدث الكاتب والصحفي البريطاني «ديفيد هيرست» عن الصراع الدائر في السودان، ودور الإمارات فيه، وأهدافها من وراء دعم “حميدتي” في مواجهة البرهان.

وأشار هيرست في مقال له ترجمته «عربي21» إلى موقف الإمارات وخياراتها المتاحة حال خسارة حميدتي في الحرب، متسائلا عن مدى التزامها بادعاءات تغيير استراتيجيتها القائمة على دعم الانقلابات العسكرية بالمنطقة، لصالح انتهاج الاستثمار والتجارة لمد نفوذها.

وتاليا نص مقال ديفيد هيرست:

كيف تحول مجرم حرب، أنزلت ميليشياته الرعب بساحة دارفور، حيث كانت تقتل الرجال صدمًا بالشاحنات الصغيرة وتغتصب النساء باسم الجهاد، إلى واحد من أبطال الثورة السودانية؟

حسنًا.. تحتاج من أجل ذلك إلى المال

أعلنت وكالة العلاقات العامة البريطانية، التي أشاهد مقرها وأنا جالس أكتب هذه الكلمات، أنها تتقاضي من كل واحد من زبائنها ما 125 ألف دولار و156 ألف دولار كرسوم شهرية. بالطبع هذا لا يعتبر مبلغاً ذا بال بالنسبة للجنرال محمد حمدان دقلو.

يقدر السياسي السوداني مبارك الفاضل، والذي حاول حميدتي كسب دعم حزبه له، بأن ثروة حميدتي تصل إلى 7 مليارات دولار من تجارة الذهب التي يديرها بين السودان والإمارات العربية المتحدة وروسيا. بل بلغ الأمر بالفاضل أن يذكر اسم البنك الإماراتي الذي يزعم بأن حميدتي يودع فيه أمواله.
وتحتاج أيضاً إلى القابلية للإنكار.

وذلك يعني “أننا نعمل بتكتم وبشكل نحافظ فيه على الخصوصية. ولا نكشف عن هوية من يتعاملون معنا. إذا بحثت عنا في غوغل فسوف تجد صعوبة بالغة في التعرف على عملائنا. لسنا شركة مساهمة، ولذلك لا نتعرض لضغوط ناجمة عن تأرجح أسعار الأسهم أو عن النشاط الذي يمارسه مالكو الأسهم”.

وتمضي وكالة العلاقات العامة في القول إن العسكر في السودان يساء فهمهم كثيراً هنا في الغرب.

وتقول: “الانطباع العام عن العسكر أنهم يتراوحون بين المحايد والسالب، بينما في واقع الأمر، العسكر هم الذين ساعدوا في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، وما كان للسودان أن يبدأ من جديد لولا الدور الذي لعبه العسكر بهذا الشأن”.

وتمضي لتقول إن الضحية الأكبر لسوء الفهم هو ذلك الدور الذي يقوم به زبونهم حميدتي. وتقول: “تنزع وسائل الإعلام نحو التركيز على الماضي، بينما دوره فيما يجري حالياً وفيما يتوقع له مستقبلاً أهم بكثير. ولذلك فإننا نسعى لإعادة التوازن للانطباع حول العسكر بحيث يتراوح ما بين محايد وإيجابي”.

كان هذا النص قد كُتب قبل ثلاث سنين عندما كان عبد الفتاح البرهان وحميدتي يقودان الأعضاء العسكريين داخل مجلس السيادة الذي تشكل في شهر أغسطس من عام 2019، قبل عام من تزعم البرهان للانقلاب العسكري الذي وقع في أكتوبر من عام 2021.

هجوم أعد له بعناية

حينها كان حميدتي منشغلاً بالتخطيط لخطوته القادمة. بينما كانت تحترق في ذاكرة السودان حادثة إطلاق قوات الدعم السريع النار على النشطاء المطالبين بالديمقراطية في مذبحة الخرطوم في شهر يونيو / حزيران من عام 2019، انهمك حميدتي في إعادة تصنيع نفسه أمام وسائل الإعلام الغربية الساذجة باعتباره مناضلاً من أجل الحرية.

ما ذكرته وكالة العلاقات العامة كتب بعد سبعة شهور من المذبحة. ولكنهم كانوا في ذلك يقتدون بالنموذج الذي سنته لهم الأجهزة الدبلوماسية في الغرب. ففي شهر إبريل من عام 2019، سارع سفراء كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي لمصافحة حميدتي في تفضيل له على البرهان، العسكري الذي لم يكن يعرف عنه الكثير.

لم يكن القتال الذي انفجر في الخامس عشر من إبريل شجارًا عفويًا نشب بين قائدين عسكريين أخفقا في الاتفاق على من تكون بيده مقاليد الأمور. لئن ثبتت صحة المعطيات التي توفرت لدى موقع ميدل إيست آي، فإن ذلك كان هجوماً أعد له بعناية فائقة.

كان حميدتي قد نصب مدافع مضادة للطيران داخل الخرطوم، مما دفع زملاءه في القوات المسلحة السودانية إلى التساؤل: لماذا وضد من؟

انطلق هجوم قوات الدعم السريع في العديد من المواقع وبشكل متزامن: في محيط سكن البرهان، وعند المقر الرئيسي للمخابرات، وعند مقر قيادة الجيش، وكلها على مرمى حجر من مطار الخرطوم، وفي مطارات مروي والعبيده، وعلى المقر الرئيسي للجيش في نيالا في جنوب دارفور وفي الفاشر في شمال دارفور، وفي مدينة بور سودان.

مات ما لا يقل عن 35 شخصاً أثناء محاولة قتل أو أسر البرهان، بحسب ما صرحت به مصادر القوات المسلحة السودانية لموقع ميدل إيست آي. وحتى كتابة هذا التقرير، كانت قوات الدعم السريع ماتزال تحتجز رهائن داخل مبنى المقر الرئيسي للمخابرات، بحسب ما قيل لموقع ميدل إيست آي.
يتفق الفاضل مع هذا التقييم، فقد كتب يقول: “لم يكن كل هذا الهجوم مجرد رد فعل على الخلاف بين حميدتي والبرهان حول دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة. بل كان جزءاً من مخطط كبير من ثلاث شعب غايته الاستيلاء على السلطة في السودان بتشجيع من قوى أجنبية”.

فمن هي هذه القوى الأجنبية؟

في سبتمبر 2021، بدأت الإمارات العربية المتحدة في التراجع والسير في اتجاه معاكس تماماً، حيث انتهج محمد بن زايد سياسة للتقارب مع أشد منافسي الرئيس الإماراتي في المنطقة: تركيا وقطر.

بدأت الإمارات العربية المتحدة ما زعمت أنه “تقييم استراتيجي” لسياستها السابقة في تمويل وتنظيم الانقلابات العسكرية أو المحاولات الانقلابية في كل من اليمن وسوريا ومصر وليبيا وتونس. فما هو العائد الذي كانت تجنيه من استثمارها؟ بالتأكيد لا شيء من عبد الفتاح السيسي أو خليفة حفتر ومن على شاكلتهما، ممن تسببوا في خسائر فادحة لمموليهم في الخليج.

وادعت الإمارات أنها من الآن فصاعداً سوف تسعى لمد نفوذها من خلال التجارة بدلاً من الانقلابات. ولكن هل فعلاً بدل النمر جلده؟ وجهت هذا السؤال إلى مسؤول في الشرق الأوسط لديه اطلاع جيد حول الكيفية التي يعمل بها الأشقاء الثلاثة محمد وطحنون ومنصور أولاد زايد، فأجاب: “لا، ولكن قد يغيروا من أساليب عملهم”.

ساورتني شكوك بشأن الفكرة القائلة بأن الإمارات العربية المتحدة قررت الإقلاع إلى غير رجعة عن القوة الصلبة لصالح بديلها الأنعم. ولقد أثبت السودان أنه ليس استثناء على القاعدة. إذ ليس من المعقول أن يكون حميدتي قد شن محاولته الانقلابية على البرهان دون أن يحصل على الضوء الأخضر من أبوظبي.

أمواله مودعة هناك، بنكه موجود هناك. وحسابه على الفيسبوك يتم تشغيله من هناك. ومعامل تكرير الذهب الأحد عشر في الإمارات العربية المتحدة هي محور تجارة حميدتي من صهر الذهب المسروق من مناجم السودان إلى غسيل المعدن الثمين في الأسواق الدولية عبر سوق الذهب.
لدى منصور بن زايد، نائب الرئيس، الكثير جداً من أدوات التحكم والضغط على حميدتي، فلا يعقل أن يأمن على نفسه لو أسخطهم. ولربما يكون محمد بن زايد قد راهن على أن بإمكانه أن يستفيد من الفوضى الحادثة في السودان سواء نجح حميدتي في إزاحة البرهان أو لم ينجح.

أو لعله تم إقناعه، كما حصل بالفعل في حالة حفتر في وقت ما، بأن هذا سيكون انقلاباً سريعاً ونظيفاً يتم الانتهاء منه خلال ساعات. أين سمعنا هذه الكلمات من قبل؟ ولكن حميدتي وحفتر، كلاهما، كانا قاب قوسين أو أدنى من النجاح.

ما من شك في أن الدعم الواضح من قبل الإمارات العربية المتحدة لحميدتي وضع مصر، أقرب جار من السودان الذي كان قبل ما يزيد عن قرن بقليل تابعاً لها، في مأزق. جيش مصر وجيش السودان منحوتان من نفس الجذع، والعلاقات المؤسساتية بينهما تربط فيما بينهما بشكل وثيق.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023