شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

أسامة جاويش: درس جنوب أفريقيا وبلادة العالم العربي

جنوب أفريقيا تقاضي «إسرائيل» بتهمة الإبادة الجماعية في غزة أمام محكمة العدل الدولية.. كان هذا هو العنوان الرئيس لكافة المواقع الإخبارية ووكالات الأنباء العالمية في الأيام الماضية، فالدولة الأفريقية التي تبعد عن قطاع غزة آلاف الأميال قررت أن تعطي حكام الدول العربية وشعوبها درسا في الإنسانية.

 
جنوب أفريقيا ليست دولة عربية، ليست عضوا في الجامعة العربية أو في منظمة التعاون الإسلامي، لا تربطها مع قطاع غزة أي حدود جغرافية، ومع ذلك أبت إلا وأن تكون ضوءا في نهاية هذا النفق المظلم الذي يعاني بداخله أكثر من إثنين مليون إنسان فلسطيني.
 
«إسرائيل» التي هاجمت جنوب أفريقيا في بداية الأمر، ثم قللت من أهمية هذه الدعوى وهذا التحرك القانوني، عادت وتعاملت مع الأمر بجدية تامة وأعلنت مثولها أمام محكمة العدل الدولية للتحقيق في تهم ارتكاب الإبادة الجماعية في حق الفلسطينيين داخل قطاع غزة.
كلفت الحكومة «الإسرائيلية» واحدا من أشهر المحامين في العالم لتمثيلها أمام محكمة العدل الدولية، وهو المحامي اليهودي الأصل الصهيوني آلان ديرشوفيتز، وهو الذي تم اتهامه مؤخرا في قائمة عملاء جيفري إبستين في قضية الاتجار بالجنس وممارسة الجنس مع القاصرات.
 
على النقيض، مارس العالم العربي على الصعيد الرسمي بلادة غير مسبوقة في التعاطي مع تحرك جنوب أفريقيا، فلم تصدر أي دولة عربية أي بيان رسمي أو دعم معلن لهذا الحراك القانوني الذي من شأنه إيقاف العدوان «الإسرائيلي» على قطاع غزة.
 
الدولة الوحيدة التي أعلنت تأييده «متأخرا» هي المملكة الأردنية؛ على لسان وزير خارجيتها الذي أعلن دعم بلاده لهذا التحرك، وسبقتها في ذلك دول إسلامية مثل ماليزيا وتركيا، ولكن بقية الأنظمة والحكومات العربية تحلت بالصمت والبلادة التامة.
 
ربما كانت حكومات العالم العربي مشغولة بإنقاذ الشعب الفلسطيني بطرق أخرى غير التي قامت بها جنوب أفريقيا، فهل هذا صحيح؟
 
في مصر، الجارة الأقرب جغرافيا لقطاع غزة، المسؤولة تاريخيا عن القطاع قبل احتلاله في يونيو 1967، والتي يرتبط أمنها القومي مباشرة بأي تغير أو عدوان في قطاع غزة، الشقيقة الكبرى والدولة العربية الأهم إقليميا أو هكذا كانت في عصور سابقة، يبدو أنها مشغولة بدعم خاص لقطاع غزة.
 
النظام المصري يغلق معبر رفح تماما، لا يستطيع إدخال أي مساعدات دون إذن «إسرائيلي» وفقا لما أعلنه سامح شكري وزير الخارجية المصري في مقابلة تلفزيونية سابقة مع شبكة سي إن إن الأميركية.
 
مصر لا تستقبل عددا كافيا من الجرحى الفلسطينيين، الأمر الذي دفع مدير القطاع الطبي في غزة منير البرش لأن يطالب بإغلاق المعبر تماما حتى لا يحسب على أهل غزة بإنه مفتوح.
 
تسعة آلاف مصاب فلسطيني استشهدوا بسبب تعنت السلطات المصرية في استقبالهم عبر معبر رفح لتلقي العلاج في المستشفيات المصرية، وفقا لبيانات صادرة عن المكتب الحكومي الفلسطيني في قطاع غزة.
 
«إسرائيل» هددت أكثر من مرة بالسيطرة على محور فيلادلفيا في مخالفة صريحة لملحق أمني تابع لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر و«إسرائيل»، فكان الرد الرسمي المصري هو نقل كافة أبراج المراقبة على الحدود المصرية من كرم أبو سالم بامتداد محور فيلادلفيا إلى الداخل المصري غربا في سيناء، وفقا لما وثقته مؤسسة سيناء الحقوقية.
 
النظام المصري لم يستطع دعم جنوب أفريقيا في حراكها القانوني ضد «إسرائيل» لأنه كان مشغولا باعتقال من تظاهروا دعما لقطاع غزة ورفضا للعدوان في الميادين المصرية، وتمت إحالتهم للنيابة العامة ومحاكمتهم بتهمة الانتماء لجماعة محظورة.
سعوديا، لم يختلف الأمر كثيرا، يبدو أن ولي العهد السعودي محمد من سلمان وصديقه رئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ لم يسمعا عن حراك جنوب أفريقيا، والسبب هو ارتفاع الأصوات الصاخبة في حفلات موسم الرياض والتي كانت على ما يبدو أعلى صوتا وصخبا من أصوات القصف الإسرائيلي المستمر لقطاع غزة منذ ثلاثة أشهر.
 
في الأردن كانت البضائع الأردنية تغزو الأسواق «الإسرائيلية»، اختفت الخضروات في السوق الأردني وارتفعت أسعار بعض المواد الغذائية ليفاجأ المواطن الأردني بأن بلاده تصدرها للاحتلال الذي يرتكب المذابح بحق الفلسطينيين.
 
الإمارات لم تجد وقتا كافيا هي الأخرى لدعم جنوب أفريقيا، فكل وقتها وجهودها كانت موجهة لإتمام الجسر البري المحمل بالبضائع والذي يبدأ من دبي مرورا بالسعودية والأردن وصولا لـ «إسرائيل» عبر شركة مصرية.
 
درس جنوب أفريقيا كشف بلادة العالم العربي بحكامه وملوكه وأمرائه، وأكد حقيقة أن الانتصار للإنسانية وحرية الشعوب لا علاقة له بحدود جعرافية أو ديانة أو عرق أو جنسية، يكفيك فقط أن تكون إنسانا.

الإعلامي.. أسامة جاويش



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023