أثارت ظاهرة تحول الأميركيين للإسلام بصورة متزايدة في الولايات المتحدة في العقود الأخيرة، تساؤلات في الإعلام العبري، حتى أوشك أن يصبح ثاني أكبر دين في البلاد، ورغم أن التحول للإسلام في الولايات المتحدة يعد ظاهرة تاريخية، تحدث منذ القرن الماضي، لكن من الواضح أن أحداث 11 سبتمبر 2001، والعدوان على غزة 2023 عززا الظاهرة.
ورأت صحيفة إسرائيل اليوم أن أجزاء من الجمهور الأمريكي من غير المبالين تماما بمسألة الدين، بات لديهم فضول باتجاهه، مرورا بالتعاطف العام معه، وصولا لاعتناقه بصورة نهائية.
إلعاد بن دافيد الخبير في شؤون الإسلام بجامعة بار إيلان، والباحث بمنتدى التفكير الإقليمي، ذكر أن “حرب غزة لعبت دورا في تعزيز مكانة الإسلام في الولايات المتحدة الأمريكية، واكتسبت ظاهرة الأسلمة الأمريكية التي بدأت تتصاعد منذ 11 سبتمبر مزيدا من القوة والزخم، حتى جعلت الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الرائدة في الغرب في اعتناق الإسلام، مع العلم أن الحرب التي شنتها دولة الاحتلال على غزة أشعلت خطابًا غير مسبوق معاديا للصهيونية بين العديد من المسلمين في الغرب”.
وأضاف في مقال نشرته صحيفة إسرائيل اليوم، أنه “كجزء من التحريض ضد إسرائيل، رفض العديد من الزعماء الدينيين الأمريكيين التنديد صراحة بهجوم حماس في السابع من أكتوبر، واختاروا التركيز على معاناة الفلسطينيين في غزة، وبعيدًا عن هذا الخطاب، فيبدو أنها المرة الأولى التي لا يؤدي فيها نضال المسلمين من أجل الفلسطينيين لتعزيز مكانة الإسلام والمسلمين في الغرب فحسب، بل يصنفهم أيضًا بشكل إيجابي على أنهم يقاتلون من أجل العدالة وضد الظلم الذي تمثله دولة الاحتلال الإسرائيلي”.
وأشار إلى أن “الواقع الذي يتقوى فيه الإسلام في أمريكا ليس جديدا، فمنذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر، بدأت أجزاء كثيرة من الجالية المسلمة الأمريكية في تعظيم قوتها الاجتماعية والسياسية والإعلامية، من أجل حماية أنفسهم من الهجمات العامة التي شنت ضد دينهم وجنسياتهم، وبدأ الدعاة والناشطون والمنظمات الإسلامية بوصف الإسلام بشكل إيجابي بأنه صانع للسلام، مع التركيز على هويتهم الأمريكية، وقد حول هذا الواقع أمريكا إلى ساحة تعمل منها أبرز الأصوات الإسلامية في الغرب ضد الظلم وانتهاكات حقوق الإنسان وقمع المسلمين”.
وأوضح أن “المسلمين الأمريكيين تزعموا النضال من أجل الفلسطينيين، وعلى عكس الحروب السابقة في غزة التي أدت لزيادة الخطاب المناهض لإسرائيل بينهم، لكن يوم السابع من أكتوبر مثّل نقطة تحول عززت مكانة الإسلام في الولايات المتحدة، لعدة أسباب رئيسية أهمها الخطاب السائد بين الجالية الإسلامية بشأن الهجوم، والانتقادات الموجهة لإدارة بايدن بسبب دعمها للاحتلال، وهو واقع قد يهدد ولاية أخرى له”.
وأضاف أنه “رغم أن القوة العددية للمسلمين بأمريكا صغيرة نسبيا، لكن مواقعهم وتأثيرهم في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان وبنسلفانيا وجورجيا تعمل على تعزيز نفوذ الصوت الإسلامي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، عبر انخراط مزيد من الطلاب الأمريكيين المسلمين في المظاهرات المتماهية مع النضال الفلسطيني من أجل غزة، بما يتردد صداه بقوة بين الدعاة المسلمين الذين تتم دعوتهم للجامعات المرموقة في الولايات المتحدة، ويعزز الشعور بالعدالة لدى الطلاب المتحمسين، ويؤكدون أنهم يقفون حاليا على “الجانب الصحيح” من التاريخ”.
وقال إن “هذه المشاركات أشعلت “الإلهام” في الأمريكيين لاعتناق الإسلام، مما وسع من ظاهرة الأسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية، وجعلها الدولة الرائدة في الغرب في اعتناق الإسلام الذي بات اليوم ثالث أكبر ديانة في الولايات المتحدة، بعد المسيحية واليهودية، ويبدو أنه سيصبح في العقود القادمة ثاني أكبر ديانة، مع أن أغلبية المسلمين من المسيحيين الأمريكيين والبيض والأمريكيين الأفارقة، حيث اعتنق مليون منهم الإسلام، فيما نجحت الحرب في غزة بتعزيز العناصر التي ترسخ صورة الإسلام ومكانته في الولايات المتحدة”.
وأوضح أن “هناك أشياء كثيرة تدفع الأمريكيين للانضمام إلى الإسلام, فمنذ 11 سبتمبر، بدأ الكثير من الجالية الأمريكية المسلمة في تعظيم قوتهم الاجتماعية والسياسية والإعلامية من أجل وسم الإسلام وارتباطهم بهويتهم الوطنية بطريقة إيجابية، وأدى هذا الواقع للربط بين الإسلام والقضايا الاجتماعية، مثل مكافحة أمراض الفقر والعنصرية والظلم العام، فيما يوصف الإسلام بأنه دين يناضل من أجل العدالة والحرية، ولذلك يحدث اليوم التماهي العميق مع غزة والفلسطينيين، وينقسم العالم إلى: الظالمين والمضطهدين، وهو وضع ثنائي يجذب بشكل خاص الشباب الذين يرتبطون بالنضال من أجل الضعفاء نحو الإسلام”.
وأكد أن” المسلمين الأمريكيين يقدمون الإسلام بأنه الدين الأول الذي يحارب العنصرية، لأنه عندما ظهر قبل 1400 عام، بشّر برسالة أن الجميع سواء أمام الله، كما يقول النبي محمد عليه السلام، وبموجبه لا أفضلية لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، مع أن هذه الرسائل ترتبط بشكل خاص بالمجتمع الأمريكي الأفريقي، الذي عانى من العنصرية المتميزة لأجيال عديدة، وتمنحه إحساسًا بالهوية والارتباط بالإسلام الجماعي الذي يحمي كرامة المرأة، ويعارض بشدة الفحشاء والإباحية المتفشية في الشوارع والشبكات، وتحظى هذه الرسائل بأهمية كبيرة لدى النساء التواقات للروحانية، ويشعرن بالاشمئزاز من الاختراقات والإباحة الجنسية المتزايدة”.
تكشف هذه القراءة الإسرائيلية أنه بحكم كونهم مواطنين في القوة الغربية الأكثر نفوذا وقوة في العالم، وقربهم من مراكز السلطة مثل الكونغرس والبيت الأبيض، فإن المسلمين الأمريكيين يجسدون إمكانات عالمية مؤثرة للغاية، على عكس غيرهم من المسلمين حول العالم، مما يحمل حتما تأثيرات جيو-سياسية كبيرة سلبية على دولة الاحتلال.
وبالتالي فإن التحول للإسلام في أمريكا يصاحبه تبني مشاعر معادية للصهيونية، ودعم للنضال الفلسطيني، وهو الواقع الذي أصبح ذا أهمية خاصة في الحقبة المعقدة التي أعقبت السابع من أكتوبر.