أعلنت مجموعة من الملحدين في مصر البدء في جمع توكيلات، من أجل إنشاء حزب أطلقوا عليه اسم “الحزب العلماني المصري”. وبحسب خبر، نشرته صحيفة الوطن التابعة للسلطة، يضم الحزب المقترح “العلمانيين واللادينيين والمفكرين الليبراليين، يدعون من خلاله إلى حرية العقيدة والإلحاد على حد سواء، وإلغاء الهوية الإسلامية لمصر من الدستور”.
وللتأكد مما نُشر، دخلت على صفحة الحزب في شبكة التواصل الاجتماعي، “فيسبوك”، فوجدت أن بعض الداعين إلى تأسيس الحزب يكذّبون ما نشرته الجريدة، ويؤكدون أن هناك حملة لتشويه محاولة إنشاء الحزب، حيث دخلت شخصيات عامة وإعلاميون على الخط، لمهاجمة الحزب ومؤسسيه.
دعك مما نشرته “الوطن”، وغيرها من “الأذرع الإعلامية” التي لا تتحرك بدون “أوامر” من الجهات السيادية، ولا تنشر خبراً من دون الرجوع إلى هذه الجهات، وإنما ما يلفت النظر فى مسألة هذا الحزب تأييده القويّ للنظام السلطوي، وللجنرال عبد الفتاح السيسي. وبمتابعة سريعة لصفحات مؤسسين ومتحدثين باسم الحزب، تكتشف، على الفور، أن الحزب ليست لديه أية مشكلة على الإطلاق فى الحكم العسكري، وأن معركته ليست لها علاقة بالحريات وحقوق الإنسان، من قريب أو بعيد، وإنما معركته الأساسية هي الهوية الإسلامية لمصر، ومع المؤسسة الدينية الرسمية (الأزهر)، كما أنهم يدعون إلى تصفية كل التيارات الإسلامية، خصوصاً الإخوان والسلفيين.
وعلى الرغم من ادعاء مؤسسي الحزب بأنهم يدعون إلى حرية العقيدة والمواطنة، إلا أنهم يروجون الحرية الانتقائية، التي تدعم مشروعهم وأهدافهم فقط. هم ينادون بحريتهم هم فقط وليس غيرهم، وهم جزء أصيل من المكون النخبوي العسكرتاري للنظام الحالي. يطالبون بحرية على “المقاس”، وليست حرية مطلقة للجميع. هي، إذا، دعوة متهافتة، لا يجب أخذها على محمل الجد، أو اعتبارها تؤسس فعلاً لدولة ليبرالية علمانية، كما هي الحال في الدول الغربية.
وكشأن غيرهم من “الدعاة العسكريين” الذين ظهروا على السطح، أخيراً، وهاجموا التراث، وطالبوا بتغيير الخطاب الديني، فإن مؤسسي “الحزب العلماني المصري” يتلحفون بغطاء الدعوة التي أطلقها الجنرال السيسي، قبل أربعة شهور، والخاصة بـ”الثورة الدينية”، بل يستشهدون بتصريحات الجنرال للصحف الأجنبية عن أهمية العلمانية، وأنها ليست ضد الدين، وذلك من أجل تبرير إنشائهم الحزب. هم إذا يسيرون على “هدى” الجنرال، ويتتبعون خطواته.
بيد أن الطريف أن إنشاء حزب كهذا من شأنه أن يقيم الدنيا ولا يقعدها على الجنرال “المؤمن”، الذي يحاول تصوير نفسه باعتباره “مصلحاً دينياً”، وأن يقلل من قاعدته الاجتماعية المحافظة. لذا، لم يكن غريباً أن ينتفض رجال الأزهر ضد الحزب ومؤسسيه، وأن يبكي “المفتي المتعسكر” على الهواء، حزناً على الدعوة لإنشاء الحزب، وأن تهاجم “الأذرع الإعلامية” الحزب ومؤسسيه، مثلما حدث مع أحد البرامج، الذي طردت فيه المذيعة المتحدث باسم الحزب في مشهد مهين ومحرج.
قطعاً، من حق أي شخص، مؤمناً كان أو ملحداً، متديناً أو متسيباً، محافظاً أو منفتحاً، أن يسعى إلى إنشاء الحزب الذي يراه منسجماً مع قناعاته وأفكاره، وأن يختار ما يشاء من أسماء لوصف حزبه. بيد أن المعضلة هي في محاولة بعضهم “تسويق” هذه الأفكار، باعتبارها الأنجع والأفضل للمجتمع، مثلما يدّعي الداعون إلى إنشاء “الحزب العلماني”، حسبما يقول شعارهم “العلمانية هي الحل”. وهم، في ذلك، لا يختلفون كثيراً عن خصومهم، الذين يرون العالم من منظور حدّي، أبيض أو أسود. أما الأسوأ، فهو أن يدّعي هؤلاء أنهم يمثلون قيم العلمانية، وأهمها حرية الاعتقاد، في وقت يدعمون فيه نظاماً فاشياً يقمع كل من يخالفه الرأي. إنها العلمانية “العسكرتارية” التي لا تعرف الحياء أو الخجل.
