اختلفت مع ما طرحه أيمن نور في حوار متلفز على “الجزيرة مباشر”، ثم عاد وكرره في حوار صحافي، وردّ عليّ أيمن نور ببيان احتفت به مواقع عدة، ونشره بنفسه تعليقاً على مقالي أمس، وكان مهذبا في اختيار كلماته، كما عهدته، فقال “توضيحاً وتصحيحاً لبعض ما ورد في مقالك الأخير، بعنوان: عزيزي أيمن نور “ما يحكمش”.. أقول لك يا صديقي العزيز وائل “ما ينفعش”.
.. “ما ينفعش” أن تبني مقالاً على “عنوان” حوار، من دون أن تقرأ نصه، الذي أظنك لو فعلت، لتغير منحى المقال، لأنك ستجد فيه إجابات شافية ووافية لكل التساؤلات التي تفضلت بطرحها، ومعظمها متوافق مع وجهة نظري في عدم شرعية وعدم جدية وجدارة نظام السيسي، في إدراك أي تقدم حقيقي.
.. “ما ينفعش” اجتزاء عبارة مبتورة، من سياق كامل، واعتبارها “فاجعة” تصرفنا عن استبصار الحقائق الثابتة التي تشف عنها مواقفي المعلومة لك، أكثر من غيرك، قبل وأثناء وبعد الثورة.. فتبدأ الإرسال قبل الاستقبال، فيبدو للقارئ وكأننا نتحدث على موجتين مختلفتين والحقيقة غير ذلك”.
والحقيقة، يا صديقي العزيز، أني بلغت من العمر في مهنة الصحافة، ما يحول بيني وبين الوقوع في خطيئة الاجتزاء والاجتراء على الحقيقة، أو اقتطاع كلمات، فقد تابعت طرحك بوضوح لا لبس فيه، في حوارك مع “الجزيرة مباشر”، وهالني أنك تلقي ببالونة الانتخابات المبكرة مخرجاً مما تعتبره “أزمة”، وأراه أنا جريمة في حق مصر.
وكونك تكرر الطرح في حوار صحافي أوسع، فليس من معنى لهذا الأمر، إلا أنك تتبنى هذه الرؤية، حتى لو لم تكن أنت مخترعها ومبتدعها ومبتدأها وخبرها، كما تؤكد في ردك بأنك تعلق على شأن متداول.
وأظنك، يا صديقي، تعلم أننا بصدد سيول من المبادرات والألعاب والأكروبات التي تلقى في الملعب السياسي كل يوم، من دون أن نتوقف عند التافه والملغوم منها، بل ونعدمه بمشنقة الصمت والتجاهل، وحين تتناول في حوارين متتابعين، لا تفصلهما سوى أيام موضوع “الانتخابات المبكرة”، ثم تزيد بإعلان استعدادك للمنافسة فيها (مواجهة السيسي) وفق تعبيرك، فهذا بالضرورة يعني أنك منحاز للفكرة، وهذا حقك، ما دمت قد قررت أن تتحرك في هذا المسار كفرد، أو زعيم حزب، أو قائد مجموعة، وتعلن موقفك على أوسع نطاق، من دون أن تكلف نفسك عرضه للنقاش، على من تعتبرهم أصدقاء ورفاق مسار ثورة وأصدقاء زمن المحنة، كما تكرمت ووصفتني في نهاية ردك، لتقع في المحظور الذي أخذته عليّ، بقولك “فتبدأ الإرسال قبل الاستقبال، فيبدو للقارئ وكأننا نتحدث على موجتين مختلفتين والحقيقة غير ذلك”.
صديقي العزيز: لقد قلت في حوارك، وأنت توضح وجهة نظرك في موضوع الانتخابات المبكرة ما يلي:
“أنا لا أعطيه شرعية، وأرفض أن أعطيه شرعية، لكنها دعوة أخلاقية، إذا كنت قد أقررت فكرة أن الفشل يؤدي إلى نتيجة واحدة، هي انتخابات رئاسية، واعتقلت الرجل الذي رفض هذه الفكرة، فعليك أن تقبل بها، إذا كنت تفكر في تعديل دستوري، إذا كان يفكر في هذا، أو تفكر له تهاني الجبالي، أو غيرها، تعديل دستوري يقلص من صلاحيات البرلمان، ورئيس الوزراء، ويوسع من صلاحيات رئيس الجمهورية، فعليك أخلاقيا أن تعيد الانتخابات الرئاسية، لأنك انتخبت على صلاحيات محددة، لا يجوز أن تتضاعف هذه الصلاحيات، وتظل متمسكا بانتخابات جرت على صلاحيات أقل، فهذه وسائل أخلاقية ودستورية تتصف بالمنطق والعقل. لكن، بالنسبة لموقفي السياسي، فأنا لا أرى أن هناك شرعية لهذا النظام، ولا يجوز أن نعطيه شرعية، والحديث عن الانتخابات الرئاسية هو نقاش حول حديث دائر، وليس مبادرة، أو اقتراحا مني، كما تصور بعضهم، سواء في هذا المعسكر أو ذاك”.
اختلافي معك هنا الذي طرحته عليك في سؤال الأمس، وأعيده: هل من الأخلاقية أو العدالة في طرح المقدمات أن تساوي بين من وصل إلى الحكم بصندوق الانتخاب، وآخر اغتصب الحكم بصندوق الذخيرة؟
إذا كنت ترفض أن تساوي نفسك بحمدين صباحي، كدوبلير أو مهرج مستدعى لسيرك الانتخابات، فكيف لا تتحمل من غيرك أن يعترض على مساواتك بين محمد مرسي “المنتخب” والسيسي” المنقلب”، حين تستخدم الانتخابات المبكرة معياراً واحداً مع النقيضين؟
نعم.. لم تمنح السيسي “الشرعية بالقول”، لكني أرى أن نهاية الطرح الخاص بدعوته لانتخابات مبكرة، قد منحه “الشرعية بالفعل والإجراء”، وأنت أكثر مني فهما ووعيا بالتفاصيل الدستورية والقانونية والإجرائية.
وقبل أن أتوقف، هنا، لاعتبارات المساحة، أتمنى أن تثق أنه لولا أنك أيمن نور، الصديق المحترم، والسياسي الحقيقي، في زمن امتلأ بأدعياء انتشروا كراكبي الدراجات النارية في دروب السياسة المصرية، لما علقت على ما طرحته. والحديث موصول.. ينفع؟