“القضية كبيرة جداً، لكني لا أستطيع أن أفصح عن تفاصيلها الآن. لكن، يمكن الحديث عن بعض الخطوط العريضة فيها، وهي أن كل من اشترك أو ساعد أو دعم في هدم البلد من بداية ثورة 25 يناير 2011، اسمه وارد في هذه القضية، وسيُحاسب، ومصر هتاخد حقها منه، ومش معنى أنهم متسابين لحد دلوقتي أنهم مش هيتحاسبوا كويس أوي”.
بهذه “الزأرة” المخيفة، خرج “نمر” المخابرات المصرية، المدعو اللواء وليد النمر، والذي قدمته صحيفة الوطن السيسية بوصفه “القيادى السابق في واحد من أهم الأجهزة السيادية في مصر، وهو جهاز المخابرات الحربية، ليتوعد كل من شارك في ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني بأن “اسمه مكتوب” في القضية رقم 250 التي ستفجرها دولة السيسي قريباً، أغلب الظن ضمن احتفالاتها بما يسمى “فرحة مصر”، بإقامة عازل مائي إضافي، يفاقم فصل سيناء عن مصر.
يلفت النظر، هنا، أن المتحدث قيادي سابق في المخابرات الحربية، وأنه بعظمة لسانه يقول في الحوار، الغريب في توقيته، إن طبيعة عمل الجهاز الذي كان يشتغل به، تختص بالخارج، ولا تعبأ بما يدور على الأرض في الداخل، كون ذلك من اختصاص أجهزة أمنية أخرى. وعلى الرغم من ذلك، يفتي الرجل ويقطع ويجزم ويتحدث بيقين عن كل شيء في الداخل، فهو يعلم دبيب النملة في ميدان التحرير، ويعرف عن تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، أكثر مما يعرف حبيب العادلي والمخابرات العامة، كما أنه سبر أغوار عملية الانتخابات الرئاسية، بعد الثورة، ولديه من التفاصيل والأسرار والأرقام أكثر مما لدى اللجنة العليا للانتخابات والمجلس العسكري وحسين طنطاوي وسامي عنان، والمخابرات العامة ومراد موافي، ومجلس الوزراء وكمال الجنزوري، إذ يقول في الحوار “اللدني” ما يلي “الفريق أحمد شفيق كان الفائز في سباق الرئاسة، وأنا واحد من الناس الذين تم إبلاغهم بشكل مباشر من مكتب رئيس الوزراء يومها في مكالمة هاتفية: “مبروك، يا فندم، سيادة الفريق أحمد شفيق فاز”، وكان ذلك الساعة 3 ظهراً بالضبط”.
ما يأتي به “نمر المخابرات المتقاعد” في هذا الحوار، لا يختلف عما ورد في حوارات شبيهة، أو مشبوهة، مع الصحافية ذاتها، وفي الصحيفة نفسها، أبطالها رجال مخابرات سابقون، يطلقون كميات هائلة من حواديت الأطفال الملونة، وبعض القفشات و”الإيفيهات” الكوميدية، في توقيتات محددة، تؤدي فيها مثل هذه الحوارات وظيفة قنابل الدخان الكثيف، بهدف تمرير أو تبرير إجراءات وقرارات دموية، تعتزم سلطة الدولة العميقة اتخاذها ضد معارضيها.
ولعلك تذكر أنه، مع بدء تهيئة مسرح العمليات لمحاكمة الرئيس محمد مرسي بتهمة التخابر، جرى استدعاء وكيل مخابرات سابق، ليمارس إعلامياً ما وصفته، في ذلك الوقت، بأننا “أمام حالة من “الكذب القومي المنهجي”، في فترةٍ يجري فيها احتقار الحقائق، وافتراس الحقوق الخاصة والعامة. يستوي في ذلك مسؤول يجلس على قمة هرم السلطة، وموظف كبير متقاعد. وما دام الموضوع هو محمد مرسي وجماعته، فالكذب يصبح مشروعاً وعملاً وطنياً”
ويبدو أنه بعد مذبحة الإعدامات بحق الرئيس مرسي وجماعته، جاء الوقت لتبدأ عملية تجهيز الساحة، لذبح كل من شارك في ثورة يناير، والتي هي، بنظر رجال الدولة العميقة، ممن أحيلوا إلى التقاعد أو ما زالوا في الخدمة، مؤامرة كونية لهدم مصر.
وعلى ذلك، يصبح كل من ظهروا في لقطات من ميدان التحرير، أو مروا به، عمداً أو سهواً، في الفترة من 25 يناير 2011 وحتى وصول الدكتور محمد مرسي إلى الرئاسة، يستوي في ذلك الذين هتفوا “يسقط حكم العسكر”، أو تسلقوا دبابة لأخذ صورة، كل هؤلاء مرشحون للانضمام إلى القضية (250).
يحدث ذلك، بينما الثوار البيزنطيون يغلقون على أنفسهم الأبواب، ويتعاركون ويمزقون أنفسهم، اشتباكاً حول السؤال الكبير “الملائكة ذكور أم إناث؟”، أو “الاصطفاف حلو أم مر؟” وفي رواية أخرى “يسقط كل من خان”.