مع تزايد الحديث عن قرب إجراء الانتخابات البرلمانية في مصر، والتي تأجل إجراؤها عدة مرات، تشهد الأحزاب المصرية حالة من التمزّق والصراعات الداخلية، وتزداد حدة تلك الانشقاقات كلما كثر الحديث عن الانتخابات البرلمانية، وهو الأمر الذي يدفع إلى تساؤل مهم، من يقف وارء تلك الانشقاقات وماذا يستفيد؟!
وبحسب تقرير تفصيلي نشره موقع “العربي الجديد” -نقلاً عن مصادر مطلعة- فإن الانفجارات التنظيمية التي يشهدها عدد من الأحزاب في الفترة الماضية وتحديدًا مع بدء الحديث عن الانتخابات، يقف وراءها النظام الحالي عبر أجهزته، في محاولةٍ منه لإضعاف تلك الأحزاب قبل الانتخابات لإنتاج برلمان مهلهل لا تحصل فيه أي من تلك القوى على نسبة كبيرة.
ويرى خبراء سياسيون أنّ “ما يجري في الأحزاب السياسية بمصر هو نهج معروف منذ أيام مبارك، الذي كان يعمل على خلق أجنحة وصراعات داخلها من قبل أجهزة معينة حتى تظل تلك الأحزاب مشغولة بصراعاتها، وكذلك تشويه صورتها أمام الشارع والمواطن البسيط، وبالتالي لا تؤثر بفاعلية خلال الاستحقاقات الانتخابية وتكون لعبة في يد السلطة الحاكمة”.
الوفد: انشقاقان وثلاث جبهات
يعيش حزب الوفد، الأقدم وسط الأحزاب المصرية الحالية في مصر، حالة من الصراع والانشقاقات الداخلية، وصلت إلى حد وجود ثلاث جبهات داخلية، أولها التي يقودها رئيس الحزب الحالي السيد البدوي، والثانية يقودها السكرتير العام السابق للحزب، فؤاد بدراوي، الذي أسس مع عدد من قيادات الحزب البارزين تيار “إصلاح الوفد” واختار له مقرًّا قريبًا من المقر الرئيس لحزب الوفد.. أما الجبهة الثالثة فهي جبهة ما يُعرف بالتيار الثالث والتي خرجت لتعلن رفضها للبدوي وتيار إصلاح الوفد.
وتصاعدت حدّة الأزمة بين التيارين الأقوى في المعركة في أعقاب إعلان تيار الإصلاح عن خوضه الانتخابات البرلمانية المقبلة باسم الحزب، وأن المنتمين إليه سيشاركون في إحدى القوائم المطروحة على الساحة باسم الحزب أيضًا، في وقتٍ أكد فيه البدوي أن أعضاء هذه الجبهة مفصولون ولا يمثلون الوفد.
البدوي: السيسي لا يريدني على قمة الحزب
وبحسب مصادر مطلعة فإن البدوي اجتمع بعدد من أمناء المحافظات خلال الفترة الماضية وأكد لهم أن السيسي لا يريده على قمة الحزب، وأنه يريد أن يطيح بأي رمز كان موجودًا في مشهد 3 يوليو 2013.
ووفقًا للمصدر، فإن البدوي كان يريد خوض حزب الوفد الانتخابات بقوائم مستقلة به، وتقديم مرشحين على كل مقاعد الفردي، وهو ما قوبل بالرفض من جانب أجهزة سيادية، محددةً حصّة من المرشحين أقل بكثير ممّا كان يطمح إليه البدوي، وتشير المصادر إلى أن رئيس حزب الوفد كان يرغب في تشكيل حكومة أو على الأقل السيطرة على عدد كبير من وزاراتها في حال فوز حزبه بعدد كبير من المقاعد.
وقد تطرق نائب رئيس الحزب المستشار بهاء أبو شقة، الذي سبق أن تقدم باستقالته من منصبه قبل التراجع عنها، إلى هذه المسألة، قائلاً خلال مؤتمر في الحزب: “ذهبت أنا والبدوي إلى اللواء أحمد جمال الدين، مساعد رئيس الجمهورية للأمن القومي، للوقوف على حقيقة ما يتردد بأن السيسي يرغب في الإطاحة بالبدوي من رئاسة الحزب”، مضيفًا: “جمال الدين أخبرنا أن هذا غير صحيح وأن كل ما يهم الرئاسة هو أن ينصلح الحال داخل الحزب”.
“المصريين الأحرار”.. جبهة إنقاذ للمنافسة
ويبذل رجل الأعمال نجيب ساويرس مجهودًا كبيرًا منذ فترة في محاولةٍ منه للاتفاق مع عدد من كبار عائلات ومشايخ القبائل في الوجهين القبلي والبحري لإقناعهم بالترشح على قوائم حزب المصريين الأحرار، ضمن مساعيه للحصول على أكبر عدد ممكن من البرلمان المقبل لامتلاك ورقة ضغط في يده على رئيس الجمهورية والحكومة، ولا سيما أن الدستور يمنح مجلس النواب المقبل سلطات تفوق سلطات رئيس الجمهورية تصل للدرجة التي تسمح بإقالة الرئيس أو عزله.
لكن ساويرس فوجئ بمعركة داخل حزبه، الذي تأسس في أعقاب ثورة 25 يناير، بعد إعلان مجموعة من قيادات وأعضاء الحزب انشقاقهم معلنين تشكيل ما يسمى بـ”جبهة إنقاذ المصريين الأحرار”، مؤكدين عدم شرعية رئيس الحزب الحالي عصام خليل. كذلك، اتهم المنشقون ساويرس وإدارة الحزب الحالية بالاعتماد على فلول الحزب الوطني خلال الانتخابات المقبلة في مواجهة أبناء الحزب.
وصعّدت “الجبهة” من هجومها بعد إقامتها دعويين قضائيتين أمام المحكمة الإدارية للمطالبة بتجميد الحزب. وأسقطت المحكمة إحدى هذه القضايا في حين أجّلت الأخرى، وأعلنت “جبهة إنقاذ المصريين الأحرار”، على لسان أشرف حميدة، أحد قيادييها، “أنها ستخوض الانتخابات البرلمانية بعيدًا عن قيادة الحزب الحالية وفي ظل تحالف باسم “أحرار مصر”، على أن يشمل الترشح كل المقاعد المخصصة للقائمة وهي 120 مقعدًا، إضافة إلى تقديم مرشحين على 386 مقعدًا فرديًّا.
الحركة الوطنية وثلاث أزمات
يعد حزب الحركة الوطنية الذي أسسه المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة 2012 أحمد شفيق، ثالث الأحزاب التي تعصف بها الصراعات الداخلية والانشقاقات.
شفيق الهارب حاليًّا في دولة الإمارات ويدير الحزب عبر نائب له، لا يخفي سعيه للسيطرة على البرلمان المقبل؛ إذ أكد نائبه في الحزب المستشار يحيى قدري -في تصريحات صحفية- أنهم يسعون للفوز بالأغلبية لتشكيل الحكومة.
وتشير مصادر إلى أنه في إطار مساعيه للسيطرة على البرلمان، وجّه شفيق دعوة لأمين تنظيم الحزب الوطني المنحل، أحمد عز، للانضمام إلى الحزب مع مجموعة من نواب الحزب السابقين في مجلسي الشعب والشورى للاستفادة منهم، وهو ما رفضه عز، بحسب مصادر مقرّبة منه.
وقد مرّ حزب الحركة الوطنية بأكثر من مرحلة: الأولى كانت مع اشتداد الخلافات وانتهت بانشقاق الأمين العام السابق للحزب ياسر قورة مع عدد من قيادات المحافظات، وتشكيلهم حزبًا جديدًا هو حزب الحرية الذي قاموا بإحيائه بعد أن أسسه عدد من رموز الحزب الوطني السابقين عقب ثورة 25 يناير.
المرحلة الثانية: شهدت إعلان شفيق نفسه قبل أسابيع الاستقالة بعد قيام عدد من قيادات الحزب بحملة دعائية لمنافسة السيسي، عبر تعليق لافتات تعلن دعم الحزب للسيسي من دون علم شفيق. وانتهت تلك المرحلة بعد تدخل بعض رموز الحزب وإقناع شفيق بالعدول عن الاستقالة ضمن تسوية تضمنت شرطًا يقضي بإعادة هيكلة الحزب من الداخل، وهو ما استغله الأخير في إبعاد القيادات التي أعلنت تأييدها للسيسي عن مواقعها.
أما المرحلة الثالثة للحزب، فبدأت مع الانقسامات التي شهدها أخيرًا بعد الصراع بين اثنين من قياداته، وهما نائبا رئيس الحزب يحيى قدري وصفوت النحاس، بعد أن سعى كل منهما للإطاحة بالآخر خارج الحزب من خلال تجميع أكبر عدد من القيادات المؤثرين في الحزب حوله. وهي المعركة التي لم يتم حسمها حتى الآن على الرغم من اقتراب معركة الانتخابات البرلمانية.
الدستور ومعركة الأمين العام
اتهامات لأجهزة أمنية بأنها تدير الصراع داخل حزب الدستور من خلال أمينه العام، الذي اختير قائمًا بأعمال الرئيس.
يعاني حزب الدستور الذي أسسه محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية السابق، عقب ثورة 25 يناير، من أزمة طاحنة أدت لاستقالة رئيسته هالة شكر الله، بسبب صراع بينها وبين لجنة حكماء الحزب والأمين العام تامر جمعة الذي اختارته الهيئة العليا للحزب قائمًا بمهام الرئيس بعد استقالة شكر الله.
وبحسب مصادر مطلعة في الحزب، فإن جمعة “تربطه علاقات قوية بأجهزة أمنية تدير الصراع داخل الحزب من خلاله”.
ومن المنتظر أن يشهد الحزب انتخابات داخلية خلال فترة وجيزة، تتنافس فيها أربع قوائم على مقاعد الأمين العام والرئيس والسكرتير العام الحزب.
ويمرّ الحزب بفترة تعد الأصعب له، حيث تراجع بشكل كبير أخيرًا، وبحسب المصدر، كان عدد مؤسسي الحزب قد تجاوز الـ20 ألف مؤسس، في حين أن عدد أعضاء الجمعية العمومية الحالية لا يتجاوز ألفي عضو، في وقت قرر فيه معظم رموزه الذين أسهموا في تأسيسه الابتعاد عن السياسة وفي مقدمتهم البرادعي، وخالد داود المتحدث الرسمي باسم الحزب، وجميلة إسماعيل، ويضاف إليهم أحمد البرعي، وزير التضامن الاجتماعي السابق الذي تقدم باستقالته من الحزب في وقت سابق، وعماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق.
استكمال نهج مبارك
وفي تعليقه على الاتهامات الموجهة للأجهزة الأمنية بالتدخل في تغذية صراعات الأحزاب، يقول الخبير السياسي، أمجد الجباس: إن “النظام الحالي لا يريد حياة سياسية، وغير مقتنع بالسياسة أو الديمقراطية والعملية الانتخابية، لذلك يسعى لتأميم الحياة السياسية”.
ويعتبر الجباس أنّ “ما يجري في الأحزاب معروف منذ أيام مبارك، الذي كان يعمل على خلق أجنحة وصراعات داخلها من قبل أجهزة معينة حتى تظل تلك الأحزاب مشغولة بصراعاتها، وكذلك تشويه صورتها أمام الشارع والمواطن البسيط، وبالتالي لا تؤثر بفاعلية خلال الاستحقاقات الانتخابية وتكون لعبة في يد السلطة الحاكمة”.
الأحزاب وقطع الدمى
بدوره، يعتبر خبير في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، طلب عدم ذكر اسمه، أنّ “النظام الحالي لا يؤمن بالعملية السياسية نظرًا لكونه نظامًا عسكريًّا لا يعرف إلا الطاعة العمياء”، ويلفت إلى أن “هناك أجهزة أمنية معروفة هي التي تقف خلف تفجير الأحزاب من الداخل وتدير الصراع داخلها لتحقيق أهداف بعينها، مثل الضغط على رئيس حزب هنا، وإجبار آخر على اتخاذ موقف بعينه هناك”.
وبحسب الخبير نفسه، فإنّ “الأجهزة الأمنية تريد من تلك الأحزاب أن تكون دمى متحركة تدرك جيدًا أن خيوط اللعبة في أيدي من يحركها وهو النظام السياسي ورجاله”، مؤكدًا أن “النظام السياسي يسعى للتأكيد على تلك الرسالة قبل انتخابات البرلمان المقبل”.