لن أتحدث عما جاء في خطاب السيسي الطويل في البرلمان اليوم، لأن القاصي والداني يعلم أنه كاذب، فهو لم يكن يفكر قط في الفقراء والكادحين كما قال، ولم يهتم بالمرأة والشباب كما زعم، ولم يحقق أي انجاز على الأرض كما ادعى!
لكن ليس أعجب من خطاب السيسي اليوم إلا موقف نوابه، الذين يدركون أنهم ورقة توت عفنة يريد النظام أن يستر بها عورته المفضوحة، ومع ذلك فهم سعداء بهذا الدور، قانعون به، وحريصون عليه!
الموقف الرئيسي الذي يستحق التوقف أمامه اليوم – لأنه يختصر المشهد اختصارا غير مخل – هو مشهد هذا النائب البائس الذي تجرأ وسأل السيسي – بأدائه الأبوي الذي يقل كثيرا عن أداء مبارك التمثيلي – عن سد النهضة الإثيوبي!
وليس أهمية السؤال من أهمية الموضوع فقط – من باب أن السد الإثيوبي هو أخطر قضية تهدد الأمن القومي المصري حاليا – ولكن لأن السؤال لخص العلاقة بين من يفترض أنه رئيس وبين ما يفترض أنه برلمان!
لم يجب السيسي على السؤال، ولو حتى بكلام من باب المجاملة، أو حتى الكذب! اكتفى السيسي بالنظر إلى صاحب السؤال، نظرة شديدة البراعة في توصيف العلاقة التي رسمها السيسي بينه وبينهم، والتي تشير إلى المنزلة التي وضع السيسي نفسه فيها، فوق النواب وفوق المراقبة، بل فوق الشعب ذاته!
لن تجد أحدا من أراجوزات الإعلام يتحدث عن ذلك الموقف المخزي، لأن السيسي سبق وقد أهان أحد الإعلاميين الذين كان يفترض بهم أنهم يناظرونه قبل حملته الانتخابية، لسؤاله عما كان يفترض أنه برنامجه الانتخابي غير الموجود!
الرسالة وصلت للجميع: أنا الرئيس هنا، وأنتم هنا مجرد ديكور! ديكور باهظ الثمن قليلا، لكنه ديكور! يتلقى الواحد منهمم أجرا كبيرا، وحصانة، وأراض، ونفوذا، ووجاهة، مقابل هذا الدور، وهو دور يتمناه الكثيرون ممن سهروا ليلة 30 يونيو، وشهدوا حفلات الرقص والاغتصاب الجماعي، والحشيش في ميدان التحرير!
وواضح أن هذه العلاقة قد فهمها من يفترض بهم أنهم نواب للشعب، فرضوا بهذا الدور قانعين، حامدين شاكرين، مقبّلين الأيادي والقدمين، لأنه قد أصبحوا ورق تواليت فاخر للزعيم، يبصمون على كل ما يأمر ويقول دون حتى أن يناقشوا ولو صوريا!
وفي الذاكرة المصرية مثل شعبي ينطبق على هؤلاء النواب تماما، وهو: إن جاك القرد راقص طبّله! وهو مثل يختزل هو الآخر الحياة السياسية في مصر في عهد السيسي، والعلاقة بين مؤسسات دولة ما بعد 3 يوليو، وخصوصا بين السيسي والنواب.
لقد أتى إليهم السيسي متخايلا راقصا، وخرج عليهم في زينته، التي لا تتناسب مع دعواته المملة للتقشف، وفي أبهة وخيلاء لا تقل عن فضيحة السجادة الحمراء، التي فرشت له لكيلومترات! وهم في المقابل، لم يقصروا، وقاموا بالواجب في المقابل؛ فطبلوا له خير تطبيل!