أكد الكاتب الصحفي والمراسل السابق بجريدة “الأهرام”، يحيى غانم، أن النظام المصري يدير البلاد داخليًا وخارجيًا بـ”حسن النوايا”، خاصة في قضية حياة أو موت مثل مياه النيل، وهو ما وصفه بأنه إهمال جسيم يرقى في بعض الأحيان إلى خيانة عظمى للذات، على حد قوله.
وقال “غانم”، في مقال له بموقع “هافينجتون بوست عربي”: “إن خطيئة المسؤولين المصريين بأن دفعوا دول حوض النيل دفعًا إلى الاصطفاف على مائدة تفاوض جماعي، على ما بدا تعاونًا إيجابيًّا لتنمية موارد النهر وتعظيم الاستفادة منه، في حين أن الهدف النهائي كان التفاوض على حصة مصر من مياه النيل، وهو ما تنطبق عليه مقولة الرئيس عبدالفتاح السيسي -على حد وصفه-: “ليس بالنوايا الحسنة تدار الدول”، هذا إن افترضنا النوايا الحسنة فيما كان”.
وطرح “غانم” نماذج أخرى لقرارات كارثية وصفها بأنها ضيعت حقوق الأجيال القادمة، موضحًا أن منها أنه في عام 2007 استقبل حين استقبل الرئيس المخلوع حسني مبارك وزير خارجية إثيوبيا “سيوم ميسفين” الذي وصل إلى القاهرة، ليطلب من مصر السماح له بغزو الصومال؛ حيث كانت مصر حتى تلك اللحظة تتمتع بنفوذ سياسي وأصول بشرية صومالية مقدرة تدفع أي قوة في المنطقة تفكر في الغزو إلى أن تحصل على الإذن والأمان من مصر.
وأضاف “ولا شك في أن وزير خارجية إثيوبيا وهو في الطريق من أديس أبابا إلى القاهرة كان يبحث الخيارات فيما يتعلق بما يمكن لبلاده أن تقدمه إلى مصر -في قضية مياه النيل- في مقابل سماح الأخيرة لأديس أبابا بأن تتدخل عسكريًّا في الصومال، الذي دائمًا ما نظر إليه حكام إثيوبيا كعدو تاريخي. ولا شك في أن الرجل كان قد استقر مع قيادته على أثمان تدفعها بلاده لمصر على صعيد أزمة المياه المفتعلة من جانبهم نظير تحقيق الهدف الإستراتيجي الإثيوبي بالتدخل في الصومال وترتيبه من الداخل بما يضمن مصالح أديس أبابا”.
وتابع: “وكان المقابل هو تراجع إثيوبيا عن المواصفات الجائرة لسد الحدود -الذي أعيد تسميته لاحقًا باسم النهضة- التي تهدد مصر بالجفاف، ملحوظة: المواصفات الجائرة لسد الحدود في ذلك الوقت لم تصل إلى نصف المواصفات القاتلة التي وصل لها سد النهضة حاليًّا”.
وقال: “الشاهد أن وزير الخارجية سيوم ميسفين خرج من الاجتماع بالرئيس حسني مبارك، وقد طفح البِشر على وجهه بشكل مذهل، حتى إن من رآه أقسم لي أن الرجل -بخلاف كل الأعراف الدبلوماسية- تحدث للحضور خارج غرفة الاجتماع مهللًا وهو يقول: “لم يخطر في بالنا أن يمنحنا الرئيس المصري العظيم مبارك موافقته من دون أية شروط”، نعم، فما قرأته هو بالضبط ما حدث، وليس من مصلحة الوزير الإثيوبي -الذي خرج عن كل الأعراف الديبلوماسية- أن يفتئت على الرئيس المصري الأسبق”.
وتابع حديثه: “أتذكر بأسى مدى الكآبة التي اعتلت وجه ذلك المسؤول الرائع -وهو واحد من كثر- عن الملف وهو يكاد يبكي قائلًا: “لماذا؟ وكيف؟ وما الهدف؟ وكيف يتم تجاهل كل ما قدمناه للرئيس؟ المعلومات التي لدينا تؤكد أن إثيوبيا كانت ستقدم تنازلات مكتوبة فيما يتعلق بسدها. للحظات خيل لي أن الرجل يكاد يقطع شرايين معصمه يأسًا وحزنًا؛ فقد كان وزملاءه ينتظرون ثمرة جهدهم لصالح الوطن وأجياله القادمة”.
واستطرد “غانم” في مقاله: “إذا كان رد الرئيس الأسبق من منطلق “حسن النوايا”، فهل ردت إثيوبيا التحية بأحسن منها، أو مثلها أو حتى أقل منها؟ بالطبع لا، فلا مجال لحسن النوايا في العلاقات بين الدول، هذا إذا كان ما حدث من منطلق حسن النوايا بالأساس، قضية النيل ومياهه هي أهم قضية مصيرية لمصر؛ ولذا فإن العديد من الوزارات والأجهزة تتولاها وتشارك في صنع قراراتها، ولا شك في أن وزارة الدفاع تأتي على رأس هذه الجهات والتي لها اليد العليا في القضية، طبقًا لطبائع الأمور في مصر، وترجمة لمقولات كبار قادتها بأنها الدرع الحامية لمصر في كل مجالات الأمن القومي، ولا أظن أن هناك بعد مياه النيل أمنًا قوميًّا يستأهل الحديث عنه”.
واختتم مقاله بقوله: “والسؤال هو: أين كانت وزارة الدفاع من موقف الرئيس الأسبق؟ وهل تمت مراجعة الرئيس في موقفه شديد الغرابة، أم أن مصر كان -وما زال- بها حاكم وليس رئيسًا؟
والفارق هائل بين الاثنين؛ فالحاكم يسئل، أما الرئيس، فهو موظف عام يجب طرح الأسئلة عليه، وتجب عليه الإجابة، ناهيك عن مساءلته إذا ما وجب ذلك”.