استوقفتني ـ الأيام الماضية ـ مجموعة من سلسلة «أفلام وثائقية» لإحدى شبكات الأخبار، وهي ـ بالمناسبة ـ شبكة عالمية تتحدث عن حكام مصر عقب انقلاب ٢٣ يوليو ١٩٥٢، كان أهمها ـ بالنسبة لي ـ فيلم يتحدث عن حقبة الرئيس الراحل «أنور السادات» .
الفيلم يرصد أهم مشاهد هذه الحقبة، لكنني توقفت طويلا أمام فترة بداية الصدام مع القوى السياسية، وخاصة «الإسلاميين»، والذين كانوا عونًا للسادات، في بداية حكمه، وعقب التخلص مما يعرف ـ وقتها ـ بمراكز القوى، وفي مواجهة «الناصريين» و«اليساريين» .
توقفت أيضا أمام أحد الأسماء أو الشخصيات، ألا وهو «شكري مصطفى» زعيم جماعة «الدعوة والهجرة»، أو كما سميت إعلاميا «التكفير والهجرة».
وللرجل قصة طويلة؛ فشكري مصطفى، وهو ابن مدينة «أبو تيج»، بمحافظة أسيوط، والذي تخرج من كلية الزراعة، اعتقل إبان فترة حكم الرئيس «عبد الناصر»؛ بتهمة انتمائه لجماعة «الإخوان المسلمين»، وظل سجينًا، يلقى من صنوف العذاب ألوانًا، إلى هاهنا لا يوجد ما يميز سيرة الرجل عن باقي أقرانه .
إلا أن الرجل، وبعد تعرضه لصنوف من العذاب، بدأ فكره يتغير، ويتوجه نحو اتجاه التوسع في تكفير الجميع؛ إذ كان يعتقد أن من يظلمونه وأقرانه، ويعذبونهم في المعتقلات، لا يمكن أن يكونوا مسلمين .
وأن المجتمع الذي يقبل بتلك الدولة، وهذا النظام، لا يمكن إلا أن يكون مجتمعًا جاهليًا.
ظلت الفكرة تتبلور، وتكبر في رأس الرجل، وبدأ دعوته عقب خروجه، مع بداية حكم السادات عام ١٩٧١ .
لاقت دعوته إلى اعتزال المجتمع الجاهلي، والدولة الكافرة، صدًا لا بأس به في أوساط عدة، وفي مختلف الطبقات؛ إذ إنه، وتأكيدا على عودتك إلى الإسلام ينبغي عليك أن تنضم لجماعة «الدعوة والهجرة»!
تمر السنين لتحدث جماعة الدعوة والهجرة صخبًا كبيرًا، يتزامن هذا الصخب مع اختطافهم ـ في ذلك الوقت ـ «الشيخ الذهبي»، وزير الأوقاف، وطلبهم مبادلته بمجموعة من زملائهم، كانوا رهن الاعتقال ذلك الوقت، إلا أن محاولتهم تبوء بالفشل، وينتهي الأمر بمقتل الشيخ الذهبي، واعتقال شكرى مصطفى، ومجموعة معه من زملائه، واحالتهم للتحقيق، ومحاكمتهم، وانتهاء الأمر بإعدامه هو وخمسة من رفاقه .
إلي هاهنا قد يبدو للجميع أن القصة قد انتهت بإعدام الرجل ومجموعة من رفاقه، لكننا، ومع تعاظم الظلم والاضطهاد قد نواجه بنموذج جديد لشكري مصطفى، بل أكثر تشددًا وتطرفًا .
الرجل الذي وصل لمرحلة شديدة من التطرف وتكفير المجتمع، ما كان ليصل إلى ذلك، إلا بعد أن لاقى من ألوان وصنوف التعذيب والاضطهاد في سجون عبد الناصر .
واليوم، ومع وجود بيئة حاضنة، كـ«تنظيم الدولة» أو ما يعرف إعلاميا بـ«داعش»، لا يفكر النظام في مصر، ورأسه المشير «عبد الفتاح السيسي»، في أن نموذجًا، كالذي ذكرته، وفي ظل وجود متنام لتنظيم داعش قد يتكرر وبنطاق واسع .
فقد بات من الواضح أن القائم على إدارة البلاد لا يقرأ تاريخًا، بل لا يعرف شيئًا عنه، وبالتالي فلن يستفيد من أيٍّ من دروس التاريخ، وأهمها أن الظلم والتنكيل بالآخر قد يخلق مناخًا خصبًا لصناعة الإرهاب .
أصبح جليًا للجميع، أن لا بوادر لتحسين الأوضاع في مصر، في مجال الحريات العامة، أو إفراجًا جماعيًا عن سجناء للرأي أو بدافع الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين تتحدث تقارير عن أن أعدادهم تقترب من الـ ٤٢ ألف سجين، جلهم من الشباب صغير السن .
كما نطالع الأخبار ـ يومًا بعد يوم ـ من أن الدولة تشرع في بناء السجون؛ إذ إن النظام المصري، وفي خلال أقل من ثلاث سنوات تمكن من بناء أكثر من ١٠ سجون جديدة تتفاوت مساحتها وقوة استيعابها للمساجين، حتى باتت مصر تمتلك أكبر سجينن في إفريقيا والشرق الأوسط!
البلد التي تنهكها الديون، وينهش في جسدها الفقر، والمرض، بات نظام حكمها يهتم ببناء السجون أكثر من بناء المدارس والمستشفيات .
وشراء الأسلحة بسخاء أكثر من تنفيذ مشروعات اقتصادية تنتشلنا من الوضع الاقتصادي المتردي .
ومع مرور الأيام تتحدث الجهات المستقلة كمنظمات المجتمع المدني والجهات غير المستقلة، كـ«مجلس حقوق الإنسان»، المعين من قبل الحكومة، عن تردي الأوضاع في السجون، والتي ضاعفت من سوئها أرقام من يموتون داخل السجون أو أماكن الاحتجاز؛ إذ يموتون جراء تعرضهم للتعذيب، كما حدث مع المحامي «كريم حمدي» شهيد قسم المطرية، أو يموتون جراء الإهمال الطبي، كما حدث مع الدكتور «طارق الغندور» .
وعليها ومع استمرار تلك المأساة التي يعاني منها عشرات الآلاف من المحبوسين، جراء قانون للتظاهر جائر، هل يتحرك النظام المصري لتصحيح مساره والإفراج عن الآلاف من الشباب أم يستمر في غيه؛ ليجعل منهم قنابل موقوتة؛ تخرج لتحرق الأخضر واليابس، وتحول حياتنا جميعًا إلى جحيم؟