“وكلنا الصديق إلى صداقته، ولم نكل العدو إلى عداوته، فظل العدو على ما أضمر من عداوة، وانقلب الصديق عدواً”!
كلمات تكتب بماء “الخلد” على جبين المحاولات غير الناجحة لتغيير واقع حياة العروبة والإسلام بخاصة في قلبهما مصر.
وأصل حكاية الثلاثة جمل الماضية أن أحد الخلفاء العباسيين، قيل إنه “أبو جعفر المنصور”، خلا بأحد الأمويين العقلاء ممن بقوا من تلك الدولة فقال له:
ـ كان لديكم المال والعتاد ومن قبل الرجال.. فلماذا سقطتم؟
إنه “التكلف” يا سادة إذاً، والويل لمن خلطه بالسياسة، وهل ترك “التكلف” شيئاً على حاله؟
وهل من مكان بالسياسة للدروايش بخاصة إذا تنكروا لمبادئهم.
“1”
صديق كان لقاؤه يعز، رغم محبتي، وعلمي بصدقه، ووقت ازدهار المظاهرات بمصر كنتُ ألقاه كل جمعة بضاحية من ضواحي الجيزة، حسبما كانت تقودنا الخطوات، أيام كانت الآمال مزدهرة في استعادة سيناريو 25 من يناير 2011م، أيام كانت قيادات الإخوان “صادرة” في بعدها عن الأخذ بالأسباب للخروج من المنعطف التاريخي الذي وضعتها نفسها فيه، وكم نقول “من آسف”..
كانت مئات الآلاف تتوه في الشوارع فيما السادة المشاركون في هذه المتاهة، غير البعيدة خطواتهم عنها، لكن العقول مغيبة، كانوا يقولون إنه موسم للطاعات، وأي طاعة في إهدار قواك ورفض النزول على حكم العقل؟ والاعتراف بالأخطاء والخطايا الجسيمة التي وقعتم فيها بحسن نية غالباً، وربما بغيرها، وكان الرصاص يحيط بالجمع، ويحصد الأرواح، والشرفاء تكتب أسماؤوهم في “زمرة” المعتقلين بالقوة غداً، وبعد غد، فيما وفد الإخوان في سبتمبر 2013م يزور الولايات المتحدة، فيسألونهم عن خطتهم للخروج من المأزق الذي يتسع أسفل أقدامهم، ولا تريد عقولهم التصديق فيردون:
ـ لا نعرف.
فمن إذاً سيعرف “عدوكم”؟!
حينها قال لي الصديق:
ـ للآسف أيام الرئيس مرسي وضع “الإخوان” شباب “القوى الثورية” أسفل أقدامهم وتغطوا بالسيسي، فانقلبت عليهم القوى الشبابية، ولم يبق عليهم السيسي.
ترجمة مقولة “العاقل الباقي” من “الدولة الأموية”.
“2”
هل تؤلم الصراحة؟
ماذا إذا جاءت ممن يريد الخير لك إذاً؟
أم أن غش وخداع الوجوه الخادعة الكاذبة ما تزال إليكم أفضل؟
منذ أيام الراحل “جمال عبد الناصر” لما كان ينسحب وقت الصلاة، ورغم هذا آزرته “قيادات الإخوان” وخطت وراءه وناصرته على اللواء الراحل “محمد نجيب” حتى أطاح الأول بهم وبه..
وعادت الأيام بعد أكثر من 60 عاماً بنفس الخطايا مع “عبد الفتاح السيسي”.
يقارنون انقلاب تركيا الفاشل بانقلاب مصر، ويحكون عن تسليم الرئيس “محمد مرسي” الأمر للسيسي، فأتذكر الصديق الذي قال لي أن الدكتور “محمد بديع”، فك الله أسره لما قال للرئيس “مرسي”:
ـ ترشح للرئاسة بديلاً للمهندس خيرت ..
قال على الفور:
“هيه ناقصة بهدلة” يا دكتور؟!
الحقيقة أن “الغباء واجه الخيانة” في مصر فسحقت الخيانة الغباء وما تزال.
“3”
لا يدري المرء كيف يفسر نزول الملايين الذين الشوارع عقب إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية في 24 من يونيو 2012م تهتف باسم مرسي وتسب انقلابي الجيش على اديمقراطية بخاصة “أحمد شفيق”، واستعدادنا جميعاً للموت ولا يتولى.. والحال الذي وصلنا إليه؟
أساتذة “الإخوان” في تضييع الفرص .. والارتكان إلى الخونة وتسفيه آراء المخلصين من حولهم بل من داخلهم، سيقولون لك ألق اللوم على “ألانقلاب” .. وهل يلام الذئب إذا أكل ضحيته النائمة؟
وهل يفيق الانقلاب إذا ألقينا اللوم عليه فيصير إلى غيره؟
أيام العقل والتعقل .. رمضان منذ سنتين فقط ألتقيت في “اعتكاف” بأحد أشهر مساجد استطنبول “عضو مكتب سياسي” عن المحافظة الأكبر بعد العاصمة، وقلتُ إن الأخطاء كان يمكن احتواؤها لو أفاق الإخوان مبكراً، فاهتز الرجل، واحتويتُه كالعادة، كنا عقب إفطار بسيط، في الليالي الأخيرة من شهر رمضان الموافق لـ 2014م، ولما هدأ الرجل حمد لي الأمر ثم قال:
ـ قلت لهم ظلوا رقم 2 إذا استمررتم صرتم في مكانكم، وإذا فشلتم صرتم رقم 3 في مصر، لكن اتركوا أمر الرئاسة لانكم إذا صرتم رقم 1 لم يعد أمامكم إلا الصفر.. حتى الصحابة تنازعوا على “السلطة” ..فلم يسمع الجمع كلامي!
مؤخراً أتصل الرجل بي وفي رمضان أيضاَ، لكن ليطلب بإلحاح تحذير أحد الذين “يعلنون” آرائهم على مجموعة إلكترونية!
وسبحان من له الدوام.. واعترف الرجل بأنه يسلط أفراداً بهذه المجموعات الإليكترونية على مبدين آراء تخالف “معتقدهم” حول الجماعة .. ولو من باب المحبة.
وسبحان من له الدوام!
“4”
تقرير لجنة تقصي الحقائق عن شهداء الثورة ترفع تقريرها للدكتور مرسي في 31 من ديسمبر 2012م قائلة أن السيسي كان المشرف على قتلهم .. فلا يفعل الرئيس شيئاً، يدعو “السيسي” أطراف الخلاف السياسي بمصر في نفس الشهر والرئيس لاجتماع بالجيش، ويقال للدكتور “مرسي” اقله سينقلب عليك فيحتضنه في حنو!
يرسل أحد الرؤوساء العرب أحد كبار مستشاريه للرئيس “مرسي” مارس 2013م ليقول له:
ـ السيسي سينقلب عليك . . خذ خطوات استباقية!
فيقول له:
ـ أنا في بطني بطيخة “صيفي” والسيسي في جيبي الصغير ..!
ما دخل البطيخ بالسلاح بالجيوش بالبطن، عفواً؟
إنها نفس المسيرة التي جاءت بـ”عبد الناصر”، التي تدني اليوم من المندسين وطلاب المال والسلطة إلى “الإخوان” ما لا يعلمه إلا الله، طالما ان لسانهم “ينقط سكر” في وجوه القوم.
نفس سياسة “حبيبك يبلع لك الزلط”.. ولا سبيل واضح إلى التعقل أو الاستفادة من الأخطاء والخطايا..
“5”
كنا نطلب حقوقاً من وزير سيادي .. وقد أقر بها سابقه الليبرالي العلماني ..فيقول:
ـ لا استطيع والعلمانيون .. سيأكلون وجهي ..
ورفضنا نشر الامر على الصحف، وكانت النتيجة أن سلم الرجل رقبته لمستشار قانوني “شيعي” حتى أتم إغراقه وأضاع حقوقنا ثم جاء يلومنا هنا في الغربة أن لم نصبر على حقوقنا، من وجهة نظره، وهل كنت قد أقررتَها؟
هذا في الوقت الذي كنا فيه ننتظر السيد الوزير بالساعات الطويلة من أجل حقوق، وكان مستشاره يتعمد تصدير الأزمات لنا وله.. بل يتحدانا أن نفهمه الحقيقة ..
ولم يكن لنا من مجال لنفهمه:
ـ الثقة قبل كل شىء لدى السادة الأفاضل .. هذا كل ما في الأمر..
وما تزال المنظومة باقية رغم المآسي ..
بالتأكيد لأن الله لم يأذن لشمس النجاة أن تشرق على مصر كلها .. لا على فرد أو أكثر..
ربما يوم يخرج الله من هذه الجماعة وغيرها الذين هم أكثر تعقلاً .. سيأذن لشمس أن تشرق على مصر!