نشر الدكتور/ طارق فهمي مقالا في جريدة الشروق المصرية يوم السبت 30 يوليو 2016، بعنوان “التطبيع والسلام المصري الجديد مع إسرائيل”.
تضمنت المقال، ذات الدعوات التقليدية عن أهمية السلام والتطبيع المصري مع إسرائيل.
ولكن ما يميز هذا المقال هو أن كاتبها هو رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية في مركز وثيق الصلة بالأجهزة السيادية هو “المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط” ورئيسه هو اللواء دكتور/ محمد مجاهد الزيات.
وهو ما يضفي على المقال أهمية خاصة، من حيث أنها على الأغلب تعبر عن وجهة نظر تتبناها الجهات المذكورة، أو على اقل تقدير، ترغب في اختبار ردود الفعل السياسية والشعبية على ما ورد فيها، خاصة بعد الدعوة إلى “السلام الدافئ” الذي وجهها السيسي.
***
يستحق المقال أن تقرأ بعناية * ولكن أهم ما ورد فيه في تصوري ما يلى:
· لقد استقرت معاهدة السلام، ولا يجب ان تُختصر العلاقات دائما في إطارها الأمني والاستراتيجي، دون أن تمتد إلى إطار أوسع من حيث المصالح والاستراتيجيات في المنطقة (تطوير العلاقات)
· هناك حاجة ملحة لتحديد نمط العلاقات المصرية الإسرائيلية، من الأمن إلى الاقتصاد، ومن الاستراتيجية إلى الاستثمار. (من التحديات إلى الفرص! )
· لا يجب أن نخشى إسرائيل أو نهابها أو نرفض الدخول معها في مساحات من الاشتباك العلمى والأكاديمى والاستراتيجى، فمصر لديها مناعة وطنية كبيرة وحائط صد من المعطيات الراسخة فى كل المجالات. (لا تخشوا التطبيع)
· تطوير العلاقات المصرية الإسرائيلية ليس معناه التطبيع فقط كما يفهم البعض، وإنما إعادة هيكلة العلاقات من جديد مع الحفاظ على النجاحات التي تمت، وخلق حالة أمنية واستراتيجية جديدة في سيناء تتجاوز الدعوة إلى إجراء تعديلات في البروتوكول الأمني والاستراتيجي. (شراكات أمنية واستراتيجية)
· يجب أن نتقدم برؤية ومسار حقيقى وشامل لتطوير العلاقات الثنائية لتحقيق أعلى عائد سياسي متوقع على أن يكون الهدف الأساسي توظيف وتنمية العلاقات مع إسرائيل لصالح العلاقات الثنائية أولا ومع الجانب الفلسطيني ثانيا. (مصر هى الهدف وليس فلسطين)
· أن فرص التأثير في الدوائر الأمريكية يمكن أن تنطلق من تنمية أسس العلاقات مع إسرائيل (إسرائيل هي بوابة ومفتاح تطوير العلاقات مع أمريكا)
· يجب أرضية جديدة للعلاقات بين الأطراف المصرية والإسرائيلية والأمريكية معا ولحسابات خاصة بأمن الجميع وليس أمن طرف على حساب طرف آخر(الأمن المشترك)
· إعادة النظر في بعض الملفات الاقتصادية يتطلب قراءة واعية لما تم وعدم التوقف عن ما يتردد عن الاختراق الإسرائيلي والرغبات الإسرائيلية في زيادة المنتج الإسرائيلي، والانفتاح على مناطق جديدة خارج الكويز، خاصة أن مصر فى حاجة لتطوير مشابه في مسار العلاقات مع الولايات المتحدة والخاصة بتنمية الأفكار الخاصة بالمعونات العسكرية واستحداث أفكار ورؤى جديدة بشأن تعاون جديد على أسس واقعية ربما تكون إسرائيل حاضرة في بعض تفاصيله في المرحلة المقبلة. (استلهام تجربة الكويز في تأسيس مزيد من المشروعات المصرية الإسرائيلية الأمريكية المشتركة)
· التعامل المصري في الملف الفلسطيني سيحتاج إلى أدوات حركة مصرية حقيقية ستتطلب عقد لقاءات وإجراء تشاورات ( هل هذا تمهيد لزيارة نتنياهو للقاهرة؟)
· إن مصر الرسمية والشعبية عليها أن تراجع نفسها، ويجب أن يكون هناك معرفة جيدة بما يدور في إسرائيل في الوقت الراهن من توجهات الرأي العام وحركة الأحزاب واستطلاعات الرأي العام ومواقف القوى الصاعدة في المجتمع، ومن مصادر مباشرة تتجاوز التعامل العابر والهامشي من ترجمة سطحية لبعض الأخبار في بعض الصحف أو المواقع الالكترونية غير المتخصصة، وهو ما انشغل به البعض والذي عزف عن التعامل مع إسرائيل، واكتفى بالشكليات (تواصلوا وطبعوا معها لتتعرفوا عليها)
· علينا أن نخرج من حالة الارتكان للواقع الراهن فى العلاقات مع إسرائيل وأن نشتبك في منظومة كاملة من التفاعلات تتجاوز المجال الأمني والاستخباراتي ــ وهو أمر مستقر ــ إلى مجالات أرحب وأوسع بما يخدم الحركة المصرية ليس في الإقليم وإنما أيضا في المحيط الدولي. (العلاقات مع إسرائيل ستدعم مصر إقليميا ودوليا)
· إن القطاعات المصرية الرافضة للسلام مع إسرائيل يجب النظر إليها أنها قوى وطنية لا تزال مؤمنة بفكرتها، ولكن ستحتاج إلى مراجعة ولو مرحلية فى حال قبول إسرائيل الخروج من الأراضى المحتلة، والموافقة على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، حيث ستنتفى مبررات رفض إسرائيل (راجعوا مواقفكم)
· يجب على مصر أن تطرح مبادرة شاملة ومتكاملة للرئيس السيسي، وليس تسويق أفكار للآخرين سواء كانت المبادرة العربية أو المبادرة الفرنسية بعد أن تكون القاهرة قد التقت بكل الأطراف المعنية على أرضية التسوية المقترحة. (مبادرة مصرية تتجاوز المبادرة العربية وتقبلها اسرائيل)
***
كانت هذه بعض الرسائل التى وردت فى المقال المذكور، والتي يمكن التعقيب عليها فيما يلى :
· إن الأرض القائمة شرق الحدود الدولية المصرية هي فلسطين من نهرها إلى بحرها، أما إسرائيل فهي كيان استعمارى استيطاني عنصري باطل لا يجوز الاعتراف به أو الصلح والتطبيع معه، يحمل مشروعا معاديا لمصر وللأمة العربية بقدر استهدافه لفلسطين، وأن الاختلال الحاصل في موازين القوى الاقليمية والدولية منذ بضعة عقود لا يبرر الاعتراف بشرعية الاحتلال، والتفريط والتنازل عن أى جزء من فلسطين.
· إن المعاهدة التي وقعتها مصر مع إسرائيل غير مرحب أو معترف بها من غالبية الشعب المصري وقواه الوطنية الحقيقية، وأى استرجاع لمشاهد المظاهرات المحاصرة لسفارة اسرائيل بعد الثورة قاطعة الدلالة على ذلك، ولا يجوز بأى حال من الأحوال استغلال وتوظيف التقييد الحالي للحريات، والقبضة البوليسية، وحصار المعارضة والقوى السياسية، لتمرير اتفاقيات وتفاهمات جديدة مع إسرائيل، لن يكتب لها الحياة والاستمرار بمجرد استرداد الشعب والقوى الوطنية لحرياتها.
· وحتى من المنظور الرسمي، فلقد كان هذا سلام بالإكراه ولا يزال، فلا يصح الحديث عن استقراره لما فى ذلك من قبول واستمراء وخضوع لأدوات الاكراه. سلام تم تحت تهديد احتلال قوات العدو لسيناء عام 1967، ورفض مجلس الأمن بقيادة أمريكا لإصدار قرار بانسحابها بدون قيد أو شرط كما ينص ميثاق الأمم المتحدة، ثم الدعم المالي والعسكري الأمريكى اللامتناهي لإسرائيل، والتدخل فى حرب 1973 للحيلولة دون تحقيق نصر عسكرى كامل.
· كان الموقف الغالب للدولة المصرية وأجهزتها السيادية على الدوام، هو حصر التطبيع مع إسرائيل في الحدود والدوائر الرسمية، مع تشجيع ومباركة، عن بعد، للرفض الشعبى للتطبيع. وكل الاتفاقيات الاقتصادية التي خرجت عن هذه القاعدة كاتفاقية الكويز واتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل تمت تحت الضغوط الامريكية.
فما هي المستجدات التي دفعت الدولة بأجهزتها السيادية إلى تغيير عقيدتها الأمنية والاستراتيجية تجاه إسرائيل؟
· إن رفض التطبيع المصري والعربي مع إسرائيل لم يكن بسبب الخوف من الاختراق الإسرائيلي، بقدر ما كان بهدف الاستمرار في حصار إسرائيل وإضعاف اقتصادها ودولتها وعدم تشجيع مزيد من دول العالم على إنهاء مقاطعتها لها، بالإضافة إلى أن قبول إسرائيل في المنطقة والاعتراف والتطبيع معها من قبل الشعوب العربية، سيشجع وينمي من الهجرات اليهودية إليها، التي لا تزال ترى كثيرا منها، في رفض ومقاطعة شعوب المنطقة لها، مؤشرا على تعثر المشروع واحتمالية فشله ونهايته.
· كما أن رفض التطبيع الشعبي والتأكيد على الطبيعة العدوانية للمشروع الصهيوني، كانت على الدوام أحد الثوابت الوطنية التي نحرص على تنشئة الاجيال الجديدة عليها وتوريثها، انتظارا لتغير الظروف وموازين القوى في يوم من الأيام، وعودة مصر إلى موقعها القيادي في مواجهته.
· إن قبول ودمج واستقرار ونجاح إسرائيل في المنطقة سيشجع كل الجماعات والتيارات الطائفية في المنطقة، على أن تحذو حذو المشروع الصهيوني، في محاولة الانفصال وتأسيس دويلات مستقلة لأصحاب الديانات أو المذاهب أو الاعراق المختلفة، دويلات سنية وشيعية وكردية ومارونية وقبطية ..الخ، وهو ما بدأت بشائره بالفعل بعد كامب ديفيد.
· إن شرعية النظام المصري ودولته، اهتزت كثيرا منذ تم الصلح مع العدو الصهيوني، ومنذئذ حتى اليوم، لم ينجح أى نظام أو رئيس في اكتساب الشرعية الوطنية التي تفوق وتسمو على الشرعية الدستورية، لأنه يستحيل تأسيس دولة أو نظاما أو استقرار طويل المدى، على قاعدة الاقرار بالعجز عن المقاومة والانتصار على العدو الاستراتيجى الأول للأمة، والخضوع له والقبول بوجوده على أرض عربية محتلة.
· إن حالة التفكك التي ضربت مصر والدول العربية، وأدت إلى كفر قطاعات من الشباب بالهوية الوطنية والقومية، والبحث عن هويات وانتماءات أخرى، طائفية أو قبلية، وتطورها في السنوات الأخيرة إلى حروب أهلية واقتتال عربي/عربي كانت من أخطر آثار حالة الانهزام والاستسلام العربي للمشروع الصهيوني والقبول بالتعايش والسلام معه فما بالنا إذا استجبنا لهذه الدعوات لبناء تحالفات استراتيجية وأمنية واقتصادية وإقليمية مع إسرائيل.
· رغم التبعية التي كان غارقا فيها نظام مبارك، إلا أن أحد الاهداف الرئيسية له حينها كانت بمطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بتحرير العلاقات الثنائية المصرية الأمريكية من إسرائيل، حيث كانت المعونة العسكرية واتفاقيات الكويز والغاز والبترول وغيرها، تصر على نسج علاقة زواج كاثوليكى ثلاثي. وهي نفس الخطيئة الذي يطالب بها المقال من الرهان على إسرائيل كبوابة هامة ورئيسية لتطوير العلاقات المصرية مع إمريكا.
· كما أن الدعوات إلى توسيع السلام مع إسرائيل ودمجها في المنطقة يوجه ضربة قوية لأي جهود نجحت في تكوين رأى عام أوروبي وعالمي مناهض لسياسات وإجراءات الاحتلال الإسرائيلي.
· إن الحديث عن مبادرة مصرية للسلام مستقلة عن المبادرة العربية تقبلها إسرائيل ويرحب بها نتنياهو، هو حديث يثير القلق والشك من أن يكون فيه تمريرا وتمهيدا للمطالب الإسرائيلية الأخيرة بتعديل المبادرة العربية والتخلي عن حدود 1967 والإصرار على يهودية الدولة وتبادل الأراضي ورفض حق العودة واعتبار القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل. (مع التاكيد بطبيعة الحال أن المبادرة العربية كانت هي نفسها كارثية بما تضمنته من تنازل عن 78% من أرض فلسطين.)
· وأخيرا أتمنى على أصدقائنا من الاكاديميين والخبراء الاستراتيجيين، وعلى مراكز الدراسات والابحاث المستقلة أو القريبة من الدولة وأجهزتها السيادية، أن يراجعوا أنفسهم وأن ينأوا بأنفسهم عن القيام بأي أدوار أو تكليفات تطعن في ثوابتنا الوطنية المستقرة وجدانيا والمختبرة علميا وتاريخيا.