تحلّ الذكرى الرابعة لفض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة، الذي بدأ فجر الرابع عشر من أغسطس 2013 وانتهى مساء اليوم نفسه وراح ضحيته الآلاف، وسط إصرار من النظام على معاملة المشاركين في الاعتصام باعتبارهم جناة تسببوا في ما سقط من قتلى ومصابين وما حلّ من دمار وخراب نتيجته.
ولعلّ ذاكرة المصريين لا تعرف يومًا أقسى من يوم مجزرة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة المؤيدين لشرعية الدكتور محمد مرسي ولا أدمى منه؛ ففي ذلك اليوم اختلط البكاء بالدماء، ورائحة الغاز بالهواء، وأنّات المصابين بأصوات الجرافات، ووصف ما وقع فيه بـ«أكبر مجزرة عرفها التاريخ العربي المعاصر».
لم يكتف نظام السيسي بمنع المعتصمين من حق «اختيار الرئيس»، ولكنه انتزع منهم «حق الاعتصام السلمي»؛ بعدما اقتحمت قوات الأمن والجيش ميدان رابعة بعد 48 يومًا من الاعتصام، لتجعله بمن فيه وما فيه أثرًا بعد عين.
ومنذ ذلك التاريخ يسعى نظام السيسي بكل ما أوتي من قوة إلى تشبيه معتصمي ميداني رابعة العدوية والنهضة الباقين على قيد الحياة بمجرمي الحروب الذين يسعون في الأرض فسادًا؛ فسخّر أذرعته الإعلامية لتشويه سمعة المعتصمين وتصويرهم وكأنهم مجموعة من مصّاصي الدماء.
إشاعات وأكاذيب
قادت وسائل الإعلام التي تديرها الشؤون المعنوية للجيش من وراء حجاب الحرب لفضّ الاعتصام على المعتصمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة، وحرّضت لإيهام الشعب بأنّ الدولة تأخرت في فضه؛ بالرغم من حصولها على تفويض شعبي لمواجهة الإرهاب، وأشاعت أن المعتصمين في رابعة كانوا مسلحين وخزّنوا أسلحة ثقيلة.
وعملت وسائل الإعلام المختلفة على تهيئة الرأي العام لفض الاعتصام؛ تارة بنشر إشاعات وأكاذيب بشأنه، وتارة أخرى بالتأكيد على أن الاعتصام سبب رئيس في تدهور الاقتصاد وتراجع السياحة، وأن فضه سيعيد الاستقرار إلى البلاد ويجلب الاستثمارات الأجنبية.
شيطنة المعتصمين
في مدة الاعتصام، وحتى بعد مرور أربعة أعوام على فضه، روّج الإعلام الرسمي أن المعتصمين خزّنوا أسلحة ثقيلة وأسلحة كيميائية لمواجهة قوات الأمن، كما حصلوا على صواريخ مضادة للطائرات.
بدوره، ابتكر الصحفي بجريدة «المصري اليوم» حمدي رزق والمذيع بقناة «التحرير» محمد الغيطي قصصًا عن شيوع ما أسمياه «جهاد النكاح» بين معتصمي رابعة والنهضة، كما زعم إعلاميون آخرون وجود سوريات داخل الميدان يمارسن «جهاد النكاح».
كما ادعى الغيطي أنّ معتصمي رابعة أقاموا مخازن أسلحة ومقابر جماعية ومضاجع لنكاح الجهاد ومزارع للبط وميادين رماية في شقق سكنية لا تزيد مساحتها على مائة متر للتدريب على الأنشطة المسلحة.
أما أغرب أساليب الشيطنة ضد المعتصمين فجاءت على لسان المذيع بقناة «صدى البلد» أحمد موسى، الذي قال إنّ معتصمي رابعة العدوية «قتلوا ما يزيد على ثمانين شخصًا ودفنوهم في الصرف الصحي وفي كرة أرضية تحت الأرض».
ووصف أحمد موسى يوم فض اعتصام رابعة العدوية بأنه «نصر للمصريين»؛ إذ قال: «حرّرنا مصر من هؤلاء المجرمين، فما ذنب من حرقت سياراتهم أو هجروا من منازلهم لمدة شهر ونصف طوال مدة الاعتصام؟».
كما تحدّث الإعلام المصري عن انتشار حالات جرب بين المعتصمين في رابعة العدوية، وحذّر المواطنين من الذهاب إلى هناك؛ خوفًا من العدوى، كما ادعى إعلاميون اختطاف أفراد من جماعة الإخوان المسلمين لنساء وأطفال شوارع ومواطنين من الشوارع والمواصلات العامة وإجبارهم على الاعتصام في رابعة حتى يظل الميدان ممتلئًا أمام الكاميرات.
تبرير المجزرة
ولم يتوقف الإعلام عن التحريض على فض الاعتصام وتشويه المعتصمين، وانتقل بعد الفض إلى مرحلة التبرير لما جرى؛ فشبّه الإعلامي إبراهيم عيسى فض الاعتصام بتصدي رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لأعمال العنف والشغب في شوارع لندن عام 2011.
ورأت لميس الحديدي أن فض الاعتصام كان أبرز إنجازات حكومة حازم الببلاوي، ووصف توفيق عكاشة شعار التضامن مع رابعة العدوية بأنه ماسوني، وظلّ يوسف الحسيني يحرّض بشكل علني على تجاوز القانون وعلى «قتل الإخوان من دون محاكمة».
وواصل عمرو أديب وزوجته لميس الحديدي عبر المنابر الإعلامية شيطنة المعتصمين؛ فدعيا إلى تجاوز السلطات القانون والتعامل مع المعارضين السلميين باعتبارهم «إرهابيين».
سياسيون أيدوا الفض
واستضافت قنوات فضائية سياسيين و«خبراء أمنيين» ومنشقين عن الإخوان منذ زمن وجميعهم يروجون أنّ فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة حدثٌ تاريخي وضروري للقضاء على ما أسموه «بؤرتي القيح والصديد في جسد الوطن».
كما أدى سياسيون، كالمعارض المصري عبدالحليم قنديل، دورًا في التحريض على القتل. وقال رفعت السعيد، الرئيس السابق لحزب التجمّع وعضو جبهة الإنقاذ، إنّ «فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة جاء متأخرًا جدًا؛ لكنه أظهر أن قيادات الإخوان تضحي بالشباب المخدوع حتى لا تدخل في أي مواجهات مع قوات الأمن»، وفقًا لتصريحات أدلى بها إلى صحيفة «المصريون» في أغسطس 2013.
وفي مداخلة مع قناة «صدى البلد» في 14 أغسطس 2013 (يوم الفض)، ادعى البرلماني مصطفى بكري أنّ «فضّ الاعتصام كشف لنا أننا أمام مؤامرة حقيقية أطرافها الإخوان وحلفاؤها، وهي محاولة لضرب سيادة الدولة وإشاعة الفوضى وإثارة الحرب الأهلية والطائفية داخل الوطن».
حتى إن المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، مؤسس التيار الشعبي، قال إنّ «قرار فض اعتصام رابعة كان صحيحًا؛ لأنه كان مطلبًا شعبيًا، لكن كل نقطة دم أُريقت أوجعتني كثيرًا»، في تصريح لقناة «أون تي في» في برنامج «رئيس مصر» في مايو 2014.
وفي مقابلة مع قناة «أون تي في» في 31 أغسطس 2013، قال السيد البدوي، رئيس حزب الوفد وعضو جبهة الإنقاذ، إنّ «فض اعتصام رابعة بالقوة كان حتميًا؛ لأنّ الإخوان كانوا يشعرون بأن قوتهم أكبر من قوة الشعب والجيش والشرطة».
كما كان لعمرو موسى، عضو جبهة الإنقاذ رئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور وأمين عام جامعة الدول العربية السابق، تصريح لافت، بقوله: «أتابع بقلق شديد تطورات فض اعتصام رابعة وأحداث العنف التي أعقبته، وأحزنني كثيرًا ما رأيته من تحيز لعدد كبير من وسائل الإعلام الأجنبية في وصفها للأحداث، واتخاذها موقفًا ضد موقف الدولة المصرية في تطبيق القانون. ليس منوطًا لأحد أن يفرض على المصريين نظامًا رفضوه»، حسبما ذكر من بيان له نشر بصفحته الرسمية على فيس بوك في 16 أغسطس 2013.
وكان للبرلماني السابق والمحلل السياسي عمرو حمزاوي تصريح محدد في مقابلة مع قناة النهار في 10 سبتمبر 2013، قال فيها: «كنت أعلم تمامًا أن هذا الاعتصام فيه ما يهدد الأمن القومي للبلاد؛ إلا أنني لم أكن مع فضه بالقوة بسبب الدم. كان لا بد من استنفاد كل الوسائل السياسية ومصارحة الرأي العام بذلك بكل شفافية».