قال موقع «ثينك بروجرس» الأميركي إنّ أزمة الخليج مع قطر أصبحت نظام الأعمال الجديد للمنطقة، ومن الممكن أن تستمر إلى الأبد؛ لا سيما بعد تصريحات وزير الخارجية القطري يوم الأربعاء التي قال فيها إنه لا يرى أيّ دليل على أنّ السعودية وحلفاءها في منطقة الخليج مستعدان للتفاوض بشأن العقوبات المفروضة على قطر منذ يونيو الماضي.
بحسب التقرير، الذي ترجمته «شبكة رصد»، فالحصار إلى الآن أجبر قطر على إقامة علاقات وثيقة مع إيران، التي ترسل إمدادات غذائية إليها وزيادة وصولها إلى المجال الجوي الإيراني، كما استعادت علاقتها الدبلوماسية معها، وقالت إنها سترسل سفيرها إلى طهران؛ وهي خطوة أثارت غضب الإمارات.
وفي يناير 2016، استدعت الدوحة سفيرها لدى إيران بعد أن تعرّضت السفارة السعودية إلى هجوم؛ احتجاجًا على إعدام رجل دين شيعي في الرياض «الشيخ نمر النمر».
وقالت «داليا داسا كاي»، مديرة سياسات الشرق الأوسط في مؤسسة «راند»، إنها تعتقد أنّ أحد أبرز آثار الصدع هو ارتفاع درجة الحرارة بين قطر وإيران، مضيفة أنه ليس من المستغرب أن تبحث قطر بعد ذلك عن استراتيجية تحوط، وليس من المستغرب أيضًا أن تستغل إيران هذا الفراغ، مؤكدة أنها عادة جيدة للاستفادة من الفرص الإقليمية.
ولم ترَ قطر إيران عدوًا أبدًا، كما تفعل المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى أنها تشترك معها في أكبر حقل للغاز في العالم؛ لذلك هناك بعد عملي للعلاقة.
وتعتبر «داليا» علاقة قطر بإيران رسالة إلى دول الحصار بأنّ قطر أمامها اختيارات أخرى، واصفة الإشارة بأنها مزعجة لهم؛ إذ تشير إلى أنه سيكون من الصعب إصلاح العلاقات داخل دول مجلس التعاون الخليجي في أي وقت قريب، ومن المرجح ان يستمر هذا الاتجاه مع قطر وإيران.
انقسام في الإمارات
بالإضافة إلى ذلك، تعتقد «داليا» أنه سيكون هناك مزيد من التوترات حتى داخل دولة الإمارات؛ فمن المرجح أن تتحدى «دبي» أبو ظبي وتستمر في تجارتها القوية مع إيران، مضيفة أنّ الأمل في أي تحالف سني ضد إيران أُضعف بسبب هذا الانشقاق؛ بل ومن الممكن أن يكون مستحيلًا تشكيل هذا التحالف.
ويضيف «ريتشارد ليبارون»، السفير الأميركي السابق لدى الكويت، أنه من المرجّح أن تصبح دول مجلس التعاون الخليجي «منظمة أمنية خطيرة» في العقد المقبل؛ فهذه الأزمة ستترك ندوبًا عميقة.
يقول الموقع إنّ هناك أيضًا موضوعًا متعلقًا بشكل الحُكم الذي تريده السعودية والإمارات في الشرق الأوسط، في الوقت الذي لا تمتلك فيه الدولتان نموذجًا للحكم يمكن أن يصمد أمام النقد أو المعارضة. وقال ريتشارد إنّ «هذين البلدين يعتقدان حقًا أنهما يمتلكان نموذجًا قويًا للحكم، في حين أنهما يرفضان النقد أو المعارضة». وقالت الصحيفة إنّ هذه هي النقطة التي يأتي فيها دعم قطر للإخوان المسلمين؛ فالسعودية والإمارات لا تريدان التسامح مع أي شكل من أشكال الإسلام السياسي في المنطقة أو الاعتراف به.
تضارب الولايات المتحدة
ووصف الموقع موقف الولايات المتحدة بالمتضارب، وأنها لم تكن وسيطًا فعالًا في الأزمة؛ بل ساهمت فيها منذ أيامها الأولى برسائل ترامب، الذي أشاد في أحيان بقطر، ثم اتهمها بدعم الإرهاب. وظهر التضارب بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، الذي أجبر وزيرها «ريكس تيرلسون» ووزير الدفاع «جيمس ماتيس» ترامب على أن تكون لهجته دبلوماسية أكثر.
ووصف «ريتشارد» معالجة ترامب للوضع بالمؤسف، مضيفًا أنه «ليس من الجيد أن ترسل الإدارة الأميركية رسائل مختلطة ومتضاربة، ثم رسائل أكثر هدوءًا»، موضحًا أن الضرر قد وقع بالفعل؛ وهذا ما لم تكن أميركا تبحث عنه.
الآثار على الدول الإفريقية
وقال «ثينك بروجرس» إنّ الأزمة في الخليج ليست ما يبحث عنه أي شخص، خاصة الدول الإفريقية التي تعتمد على التجارة الجيدة والعلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية وقطر. وحاولت دول (مثل الصومال) الحفاظ على الحياد، بينما اتخذت دول أخرى (مثل تشاد) جانبًا مع السعودية؛ مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر.
وقال أحمد سليمان، الباحث في مؤسسة «تشاتام هاوس» بالمملكة المتحدة، إنّ ما يحدث يبدو تحوّلًا طويل الأمد في منطقتي الخليج وإفريقيا؛ فقطر تعمل مراقبًا ووسيطًا في المنطقة. على سبيل المثال: التوسط في اتفاق سلام دارفور (والمعروف أيضًا باسم وثيقة الدوحة للسلام) مع السودان.
وأضاف: «كان القطريون نشطين جدًا على مر السنين، ودعموا جماعات الإخوان المسلمين في السودان والصومال، وهي مناطق للإخوان فيها وجود قوي»، مضيفًا أن الأزمة من الممكن أن تهدد أيضًا العلاقات السياسية والاستثمارات المالية وتطورات الموانئ والقواعد العسكرية على طول الساحل الشرقي للقرن الإفريقي؛ وهو ما سينعكس على الاستقرار الإقليمي.
فالصومال، على سبيل المثال، الخارج من حرب أهلية دامت 30 عامًا، يحتاج إلى دعم عسكري دولي، فضلًا عن دعم مالي من أجل الحفاظ على وجوده. كما يوجد علاقات قوية بين لبنان وقطر، والتي أعادت مؤخرًا علاقتها مع السعودية عبر دعمها العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
أما السودان فظلّ محايدًا حتى الآن، على الرغم من أنه لا يزال يتعين أن نرى ما إذا كانت المملكة العربية السعودية ستأخذ هذا الحياد على أنه انحياز أساسي مع قطر.
أزمة للأبد
وأضاف الموقع أنه حتى لو كان هناك اتفاق مع دول الخليج نفسها، فإن هذه التداعيات يمكن أن تستمر إلى أبعد من ذلك بالنسبة للبلدان في إفريقيا والقرن الإفريقي التي كانت تعتمد على الدعم لسنوات عديدة. فعلى سبيل المثال: تتأثر تجارة الثروة الحيوانية في الصومال، الذي يعتمد على دول الخليج فيه، بالولاء أو غيابه.
وختم الموقع بقول «سليمان» إننا لا نعرف إلى أين ستذهب أزمة الخليج، ولا نعلم ما هي التداعيات التي ستترتب على ذلك، على المدى الطويل، داخليًا وخارجيًا؛ وهو ما ستكون له عواقب وخيمة جدًا.