نشر موقع «بوليتكو» تقريرا أعدته ناتاشا بيرتارد، ولارا سيلغمان، قالتا فيه إن الرئيس الأميركي جوزيف بايدن خفض من أولوية الشرق الأوسط في أجندته. وقالتا إن الرئيس لديه تاريخ صعب في المنطقة، وكل الأدلة تشير إلى أنه يريد غض الطرف والانتباه إلى مكان آخر.
ولم يجر الرئيس سوى مكالمة واحدة مع قادة الشرق الأوسط، وهي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجاءت بعد شهر من تنصيبه، وجاءت بعد مكالمات لحلفاء وحتى أعداء مثل روسيا والصين.
وأعلن بعد أسبوعين من دخوله البيت الأبيض عن وقف الدعم العسكري الأميركي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن وإعادة النظر في صفقات أسلحة لدول الخليج. واتخذت إدارته المقعد الخلفي في الهجمات التي تعرضت لها قواعد عسكرية في العراق.
وقال مستشار سابق للأمن القومي «لو قمت بإعداد قائمة لأولويات بايدن، فالشرق الأوسط ليس على قائمة الأولويات».
وهنالك شعور بالسخط من أن السياسة الخارجية الأميركية باتت في عالقة في «مستنقعات الخليج». وهذا جزء من تاريخ بايدن المؤلم مع المنطقة، فقد صوت في عام 1991 ضد حرب الخليج الأولى التي انتصرت فيها أميركا بسرعة.
وكرئيس للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ دفع باتجاه قرار يشرع غزو جورج دبليو بوش للعراق عام 2003 وصوت لصالحه ليندم بعد ذلك. وفي 2007 عندما رشح نفسه للرئاسة اقترح بايدن خطة لتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق، سنية وشيعية وكردية والتي انتقدها الخبراء في الشرق الأوسط وقالوا إنها ستقود إلى مزيد من سفك الدماء.
وبعد سنوات من التعامل مع مشاكل المنطقة وتولي ملف العراق في إدارة باراك أوباما والتعامل مع الحرب الأهلية السورية ومواجهة تنظيم الدولة لام قادة المنطقة وحملهم مسؤولية صعود الجماعات المتطرفة وقال «الأتراك، السعوديون والإماراتيون ماذا يفعلون؟.. كانوا مصممين على إسقاط الأسد وشن حرب بالوكالة سنية- شيعية، ماذا فعلوا؟ ضخوا ملايين الدولارات وعشرات الأطنان من الأسلحة لأي طرف يقاتل الأسد».
وغضب الحلفاء حيث اعتذر بايدن سريعا. واليوم سيحاول بايدن تناول العديد من المشاكل الشائكة التي أزعجته ولوقت طويل. ولم يقدم إلا إشارات قليلة حول إكماله سحب القوات الأمريكية من أفغانستان المخطط له في مايو بناء على اتفاق السلام مع طالبان. ومع أنه عارض زيادة القوات عندما كان نائبا للرئيس إلا أن وزير دفاعه لويد أوستن لم يعبر عن أي إشارة أن عملية الانسحاب لن تتم وذلك في مقابلته لقادة دفاع حلف الناتو.
وقال أوستن إن البنتاغون لن تقوم بعملية انسحاب سريعة وغير منظمة. ويبلغ عدد القوات الأمريكية في أفغانستان الآن 2.500 جنديا لكن العنف متزايد ولا يبرر كما تقول البنتاغون سحب كل القوات. ويبدو أوستن حريص على عدم البقاء في مستنقع الشرق الأوسط، وأمر بمراجعة للوجود الأمريكي حول العالم ومنه الوجود العسكري في الخليج، ولا يتوقع أن يخفض عدد القوات في آسيا- الباسيفيك.
وأظهر أوستن أن الشرق الأوسط ليس على قائمة أولوياته عندما عين ثلاثة مستشارين له: الصين وكوفيد-19 والمناخ. ونائبته كاثلين هيكس ومديرة طاقمه كاثلين ماغسامين من الخبيرات في الصين.
والبنتاجون ليست الوزارة الوحيدة التي تم فيها تخفيض حجم الفرق المتخصصة بالشرق الأوسط، ففي مجلس الأمن القومي قام جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي بتخفيض عدد العاملين في فريق الشرق الأوسط وزاد من حجم وحدة تنسيق شؤون منطقة الهند الصينية والباسيفيك. كما أن تعيين مات داس، مستشار حملة بيرني ساندرز مسؤولا بارزا في الخارجية يزيد من الشكوك من الإدارة لم تعد مهتمة بالسياسة التقليدية المحلية التي تحيط بسياسة الشرق الأوسط.
وقال مستشار مقرب من بايدن إنه يعارض تعيين داس وغيره من التقدميين الذين يعبرون عن استعداد للتخلي عن القيادة الأمريكية الحاسمة ومحاولة إرضاء أعداء الولايات المتحدة مثل سوريا وإيران وروسيا وباسم خفض التوتر.
لكن النائب الديمقراطي عن ولاية نيوجرسي، توم مالينوسكي والذي عمل مساعدا لوزير الخارجية في شؤون العمل وحقوق الإنسان أثناء إدارة أوباما يرى أن هذه المخاوف مبالغ فيها. وقال إن بايدن «يريد شخصيات في هذه الإدارة ممن يمثلون تيارات مختلفة من التفكير وداخل تيار واسع في الحزب الديمقراطي» و «لا يغير الالتزامات التي قطعها أو المعتقدات التي تعلمه وبل ويعني أن هناك نقاش صحي».
وفي وقته القصير منذ توليه الحكم عبر بايدن عن دعمه لبعض إنجازات سلفه دونالد ترامب الدبلوماسية بين إسرائيل والإمارات والبحرين. لكن الامتحان الأكبر له وهو يحاول وضع الشرق الأوسط على الرف هي قدرته على إصلاح الضرر الذي أحدثه ترامب بالخروج من الاتفاقية النووية مع إيران. ووصف سوليفان العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة تعتبر «أولوية حرجة» للإدارة والتي سيتم التفاوض حولها في الشهر المقبل مع مجموعة الدول الخمسة زائد واحد.
وهي بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وأميركا زائد ألمانيا.. ويخشى حلفاء بايدن من تعجل فريقه للعودة إلى الاتفاقية وغض النظر عن سجل إيران الصارخ في حقوق الإنسان وبرامج الصواريخ الباليستية وهجمات الجماعات الوكيلة عنها على القوات المتحالفة مع أمريكا. وأكد سوليفان أن هذا لن يحدث حيث قال في مناسبة الشهر الماضي إن هدف الإدارة هو “العودة للدبلوماسية” مع إيران ووضع البرنامج النووي في «الصندوق» بحيث تتمكن الولايات المتحدة وحلفائها معالجة التهديدات الأخرى التي تمثلها إيران.
وبات الموضوع ملحا عندما حددت إيران يوم 21 فبراير لرفع العقوبات عن الغاز والنفط الإيراني وإلا منعت مفتشي الأمم المتحدة. وأصبح الأمر أكثر إلحاحا عندما تم استهداف قواعد جوية في إربيل حيث تعمل القوات الأمريكية مما أدى لمقتل متعهد أمني غير أميركي. وأعلنت جماعة شيعية موالية لإيران المسؤولية عن الهجوم. وفي إشارة عن محاولات الإدارة إخراج نفسها من المنطقة الشائكة، قال المسؤولون إنهم لا يعرفون بالتأكيد الفاعل الحقيقي وتركوا التحقيق للعراقيين والرد العسكري.