ذهبت الحكومة المصرية مجددا إلى صندوق النقد الدولي للتوافق على برنامج إصلاح اقتصادي شامل، رغم التجارب السابقة، حيث بدأت منذ عهد الملك فاروق عام 1945 بانضمام مصر للصندوق للاستفاده من التعاون الاقتصادي مع الدول الأخرى ثم تطورت لطلب مستمر للقروض حتى اليوم.
فمصر تواجه تأثيرا سلبيا متصاعدا من التبعات العالمية، خاصة تلك المرتبطة بالحرب في أوكرانيا، وما تبعها من تخارج الأموال الساخنة (في أدوات الدين) من الأسواق الناشئة.
كما تأثرت القاهرة بشدة بأزمة سلاسل الإمدادات العالمية، والارتفاعات المتتالية على أسعار السلع الأساسية بقيادة القمح ومشتقات الوقود، الأمر الذي سيضيق على ماليتها العامة.
ومصر أكبر مستورد للقمح في العالم، بمتوسط سنوي 13.8 مليون طن، معظمها يأتي من سوقي روسيا وأوكرانيا، ومستورد كبير لمشتقات النفط الخام.
وتبلغ حقوق السحب الخاصة لمصر في صندوق النقد الدولي، حتى نهاية الشهر الماضي نحو 1.898 مليار وحدة، تبلغ قيمتها قرابة 2.9 مليار دولار أمريكي.
وحسب تقرير للأناضول بلغ إجمالي قيمة القروض التي طلبتها مصر من صندوق النقد الدولي 25.8 مليار دولار، أكبرها في 2016 بقيمة 12 مليار دولار؛ لكن المبالغ التي حصلت عليها فعلا، بلغت 20.37 مليار دولار.
بدأت علاقة مصر مع صندوق النقد الدولي منذ أربعينات القرن الماضي، وبالتحديد في عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، حين انضمت مصر لعضوية الصندوق.
إلا أن بداية العلاقة المالية وبرامج الإصلاح الاقتصادي كانت في عام 1977، عندما تقدمت مصر بطلب برنامج إصلاح اقتصادي للحصول على قرض مالي بقيمة 185.7 مليون دولار ولم تحصل عليه.
يعود تعثر القرض حينها، إلى مجموعة إجراءات اقتصادية اتبعتها القاهرة الأسواق المحلية، شملت زيادات أسعار، دفعت المصريين للنزول إلى الشارع.
بينما في عام 1987، تقدمت مصر للحصول على قرض بقيمة 375 مليون دولار، في حكومة عاطف صدقي، وحصلت عليها فعلا وتم استخدامه لتقوية السوق والبورصة.
بينما في عام 1996، تقدمت مصر للحصول على قرض آخر بقيمة إجمالية 434 مليون دولار، لكنها لم تسحب منه أية شريحة، واعتبر لاغيا.
في ذلك العام، طلبت مصر قرضا احتياطيا، لكن الظروف المالية والاقتصادية للبلاد جنبها السحب من التمويل المقدم من جانب الصندوق.
وفي عام 2012، خلال فترة الرئيس الراحل محمد مرسي، طلبت مصر رسميا قرضا بقيمة إجمالية 4.8 مليارات دولار، واستمرت المناقشات حتى مطلع عام 2013.
إلا أن صندوق النقد الدولي رفض البرنامج، واعتبر أن السياسات المنقسمة في مصر والانتخابات البرلمانية التي تلوح في الأفق حينها، يعني أن أي وعود قدمها الرئيس مرسي لصندوق النقد الدولي بشأن خفض الدعم وخفض الإنفاق الآخر الذي يُطالب به كجزء من الحزمة، لا يمكن تنفيذها.
لكن السياسة المصرية في ذلك، لم تكن مواتية وأدت إلى شل فكرة “الإجماع الوطني” حول أي شيء، ما دفع الصندوق للتأكيد على رفض التمويل.
بينما في عام 2016، وبالتحديد نوفمبر، وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على عقد اتفاق ممدد مع مصر لفترة ثلاث سنوات.
وتستفيد القاهرة في من “تسهيل الصندوق الممدد” بقيمة تعادل 8.579 مليارات وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 12 مليار دولار، أو 422% من حصة عضويتها)، لدعم البرنامج الوطني الذي وضعته السلطات المصرية لإصلاح الاقتصاد.
وفعلا، تمكنت مصر من الحصول على جميع شرائح القرض الممتد على مدار 3 سنوات، سبقه رزمة إجراءات اقتصادية، أبرزها تعويم الجنيه المصري.
وفي مارس 2022، تتجه مصر مجددا إلى صندوق النقد الدولي بحثا عن برنامج إصلاح اقتصادي جديد، قد تسبق الموافقة عليه رزمة إجراءات سيطلبها الصندوق، مرتبطة برفع الدعم على وجه الخصوص.