بضعة وعشرون يوما مرت على تنصيب قائد الانقلاب على رأس البلاد.. وبالرغم من قصر المدة إلا أنها كانت مليئة بالأحداث التي تحمل في طياتها الكثير من المصائب والكوارث، ولم تتوقف الفضائح عند المشهد السياسي –الذي لا يعلم قائد الانقلاب عنه شيئا-..
بل تطرقت الى مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية والأخلاقية. ظهرت خلال هذه المدة صورة سيئة للدولة المصرية ستحتاج في المستقبل – بعد كسر الانقلاب –إلى مزيد من الجهد والوقت لتصحيح الصورة الذهنية عن مصر وشعبها.
*مع بداية تسلمه للرئاسة كانت مصر مع موعد لفضيحة كبرى ألا وهي تحول ميدان الحرية والثورة إلى ميدان هتك الأعراض والاغتصاب ..
بل إن سحرته من الإعلاميين قالوا لمراسليهم عندما استنكروا هذه الأفعال بالميدان (الناس مبسوطة) وهكذا ظهرت مصر في صورة مشينة في أول يوم له، وحتى الآن لم يتخذ أي إجراء قوي لمواجهة هذه الظاهرة التي انتشرت، واكتفى فقط بالتهويل والترهيب وزبارة أحد الضحايا وتقديم بوكيه ورد أحمر لها!
*تم الترويج له على مدار سنة كاملة بأنه مرشح الضرورة ولا يتطلب منه برنامجا؛ لأن برنامجه أمن قومي، وعندما أعلن عن نجاحه في المسرحية التي تمت قالوا يبدأ بتشكيل الفريق الرئاسي وحتى هذه اللحظة لم يتم الإعلان عن مساعديه أو مستشاريه، وبالتالي لا نعلم شيئا عن كيفية اتخاذ القرار، وتحولت مؤسسة الرئاسة إلى مؤسسة الفرد كما كانت في عهد مبارك ..
ولم يتوقف الأمر عند ذلك فأمر محلب بإعادة تشكيل الحكومة، فكانت أعمار هذه الحكومة تتجاوز الستين عاماً، ولأول مرة يتم استحداث منصب وزير بلا وزارة؛ فقد عين وزيرة للتطوير الحضاري "العشوائيات" دون وضع هياكل إدارية أو مهام محددة لهذه الوزارة و بدون مقر أو موظفين وهذا كله ناتج عن غياب الرؤية.
*علاقته بالسياسة كعلاقة المحامي بأدوات السباكة ومع ذلك أشاعوا بأنه الأقدر والأكفأ وأنه رجل سياسة من الطراز الأول، ومع أول اختبار له خالف البرتوكول والمراسم ووضع مصر في حرج بالغ؛ حيث استقبل ملك السعودية وبدلا من أن ينزل الملك من الطائرة صعد إلى الطائرة بل ووضع قبلة على رأس عاهل السعودية، وقد تركت الزيارة علامات استفهام كثيرة حول وضع مصر في المنطقة والعالم، وامتد الأمر عند أول جولة خارجية له فعند زيارته للجزائر شنت الصحف هناك حملة على مصر ووصفت تصدير الغاز لمصر بأنه صدقة، وفي كلا الأمرين لم يدرك قائد الانقلاب بأنه أساء للشعب المصري وللدولة المصرية بتصرفاته و أفعاله.
* عندما سُئل عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر أكد أنه سيعمل على حلها بتحفيز الاستثمارات من خلال عدة خطوات، دون أن يمس بالفقراء والاعتماد على المساعدات الاشقاء العرب، وما إن تولى الحكم طالب الشعب بالتقشف والتبرع لمصر كما فعل هو ..
فقد أعلن عن تبرعه بنصف راتبه الذي ضاعفه له سلفه عدلي منصور، وتبرعه بنصف ممتلكاته التي لا نعلم عنها شيئا إلا دراجة ماركة بيجو، وقد نسي قائد الانقلاب بأنه أنفق ملايين الجنيهات من أموال الشعب يوم تنصيبه في ثلاث حفلات بأماكن مختلفة، فضلا عن التحفظ على أموال ومحلات وممتلكات رجال الأعمال المعارضين للانقلاب، واستغل البنك المركزي دعوته للتبرع وأنشأ حساب 3/7 بعد فشل حساب 30/6 في جمع التبرعات على مدار العام الماضي.
*وبحلول شهر رمضان كان تهنئته للمصريين مختلفة فقد بدأها لمحاربة بوستر "هل صليت على النبي اليوم" ثم بتحديد مساجد الاعتكاف والتراويح انتهاءً بمنع اعتلاء المنبر إلا لمن يحمل تصريحا..
ولم تسلم مسلسلات رمضان منه؛ فقد تم منع مسلسل أهل اسكندرية من العرض بعد أن تعاقدت قنوات الحياة والمحور على عرضه، واستمرارا لمسلسل المنع فقد تم منع علاء الأسواني من كتابة آراء معارضة فامتنع هو عن الكتابة من الأساس ليعلو أمر الصوت الواحد!
* لم تتوقف المصائب عند هذا الحد بل عندما استخدم السلطة التشريعية لأول مرة أساء استخدامها بأن أصدر تعديل لقانون الجامعات يقضى بإلغاء الانتخابات وعودة تعيين القيادات الجامعية من قبل رئيس الجمهورية، وهذا فيه إساءة بالغة لأساتذة الجامعات والذين يمثلون نخبة هذا الوطن بأنهم ليسوا أهلا للانتخاب، كما أنه لم يواجه مشكلة تسريب امتحانات الثانوية العامة والأزهرية،
ولم يتحدث عنها مطلقا وهذا يوضح أهمية العلم والتعليم بالنسبة له.
أما خارجيا فقد كان الوضع أكثر سوءا؛ فمع استلامه للسلطة كان بداية لإعلان أحكام قاسية ضد معارضي الانقلاب بدءاً من الحبس عدد سنين، مرورا بالمؤبد، وانتهاءً بالإعدام ..
هذه الأحكام جعلت القضاء المصري يُنظر إليه في الخارج على أنه لا يحترم المعايير الأساسية لمحاكمة عادلة كما صرح بان كي مون، وكذلك قالت مفوضة حقوق الانسان بالأمم المتحدة "بأن هذه الأحكام مهزلة مطلقة، وهناك عشرات التصريحات من الساسة في مختلف دول العالم حول هذه الأحكام.
ولنرجع إلى تصريح وزير خارجية الانقلاب السابق نبيل فهمي؛ عندما أعلن أن ثلثي مباحثاته مع القادة في الخارج ترتكز حول الحديث عن هذه الأحكام، وقد زاد الموقف صعوبة وأصبح كارثياً الحكم على الصحفيين المحترفين "خلية الماريوت" نظرا لعملهم في قناة أصبحت شوكة في حلق الانقلاب.
*أما عن الخدمات في هذه الفترة فحدث ولا حرج عن انقطاع الكهرباء بصورة أطول كثيرا من ذي قبل، فضلا عن وجود أزمة مياه شديدة في المحافظات وعلى رأسها محافظة الجيزة، ناهيك عن زيادة أسعار الكهرباء، السلع التموينية، ووجود بوادر أزمة في المواد البترولية.
* إن هذه المصائب كاد لها ألا تحدث لو كان هناك رؤية وخطة عمل واضحة المعالم،
أما الآن فهناك من يعتقد أنه يستطيع أن يفعل كل شيء بفضل قوته العسكرية وبمجهود سحرته من الإعلاميين؛ فسوف يتضح له أن مصر ستكون حبلى بمئات المصائب والكوارث، مما يعنى عودتهما إلى الموارد لعشرات السنين وبكره تشوفوا مصر!