شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

مجزرة الترحيلات.. الجريمة الحاضرة والقصاص الغائب

مجزرة الترحيلات.. الجريمة الحاضرة والقصاص الغائب
مر عام على حادث "سيارة الترحيلات" والتي راح ضحيته 37 معتقلا أثناء نقلهم من قسم الشرطة بمدينة نصر بالقاهرة إلى سجن أبو...

مر عام على حادث "سيارة الترحيلات" والتي راح ضحيته 37 معتقلا أثناء نقلهم من قسم الشرطة بمدينة نصر بالقاهرة إلى سجن أبو زعبل، دون أن يحاسب القتلة، بعد أن حكم القاضي عليهم بأحكام هزلية، ثم تم إلغاءها تمهيدًا لبراءتهم رغم الجريمة البشعة التي ارتكبوها.

ويعاني أهالي الضحايا من الآثار النفسية والاجتماعية للمجزرة وسط تخوف من إفلات المتهمين من العقاب.

وقضت محكمة جنح مستأنف الخانكة، بإلغاء الأحكام الصادرة من محكمة أول درجة، بالحبس بحق 4 ضباط من قسم شرطة مصر الجديدة، في قضية اتهامهم بالتسبب في وفاة 37 مجنيا عليهم وإصابة آخرين من المتهمين المرحلين بسيارة الترحيلات من قسم مصر الجديدة إلى سجن أبو زعبل.

ويروي ماجد الشافعي أحد الناجين من المذبحة والمفرج عنه منذ أيام بعد اعتقاله يوم فض ميدان رابعة العدوية ، مأساة سيارة الترحيلات والمعاناة، والتعذيب الذي تعرض له السجناء في امتهان لآدمية وكرامة المصري في بلده.

‏وِقال ماجد "لم تشهد البشرية في يوم واحد على مدار تاريخها -فيما أعلم- مشهدا أكثر وحشية و أكبر دموية من مشهد فض اعتصامي رابعة العدوية و النهضة ، لا وضاعة ولا خسة ولا قسوة ولا خيانة أكبر من ذلك الذي حدث يومها .. لا آلام ولا أحزان عاشتها أمة بأكملها مثل ما حدث في هذا اليوم وما تلاه" . 

وكان مما تلاه تلك الحادثة التي راح ضحيتها ثمانية وثلاثون من خيرة رجال الوطن وشبابه أثناء ترحيلهم من "قسم شرطة مصر الجديدة" إلى سجن أبي زعبل ، ذلك المشهد الذي أدميت له القلوب الحية والذي كان من تقدير الله أن أكون شاهدا على بعض منه .

وقال ماجد "تبدأ أحداث القصة في صباح يوم السبت الموافق 17-8-2013  التالي لأحداث الفض ، حيث يبدأ ترحيل المعتقلين الذين تم اختطافهم من ميدان رابعة العدوية من أقسام الشرطة -التي شهدت بدورها تعذيبهم الوحشي- إلى السجون في تمام الساعة السادسة صباحا .

 

المشهد الأول :

 

سيارة الترحيلات حضرت أمام القسم، يصطف المعتقلون في صفين على وضع أسرى الحروب جالسين على أمشاط أقدامهم، الأيدي مكبلة كلٌ في يد من بجواره و موضوعة على الرؤوس، و على الجانبين صفان من الجنود و الضباط المدججين بالسلاح يرسمون بأجسادهم ممراً تنطق جدرانه بأقذع الشتائم وأحط ما عرفه البشر من الكلام .

 

وأضاف ماجد "يصرخ أحدهم في الأسرى أن يتحركوا سريعا على وضعيتهم الجالسة نحو سيارة الترحيلات التي يقف على بابها جنديان أسودان كلباسهما يدفعانك إلى الداخل بعنف ، يبدأ العد بصوت مرتفع " إتنين .. أربعة .. عشرة .. عشرين .. تلاتين " ،، لم يعد بداخل السيارة مكان للوقوف فضلا عن الجلوس ، ويستمر العد "اتنين و تلاتين .. أربعين .. خمسين .. ستين .. سبعين" ،، تداخلت العظام بعضها ببعض ، لم يعد المرء قادرا على تحريك أنامله أو الإلتفات برقبته أو حتى رؤية من بجواره، "تمام يا باشا تم شحن الخرفان" قالها أحد العساكر لقائده بعد أن أغلق الباب بصعوبة بالغة

وتابع ماجد في شهادته "تنطلق السيارة في سرعة جنونية خائفة وسط حراسة مسلحة مشددة تكفي لغزو بلدة بأكملها، على مدى ما يقرب من الساعتين يميل السائق بنا يمينا و يسارا و يتوقف توقفات مفاجئة متعمدة كانت كفيلة بتكسير عظام البعض و احداث جراح شديدة ببعضٍ آخر .

 

المشهد الثاني :

 

تصل الآن سيارة الترحيلات إلى منطقة سجون أبي زعبل لتصطف في طابور لا يُرى آخره من أشباهها ، تمر الساعات و ننتظر أن تتحرك السيارة فلا تتحرك ، لا ماء يروي عطش أحدنا في هذا الحر الشديد .. ولا حتى هواء !!

 

وأوضح ماجد أن السيارة حين تتوقف لا يدخلها هواء من أي مكان، تشتد الحرارة عند الظهيرة فتحرق كل ما يلامس الجسد الحديدي للسيارة من الأيدي و الأجساد، يتصبب الأسرى المختطفون عرقا بغزارة شديدة تفقدهم كثيرا من سوائل أجسامهم، ثم يمتليء المكان بالبخار و الضباب من زفير الأنفاس حتى تكاد تنعدم الرؤية .

وتابع "هنا تتعالى الأصوات و الصرخات : " إلحقونااااا .. بنموووت .. هواااا ".

وأضاف ماجد "تتزايد نبضاتالخوف و ترتفع حدتها كأنما غريق تتلاطم به الأمواج ولا يجد من ينقذه، حالة هيستيرية تسود المكان، طرق على جدران السيارة من الداخل فيكل مكان، دعوات ترتفع إلى السماء بأن يخفف الله عنا ما نحن فيه من سكرات الموت و ما نلاقيه من عذاب، أصوات ترتفع بالشهادتين في سرعة و تزايد، هذا لا يعرف ما تفعل أمه العجوز من بعده، وذاك لا يدري ما يصنع أطفاله الصغار من خلفه ، وآخر لا يدري بأي ذنب نُقتل ، مرضى بالقلب وبالشيخوخة يبدؤن في التساقط ولا يجدون مكانا ، جراح و آلام … لا حياة لمن تنادي ، تحاول أن تنظر من هذه النافذة الصغيرة باحثا عن الأمل فلا ترى إلا صحراء تحيط بك من كل جانب .

 

تتزايد الإستغاثات و النداءات و الطرقات على الأبواب فيأتيك بعد زمن صوتٌ أجش من الخارج : " عايزين إيه يا ولاد ال **** ؟ " ،، الجميع يصرخ : " في ناس ماتت … بنموت .. هواااا " ،،، "ما تموتوا "  !! ،، كان هذا هو الرد .

 

حينها يبدأ العقل في الغياب شيئا فشيئا لعدم وصول الحد الأدنى من الأكسجين إليه و تشعر أنه ينطفيء تدريجيا ، تسمع من حولك استغاثات خوف و ألم في كل مكان ، يأتيك الصوت الأجش مرة أخرى صارخا في حدة : " موت و إنت ساكت يا ابن ال **** إنت و هو ، موت من غير دوشة يا خروف يا ابن ال *** " ثم ينصرف.

 

تدرك حينها أنك على بعد لحظات من لقاء ربك وقد انقطعت بك السبل و الاسباب ، تكثر من النطق بالشهادتين ، ثم تبيض عينيك فلا ترى بعدها شيئا … ثم تسقط .

لا أعلم كم من الساعات مرت بي على هذا الحال قبل أن نفيق على  سياطهم أمام لافتة كبيرة مكتوب عليها (السجن العسكري) ،، ليتداعى إلى ذهنك كل ما قرأت أو سمعت عن آلام معتقلي (السجن الحربي) في عهد الطاغية العسكري عبد الناصر …. ويتوقف حينها الزمن .

وقال شاهد أخر رفض نشر اسمه لما تعرضوا له من تهديدات تمس حياتهم و حياة ذويهم) بأن استغاثاتهم قوبلت بعمليات مساومة على "الهواء" في مقابل أن يسبوا رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي ، ففعلوا في سكراتهم ، ثم طُلِب منهم أن يصدروا أصوات "خراف" ففعلوا ، ثم أن ينعتوا أنفسهم بأحط الأوصاف و أرذلها ففعلوا ، وسط استغاثات شديدة بأن يسمحوا لهم حتى بإخراج من ماتوا و توسلاتهم بأن يرحموا كبار السن و المرضى ، وبعد أن انتهوا من فعل ما طُلِب منهم قيل لهم بأنهم سيُترَكوا حتى يموتوا لأنهم لا يجدون أماكن شاغرة للمزيد من "الخرفان" .

تصاعدت الإستغاثات و الصرخات، فما كان من القتلة (المقدم عمرو فاروق و من معه) إلا أن فتحوا الباب ليطلقوا عليهم قنابل الغاز ويغلقوه مسرعين ، ليلقى حتفهم شهداء بإذن الله عند ربهم – في ميتةٍ بشعة قاسية- ثمانية وثلاثون من أشراف الناس و أزكاهم نفسا و أكثرهم تضحية و بذلا في سبيل الحق و خدمة الدين و عون الناس .

 

ثم يتابع الشاهدين بأنهم حينما لم يستطيعوا فتح الباب لتراكم الجثث خلفه قاموا باستخدام (لمبة لحام) لعمل فتحة لإخراج المعتقلين منها ثم أفاقوا على صعقات كهربية و كلاب حراسة تنهش لحومهم لأنهم "بيمثلوا" و تم ضربهم و الموتى بقسوة شديدة حتى يُكتشف من منهم ما زال على قيد الحياة .

"إحنا بتوع الحزب الوطني"

أما شكري سعد فكان من سكان مدينة نصر، واشتري علاجا لمرض السكري يكفيه لمدة شهر عندما أوقفته الشرطة، واشتبهوا في شرائه الدواء لجرحى رابعة.

ويقال إن سعد ظل يصرخ أثناء الدفع به إلى داخل سيارة الشرطة "لست من الإخوان المسلمين، أنا من الحزب الوطني".

وفي مكان ليس ببعيد، كان "طلعت عليّ" يقدم الشاي للجنود والضباط أثناء استراحتهم من فض الاعتصام، وقرر صاحب المقهى الإغلاق مبكرًا؛ لأن الضباط رفضوا دفع ثمن المشروبات، لذلك انطلق عليّ في طريقه إلى منزله.

وقال إن الضباط الذين ألقوا القبض عليه هم الذين قام على خدمتهم. يقال إنه ذكر لهم أثناء القبض عليه: "أنا صبي القهوة، أنا من قدمت لكم الشاي".

في وقت لاحق، انضم إليه بائع الخضر محمد رمزي، الذي جاء من غرب القاهرة إلى مدينة نصر لبيع الخيار.

ثم كان هناك أحمد حمراوي الذي كان في طريقه لبيع ملابسه في وسط البلد.

وأوقف رفيق عبدالغني أثناء طريقه للعمل، وصدر لاحقا قرار بإطلاق سراحه بكفالة مالية، لكنه نقل إلى أبو زعبل قبل دفع الكفالة.

 

ويقول الناشط عمار ياسر بعد مرور عام عليها "كل ما أتخيل إللي حصل للي كانوا في عربية الترحيلات بحس إني بموت فعلاً .. دقات قلبي بتزيد وبحس برعب داخلي مش طبيعي .

 

وأضاف "إحساس إنك خلاص بتموت وبتطلع في الروح .. بتتقاتل عشان حبة هوا سخن مولع نار من حرارة الشمس الحارقة بس عندك أمل إنه يمكن ينجيك".

وتابع 6 ساعات محشور جوا فرن مولع نار (عربية الترحيلات) .. 45 معتقل بريء محبوسين في 2*3 متر .. لوحدهم بيموتوا من غير هوا ولا ماية ولا حمام !!!

وأضاف "زاد على النار إشتعالاً غاز مش بس مسيل للدموع .. ولكن كمان بيسبب حالة من التشنج الجسدي إللي ممكن يوصل للوفاة ، إتقتل 36 روح .. 36 نفس بشرية .. 36 إنسان .. فضلوا يطلعوا في الروح واحد ورا التاني .. فضلوا يصرخوا حتى تقطعت أحبالهم وعروقهم، ولم يرحمهم صراخهم وعويلهم من بطش القاتل السجان .. ضحكوا وفرحوا في إللي بيحصلهم بل وتمادوا إنهم إتريقوا عليهم في لحظات إحتضارهم، بعد ما إتأكدوا إنهم ماتوا خلاص فتحوا الباب ولم يحترموا حرمة أجسادهم .. أحرقوا بعضهم وأطلقوا النار على الآخر حتى بعد ما ماتوا وتركوا الآخر يتحلل من حرارة الشمس.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023