في أول زيارةٍ دينية من نوعها إلى بلد ذي أغلبية مسلمة، توجه بابا الفاتيكان، فرنسيس أول، أمس الأحد إلى جمهورية ألبانيا، تلبيةً لدعوة الأساقفة والسلطات المدنية في ألبانيا، والتوجه إلى تيرانا.
وطبقًا لإذاعة الفاتيكان، في تقرير لها، أن الزيارة كان قد أعلن عنها البابا بعد صلاة التبشير الملائكي في 15 يونيو الماضي، قائلاً: "أعلن تلبية دعوة الأساقفة والسلطات المدنية في ألبانيا، والتوجه إلى تيرانا، يوم الأحد 21 سبتمبر، ومن خلال هذه الزيارة القصيرة، أرغب بأن أثبّت الكنيسة في ألبانيا في الإيمان، وأشهد على تشجيعي ومحبتي لبلد عانى طويلًا من تبعات أيديولوجيات الماضي".
البابا يحاول إرسال صورة خاطئة
حاول البابا فرنسيس، الأحد، في ختام زيارته في ألبانيا، أن يهرب من الحقيقة، وأن يرسل رسالة خاطئة، أن ألبانيا ليست ذات أغلبية إسلامية، بالرغم أن أغلب سكانها من المسلمين السنة، بقوله: "إن هذا البلد ليس مسلمًا بل أوروبيًا"، موضحًا أنه اختار هذه الدولة الصغير لتكون الأولى التي يزورها في القارة الأوروبية لأنه أراد "إرسال رسالة" إلى أوروبا.
ووفقٌا لهذه المناسبة نستطلع تاريخ ألبانيا من الإلحاد إلى الإسلام:
ألبانيا على الخريطة
دولة ألبانيا، التي تبلغ مساحتها 28,784 كيلومترًا مربعًا، تحتل في تاريخ شبه جزيرة البلقان مكانة جيوستراتيجية بالغة الأهمية؛ فأراضيها تمتد على طول الساحل الجنوبي للبحر الأدرياتيكي 316 كيلومترًا، ونحو الداخل، إلى جهة الشرق، تتسع مساحتها عرضًا بين 100 إلى 150 كيلومترًا.
مرَّت بها تاريخيًا كل الطرق البحرية الرابطة بين موانئ اليونان وإيطاليا، ولاحقًا بين موانئ البندقية وتركيا. عرفت موانئ ألبانيا منذ العصور القديمة تطورًا مهمًّا ساهم بشكل مباشر في تنمية الاقتصاد الألباني وتنوع الحياة الثقافية للألبان.
سكان ألبانيا
إن ألبانيا، وكل المناطق الواقعة في جنوب شبه جزيرة البلقان، كانت أرضًا يسكنها الإيليرويين، منذ القرن التاسع قبل الميلاد، وهم شعوب من أصول هندو-أوروبية تعرضوا باستمرار لمحاولات احتواء وإخضاع من قبل اليونانيين، ثم الرومان، اللذين سعيا إلى فرض ثقافتيهما على تلك الشعوب.
منذ القرن السابع قبل الميلاد، وعلى إثر قدوم السلافيين إلى شبه الجزيرة البلقانية، بدأت أعداد الإيليريين في تناقص، وتمت عمليات إرغام قبائل إيليرية في كرواتيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود، وصربيا، على القبول بالانتماء إلى الهوية السلافية، ولم ينجُ من ذلك سوى السكان الإيليريين المقيمين في أراضي ألبانيا كما هي اليوم، وكوسوفو والمنطقة الغربية من مقدونيا ونجحوا في الحفاظ على هويتهم الثقافية واللغوية لأسلافهم الإيليريين القدامى. وظلت اللغة الألبانية، منذ العصور القديمة وإلى يومنا هذا، العامل الأهم في بناء الهوية الألبانية والحفاظ عليها.
بداية التنصير في ألبانيا
بدأت عمليات التنصير في ألبانيا، كما في غيرها من المستعمرات الرومانية، في القرنين الثالث والرابع. وبتقسيم الإمبراطورية الرومانية بين الشرق والغرب عام 395م، وقعت ألبانيا تحت السيادة البيزنطية. وهنا نذكِّر بأن ثلاثة من الأباطرة البيزنطيين الأوائل: أناستاسيوس الأول، وجاستين وجاستينيان الأول، كانوا من أصول إليرية.
أدى ترهل السلطة المركزية البيزنطية إلى تقوية شوكة الحكام المحليين في الأقاليم المجاورة وأضعف في نفس الوقت حكام البلدان المجاورة، وهكذا ضمت صربيا، ألبانيا في العام 1344، وحكمتها حتى العام 1389، عندما قهرت تركيا صربيا في موقعة كوسوفو، وأنهت مستقبل دولة صربيا لخمسمائة عام قادمة، لكنها أيضًا رهنت مستقبل دولة ألبانيا لأربعة قرون كذلك.
الخضوع للحكم العثماني "التركي"
خضعت ألبانيا للحكم العثماني "التركي" منذ العام 1385، وحتى 1501، وقد لاقت القوات التركية مقاومةً شرسة من قبل القائد العسكري الألباني غيارغ كاستريوتي، المعروف في الوثائق التركية باسم "إسكندر بيك"، وكان ذلك ما بين أعوام 1446-1468.
بداية انتشار الإسلام بألبانيا
خلال القرون الأربعة للاحتلال التركي لألبانيا، اعتنق غالبية الألبان الإسلام، وبلغت نسبتهم حوالي 80%. وتبعًا لذلك تأسست داخل المجتمع الألباني مؤسسات تعليمية ودينية وإدارية جديدة، أفرزت شخصيات شهيرة مثل: غيديك أحمد باشا، الذي كان أحد الجنرالات المميزين في جيش السلطان محمد الفاتح، وكبير الوزراء محمد باشا كوبرولو 1656-1702، ومحمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة، والعالم الإسلامي المعروف ناصر الدين الألباني، وكثيرين آخرين.
استقلال ألبانيا عن الدولة العثمانية
حصلت ألبانيا على استقلالها عام 1912، مع سقوط الإمبراطورية العثمانية، قبل أن تحتلها إيطاليا الفاشية قبيل الحرب العالمية الثانية عام 1939 وخلعت ملكها أحمد بيك زوغوا، عام 1944 قاد ثوار الجبهة الوطنية المعادية للفاشية، بالتعاون مع منتسبي الحزب الشيوعي الألباني، معارك الاستقلال ضد بقايا القوات الألمانية المحتلة وطردوها من الأراضي الألبانية، ليسيطروا على مقاليد الحكم في البلد في 28 نوفمبر من العام 1944، واستلم "أنور خوجة" رئاسة ألبانيا، وأرسى ديكتاتورية شيوعية استمرت حتى العام 1991. وكان أنور خوجة قد أعلن عام 1967 ألبانيا "أول دولة مُلحدة في العالم"، وأغلق أو هدم كل المؤسسات الدينية والتي كان يبلغ عددها 2169، ومنع كل نشاط ديني وسجن مئات الأئمة والعلماء المسلمين والمسيحيين، وقتل منهم من كانوا يُظهرون مقاومة له ولنظام حكمه.
أول دولة ملحدة في العالم
وقمع النظام الشيوعي الذي سيطر على ألبانيا بعد الحرب العالمية الثانية، الشعائر الدينية والمؤسسات الدينية، وحظرها تمامًا لدرجة أن ألبانيا أعلنت رسميًّا أنها أول دولة ملحدة في العالم، ولكن عادت الحرية الدينية إلى ألبانيا منذ تغيير النظام في عام 1992.
يتواجد المسلمون الألبان (65-70 ٪) في جميع أنحاء البلاد، في حين يتركز المسيحيون الأرثوذكس (20-25 ٪) في الجنوب، والكاثوليك (10٪) في شمال البلاد، لا توجد بيانات موثوقة عن المشاركة الفعالة في الخدمات الدينية الرسمية، ولكن التقديرات تتراوح بين 25٪ إلى 40٪.
الإحصاء الحالي.. 70 % سنة
ووفقًا للإحصاء الرسمي، الذي أُجري في ألبانيا عام 2011، يشكّل المسلمون نسبة 65-70% من إجمالي عدد السكان، وبعدهم الكاثوليك وأرثوذكس وإنجيليون وغيرهم، ويوجد 6 أبرشيات، و124 رعية، و25 مركزًا رعويًّا، وتدير الكنيسة الكاثوليكية في ألبانيا العديد من المدارس التبشيرية الابتدائية والمتوسطة والثانوية، إضافةً لـ5 جامعات، و8 مستشفيات، و16 دارًا للمسنين و16 ميتمًا ودارًا للحضانة، و3 مراكز لمساعدة العائلات وحماية الحياة البشرية.
حلف الأطلسي والتعاون الإسلامي
ألبانيا هي إحدى دول إقليم البلقان، الواقع في جنوب شرق أوروبا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومجلس أوروبا ومنظمة التجارة العالمية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي وأحد الأعضاء المؤسسين للاتحاد من أجل المتوسط، ويقطن العاصمة الألبانية تيرانا حوالي 607,467 شخص من أصل 2,986,952 نسمة في البلاد، واختيرت ألبانيا بين أعلى عشرة بلدان في قائمة لونلي بلانت لعام 2011.