كتب جعفر الزعفراني من داخل المعتقل:
في أول أيام اعتقالي جلسنا نفكر كثيرًا أنا ورفقاء الزنزانة في وضع المعتقلين وفكرة الاعتقال في الأصل.
ماذا يريد مني من يعتقلني؟
قال أحدهم : الإذلال.
وقال آخرون : إسكات صوتك ، سلب حريتك ، كبح جماح ثورتك .
حينها فكرنا لماذا لا نحاول إبطال مفهوم الاعتقال عند القامع بتغيير الصورة الذهنية عن المعتقل كونه سجينًا أَلِفَ حاله، فحصرت حياته في انتظار الزيارة الأسبوعية وشَغَلَه وقت التريض ومدته، إلي صورة هذا الثائر الذي تغيرت الظروف المحيطة به فقط، وتفعيل دور للمعتقلين في الحراك الثوري.
كنا حينها مازلنا تحت تأثير سخونة الحراك الثوري، أو المعلق عليه في السجن بعبارة: " الناس دي جايه جديد وسخنين ".
ولكننا اصطدمنا بالواقع بعد ذلك حين فهمنا أكثر، ولمسنا طبيعة القامع ومدي إجرامه، خصوصًا مع من أصبحوا في قبضته حيث يفرغ جام غضبه من المهلكة والضغط الذي يجدهما في الشوارع .
ففوجئنا أن كل أبواب الاحتجاج موصدة وجميع الوسائل موءودة.
فحين قررنا الامتناع عن حضور الجلسات وجدنا أننا ممنوعون أصلاً من حضور الجلسات، ولم يكن طعام التعيين صالحًا للآدميين، فلم تكن هناك قيمة للامتناع عن استلام التعيين، ولم يكن سيعيرنا اهتمامًا إذا ما قررنا الامتناع عن الزيارة.
فبدأ يستقر في قرارة نفسي الإضراب عن الطعام كوسيلة – رغم أني كنت أستبعدها وأعتبرها آخر ما يقدم – للتعبير عن الغضب، والخروج من حالة الاستكانة والقبول بالوضع الراهن وعرقلة هدف القامع من وضعنا رهن الاعتقال .
ويبدو أن المجتمع المصري ككل لم يكن بمنأي عن حالة القيد التي نعيشها داخل السجون؛ فأصبح النزول في مسيرة سلمية إقدامًا على الانتحار، حيث الضرب في المليان أول الأوامر، والكتابة بالرأي المخالف يتبعها مباشرة قرار بالمنع من السفر وقيد اسمه كأحد مساجين السجن الكبير.
علاوة علي ضيق العيش والحالة الاقتصادية التي تنمو باستمرار في الاتحاه المعاكس، بالإضافة إلي وباء الكراهية وعنصرية التصنيف، تلك الأمراض الاجتماعية التي استشرت نتيجة لحالة الانشقاق المجتمعي المتولد بعد الانقلاب.. هذا الجو المشحون وما يصاحب هذا كله من ضغط نفسي وعصبي علي المواطن ، ما جعل المجتمع يفجع بهذا العدد الكبير من حالات الانتحار.
من تلك النقطة الداكنة جاءت فكرة الإضراب المجتمعي العام.
ماذا لو أضرب مليون مصري عن الطعام ؟؟
كيف ستكون نظرة العالم لهذا النظام الذي دفع هذا العدد الضخم من شعبه للإضراب عن الطعام، حتى في ظل ازدواجية معايير الدول الغربية، وكيف ستقف هذه الدول أمام شعوبها والقيم التي تتشدق بها من الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان …الخ
ولنا في تجربة صديقي محمد سلطان خير دليل؛ حيث كانت معلومة إضرابه عن الطعام موجودة لدي الإدارة الأمريكية من أولها عن طريق مراسلات أهله التي تم الرد عليها بردود باهتة، ولم تتحرك الخارجية الأمريكية إلا مؤخرًا، حينما أثار الضغط الإعلامي والميداني حفيظة كثير من المواطنين الأمريكيين لهذا التجاهل الذي تتعامل به الإدارة مع قضية سلطان.
في النهاية هي وسيلة نتحرك بها حيث الركود المميت الذي يسيطر علي الحراك الثوري، صرخة تطلقها أجسادنا حيث كُتمت أفواهنا، في الوقت الذي لا يعول علي أي وسيلة أنها تحسم الصراع أمام نظام لا يعطي قيمة لأي شئ حتي الحياة، لكن دعونا لا نترك بابًا إلا ونطرق عليه.