لم يبالوا كثيرا بما يمكن أن تجره عليهم مواقفهم، أو ما تفتحه عليهم آراؤهم وفتاواهم.. فجهروا بكلماتهم صريحة في وجه سلطات الانقلاب وقادته، وفي الوقت الذي ينظر فيه الانقلاب بريبة للمتدينين والمشايخ ويحرص على إظهار المؤيدين له ويهرع غيرهم للاصطفاف معه خوفا وطمعا.. اختاروا الاصطفاف مع ما تمليه عليهم ضمائرهم، وما تفرضه عليهم دراساتهم الشرعية.
ولم يمنع الموقف الرسمي لمؤسسة الأزهر متمثلا في شيخه، علماء شرعيين عدة من رفض الانقلاب والوقوف بوجهه، وظلوا كذلك..
وأبى بعض العلماء إلا أن يكونوا ضد شيخ الأزهر فرفضوا الانقلاب، وظلوا كذلك إلى الآن حتى بعد عام ونصف من تاريخه، فمجمع البحوث الإسلامية يضم بين جنابته مشايخ أدانوا موقف الأزهر شيخه وبرءوا أنفسهم من دماء أسيلت وسلطة اغتصبت وحرمة أفراد انتهكت.
حتى قال الدكتور محمد عمارة قولته الشهيرة: "أقول لعبد الفتاح السيسي: لو شيّعت في مصر 1000 جنازة، في 1000 قرية، ستقوم في مصر ثورة لا تبقي ولا تذر".
فيما بدأت منذ أيام حملة تشويه في وسائل إعلام الانقلاب لثلاثة مشايخ ما زالوا على مواقفهم من الانقلاب العسكري، كما بدأ التشكيك بمناصبهم وعلمهم والحرب عليهم.
الشيخ حسن الشافعي
رئيس مجمع اللغة العربية، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، ومستشار شيخ الأزهر الذي عين مندوبًا عن الأزهر في لجنة الدستور المصري عام 2012 وكان له موقف مخالف لمؤسسة الأزهر في أعقاب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي وما تلاها من تظاهرات واعتصامات رافضة.
أدان الشيخ الشافعي بشكل منفرد مذبحة المنصة في يوليو 2013 ، وفي أغسطس 2013 تلا بيانًا حادًا أذاعته قناة الجزيرة في أعقاب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة أنهاه بقوله "اللهم إني أبرأ إليك مما حدث، وأستنكره من كل قلبي. وأسأل الله لبني وطني العقل والحكمة، وأدعوهم إلى التوبة، وكلُّ الحَول والطَّول والقوة بيد الله رب العالمين".
لم يسمح لعلاقته بشيخ الأزهر أن تحول بينه وبين الصدع بكلمة الحق وبيان الحكم الشرعي الصحيح لما يجري من إجرام وظلم.. واعتبره البعض شيخ الأزهر الحقيقي الذي يعبر عن موقف الأزهر المجاهد الذي قاد الجماهير للتحرر والاستقلال على مر التاريخ!.
الدكتور محمد عمارة
المفكر الإسلامي ورئيس تحرير مجلة الأزهر الذي ينتمي إلى المدرسة الوسطية ويدعو إليها، فيقول عنها إنها(الوسطية الجامعة)التي تجمع بين عناصر الحق والعدل من الأقطاب المتقابلة فتكوّن موقفًا جديدًا مغايرًا للقطبين المختلفين ولكن المغايرة ليست تامة، فالعقلانية الإسلامية تجمع بين العقل والنقل، والإيمان الإسلامي يجمع بين الإيمان بعالم الغيب والإيمان بعالم الشهادة ، والوسطية الإسلامية تعني ضرورة وضوح الرؤية باعتبار ذلك خصيصة مهمة من خصائص الأمة الإسلامية والفكر الإسلامي ،بل هي منظار للرؤية وبدونه لا يمكن أن نبصر حقيقة الإسلام، وكأنها العدسة اللامعة للنظام الإسلامي والفكرية الإسلامية.والفقه الإسلامي وتطبيقاته فقه وسطي يجمع بين الشرعية الثابتة والواقع المتغير أو يجمع بين فقه الأحكام وبين فقه الواقع ،ومن هنا فإن الله جعل وسطيتنا جعلا إلهيا (جعلناكم أمة وسطا).
أهم ما يميز فكره هو إيمانه ودفاعه عن وحدة الأمة الإسلامية, وتدعيم شرعيتها في مواجهة نفي البعض لها، حتى نعَت العلمانيون دكتور عمارة بأنه المنظًر للحركة الإسلامية، ويقول هو: ذلك شرف لا أدًعيه وهم لا يقصدون منه المديح وإنما استعداء السلطات ضدي.
وقف الدكتور محمد عمارة من الانقلاب وما حدث فيه موقف المدافع عن حق الشعب المصري في الحرية والديمقراطية، مشيرًا أن المسار الذي فتح هذا الانقلاب أبوابه لن يضر فقط بالتحول الديمقراطي للأمة وإنما يضر كذلك بالقوات المسلحة وذلك عندما يشغلها عن مهامها الأساسية وفي الهزائم التي حلت بنا في ظل الدولة البوليسية عبرة لمن يعتبر.
وأوضح عمارة في بيانه أن ما حدث في 3 يوليو 2013 هو انقلاب عسكري على التحول الديمقراطي الذي فتحت أبوابه ثورة 25 يناير 2011 والذي تمت صياغته في الدستور الجديد، مضيفًا أن الدستور الذي استفتى عليه الشعب قد أصبح عقدا اجتماعيًا وسياسيًا وقانونيًا وشرعيًا بين الأمة والدولة وبموجب هذا العقد فإن للرئيس المنتخب ديمقراطيا بيعة قانونية وشرعية في أعناق الأمة مدتها أربع سنوات والناس شرعا وقانونا عند عقودهم وعهودهم" .
فيما استمرت بعض المضايقات على الدكتور عمارة في مجلة الأزهر وظل صامدًا إلى الآن رغم محاولات كثيرة لإبعاده عنها، بعد حرمان بعض الكتاب الكبار كالدكتور محمد سليم العوا والمستشار طارق البشري وغيرهم من الكتابة في المجلة، بينما ظل عمارة يصدر ويحقق بعض المقالات والكتب في المجلة متحديًا بذلك شيخ الأزهر واقفًا في وجه معظم رجال المؤسسة المؤيدين لسلطة الانقلاب.
الدكتور محمد المختار المهدي
أستاذ الدراسات العليا بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بجامعة الأزهر في مصر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، والإمام الحالي للجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية، ورئيس لجنة القرآن وعلومه والإعجاز العلمي بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
كانت له المواقف الواضحة المؤيدة للرئيس محمد مرسي حتى وقت ترشحه بعد جولة الإعادة مع الفريق أحمد شفيق عندما أعلن تأييده لمرسي وقوبل ذلك بعاصفة من الانتقادات من المفتي السابق الدكتور على جمعة حينها.
فيما تعرضت الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية لوقف نشاطها ومصادرة أموالها كلية التي كانت إحدى ركائز الأمن والسلام الاجتماعي من خلال مشروعاتها الخيرية المجانية العملاقة التي تستفيد منها مختلف طوائف الشعب من المسلمين والمسيحيين.
ظل هؤلاء العلماء الثلاثة بمواقفهم الكبيرة حجر عثرة أمام شيخ الأزهر يقولون كلمة الحق ويدافعون عنها، رغم الحصار الإعلامي عليهم، وبعض المضايقات من قبل سلطة الانقلاب العسكري، والهجمات الإعلامية المتتالية من قبل إعلام الانقلاب.