أصبحنا نعيش في مصر في زمن التسريبات، كل من يريد “قرص ودن” شخص ما، أو الضرب تحت الحزام في جهة ما، يقوم بتسريب مكالمات هاتفية أو محادثات شخصية تم التنصت عليها لهذا الشخص أو ذاك!
النظام نفسه هو من بدأ هذه الطريقة في بلد يغيب فيها القانون، ويكلم فيها عضو المجلس العسكري ممدوح شاهين النائب العام ليملي عليه التعليمات بشأن الإجراءات القانونية في قضية ما. لكن أن تخرج تسريبات ضد النظام نفسه، ولاسيما المؤسسة الأمنية وعلى رأسها وزارة الدفاع، فهذا كان المؤشر الأكبر على الوضع الأمني الذي وصلت إليه مصر التي كانت تحتاج في رأي البعض لذكر عسكري!
وإذا خرجت تسريبات من مكتب وزير الدفاع، فليس من الغريب أن تخرج تسريبات لقيادي رئيسي في جبهة الإنقاذ ورئيس حزب كرتوني هو حزب الوفد وصاحب واحدة من كبريات الفضائيات الموالية للانقلاب هي شبكة تلفزيون الحياة.
***
قضية التسريب ليست السبب الرئيسي في تناول هذا المقال، وإنما المؤشرات الخطيرة التي تضمنها هذا التسريب، ومنها:
1- هناك صراع أجنحة واضح داخل جسد النظام، لم يبدأ فقط بإاقلة محمد إبراهيم، ولن يتوقف بتسريب السيد البدوي! هذه الصراعات بدأت تعبر عن نفسها بشكل أكبر الفترة الماضية، ومنها ما يمكن تسميته بـ “حملة” ضد السيد البدوي خلال الأيام القليلة الماضية، بدأت باتهام فؤاد بدراوي سكرتير حزب الوفد السابق للسيد البدوي بأنه ترشح لرئاسة الوفد بأوامر من أمن الدولة، وإقالة البدوي لأعضاء في الحزب بتهمة تلقي تمويل من خارجه لأجندات خاصة.
2- المكالمة المسربة تؤكد قناعة تامة من النظام وأجهزته الأمنية أن الإخوان هم السبب الرئيسي في نجاح الثورة والإطاحة بمبارك، وأنه لولا مشاركتهم في المظاهرات واعتصامهم في التحرير بنظامهم المعروف وقدرتهم على الحشد لما انكسر جهاز الأمن ونجحت الثورة بهذا الشكل.
3- المكالمة أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن مخطط قتل الإخوان والتخلص منهم وتصفيتهم جسديا وسياسيا هو مخطط قديم، وهو رد الفعل الثابت والقديم للنظام على مشاركة الإخوان في الثورة، وليس بسبب ترشحهم للرئاسة أو طريقة إدارتهم للحكم…إلخ.
4- لهجة العداء الشديدة ونبرة الغل التي حملها صوت الطرف الثاني في المكالمة التي سربت للسيد البدوي (وهو ضابط مخابرات أو أمن دولة في الغالب) تؤكد أن السيسي حين قرر القيام بالانقلاب العسكري وحين وقع قرار فض اعتصامي رابعة والنهضة بكل هذا العدد من الشهداء، لم يفعل ذلك لرغبة شخصية في الوصول للحكم فقط، وإنما إشباعا لسادية وشهوة طاغية لدى الجهاز الأمني في مصر، للانتقام من جماعة الإخوان المسلمين. وهذا دليل إضافي لمن لم يفهم بعد أن المشكلة ليست – ولم تكن يوما – في السيسي فقط!
5- هذا التسريب ينفي أية أكاذيب حول تنسيق بين العسكر والإخوان، ففي وقت مبكر من الثورة كانت الأجهزة الأمنية تحمل لهم كراهية شديدة وتعلم علم اليقين أن هناك مخططا للتخلص منهم.
***
لا أعتقد بتاتا أن هذا هو التسريب الأخير، على العكس، أعتقد أن التصدعات في جسد النظام ستزداد.